ودع أطر وموظفو مجلس المستشارين يوم الاثنين المنصرم حكيم بنشماش الذي قضى بهذا المجلس 12 سنة بالتمام والكمال منها ست سنوات كمستشار برلماني معارض وست سنوات أخرى كرئيس لهذه المؤسسة الدستورية. موظفو المجلس ودعوا حكيم بنشماش بحفل شاي وفي أجواء طبعها التأثر والتسامح ووالنوستالجيا إلى كل هذه السنوات التي عاشوها معا بحلوها ومرها. وقد ألقى حكيم بنشماش كلمة وداع شكر فيها كل الحاضرين في هذا الحفل على تعاونهم وعلى ما بذلوه من مجهودات.. بنشماش، الذي بدا جد متأثر إلى درجة أنه غالب دموعه، طلب السماح من الجميع ولمح إلى إنه كرئيس يبقى هو المسؤول الأول والأخير عن كل خطأ أو تقصير قد يكون شاب عمل المجلس. وحيد خوجة أمين عام المجلس هو بدوره ألقى كلمة وداع في هذا الحفل نثر فيها الكثير من الورود على رئيس تقاسم معه الكثير من الأفراح لكن ومن الأحزان أيضا. والواقع أن وحيد خوجة لم يودع، في هذه الكلمة، التي هي أقرب إلى نص أدبي، حكيم بنشماش فقط. وحيد خوجة ودع أيضا حتى نفسه وودع موظفي المجلس لأنه آن له أن يرتاح بعد سنوات طويلة من العمل ومن عذاب الليل والنهار. ولأن كلمة وحيد خوجة كانت أقرب إلى نص أدبي وقال عنها بنشماش: "أنا ليس لي أدب وحيد خوجة.."، فإني سأعيد هنا نشرها لكل غاية مفيدة: السيد الرئيس، زميلاتي وزملائي الأعزاء، حرت كثيرا في كيف أناديك لأنك كنت الرئيس وكنت الصديق وكنت الصدوق وكنت أخانا. اثنتا عشرة سنة مرت سريعة كالضوء. اثنتا عشرة سنة ذهبت، وانفلت الزمن من بين أصابعنا كسبحة تقطعت. ولأن العمر يجري في غفلة منا ليصبح مستحيلا الجمع بين البدايات والنهايات. والبدايات شهدت كيف شد الناس إليك اهتمامهم كناطق باسمهم. واكتشفوا فيك سياسيا رزينا، يختار الكلمات كما تختار الدرر النفيسة.. ووجدوا فيك ضالتهم فاحتضنوك.. تدخلاتك لازلت قاعة الجلسات تردد أصداءها.. ولما تغيرت المواقع والمقامات كنت أنت أنت، بكل عنفوانك وعاطفتك.. ولم ينس الناس صغيرهم وكبيرهم أنك ريفي أصيل لا يتحمل صباغة أخرى غير تلك التي أنتجها الجبل بكل جبروته. ويشهد الخاص والعام في مؤسسة تكلم فيها الصمت وأنطق الصم والبكم. في مؤسسة يسري فيها الخبر قبل أن يدون أنك حافظت على الحدود بين المؤسسات دون مساس بأسبقية التنسيق بين مكونات الإدارة والمكتب. واليوم ونحن نطوي المسافات طيا اعتقادا منا أن شيئا ما سيقع.. لكن الزمن هو الزمن لا يشيخ ولا يهرم ولا يتوقف.. نحن الذين يتوهمون أن الزمن واقف وجامد عندما نتوقف. فغدا سيسطع يوم جديد بشخوص آخرين قد يذكرون حسناتنا ويتجاوزون عن سيئاتنا لأننا خطاؤون بالطبيعة.. لكننا توابون وللخير فاعلون.. فشكرا لك عن أريحيتك.. وشكرا لك عن تفهمك.. وشكرا لك على حضورك بيننا في كل مناسبة.. ولن ننسى أنك ساهمت في إخراج هذه المؤسسة من قوقعتها واحتضنت النقاش العمومي لكي يصبح المجلس ملكا لجميع المواطنين.