أكد الأستاذ في تدبير الأزمات، مصطفى الرزرازي، في مقال تحليلي صادر عن مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، بعنوان "كوفيد-19 والصحة النفسية .. انعكاسات الحجر على الصحة العقلية"، أنه "إلى جانب تداعياته الاقتصادية، كان وسيظل للحجر انعكاسات نفسية كبيرة على السكان". وقال السيد الرزرازي "إن تفشي (كوفيد-19) على مستوى العالم تسبب في إثارة الخوف والقلق على نطاق واسع"، موضحا أن ذلك يعزى، أساسا، إلى مخاوف من انتقال العدوى والخوف من الموت، وكذا بسبب عدم اليقين الدائم الذي يحيط بطبيعة الوباء، وطرق انتقاله، ودرجة ضراوته، وفعالية بروتوكولات التدخل العلاجي التي تمكن من إنقاذ المصابين بالفيروس". وأضاف الأستاذ في تدبير الأزمات أنه من الضروري التمييز بين حالتين غالبا ما يتم الخلط بينهما : من جهة، "الآثار النفسية التي يسببها الخوف من تفشي الجائحة ومن ضراوتها"، ومن جهة أخرى، "الانعكاسات الناجمة عن التدابير الرامية إلى مكافحة الجائحة، بما في ذلك الحجر". وأبرز أن القيود الصحية الملحة وفرض الحجر لفترة طويلة لم يأخذ في الاعتبار التأثيرات على الصحة العقلية، خاصة على اعتبار أن "الحجر أثار، على المستويين الاجتماعي والإنساني، عدة صعوبات معرفية-سلوكية"، ناتجة بالأساس عن "تغيرات في الموقف و/أو الدور الاجتماعي والاقتصادي للأفراد". وأوضح صاحب المقال، أيضا، أن الاضطرابات الناجمة عن الحجر تتطلب إعادة تأطير بين تقويمات مختلفة تمثل "الجانب البيولوجي لأجسامنا، وتفاعلاتنا الاجتماعية، وكذا التزاماتنا المهنية". وعلاوة على ذلك، أبرز السيد الرزرازي أن تداعيات أزمة كوفيد-19 والحجر تتجلى بدرجات متفاوتة، وفقا لأربع فئات اجتماعية ومهنية، مذكرا، في هذا الصدد، على سبيل المثال بالأشخاص "العاديين" الذين ظهرت عليهم بالأساس أعراض القلق والمخاوف والمعاناة بسبب الانقطاع عن بعض العادات اليومية. ويتعلق الأمر أيضا بأفراد لديهم "سوابق في الاضطرابات النفسية/العقلية"، و"أولئك الذين ظهرت عليهم اضطرابات سلوكية جديدة، واضطرابات حسية أو عاطفية"، وكذلك "المهنيين العاملين في مجالي الصحة والأمن الذين عانوا من قلق ومخاوف متزايدة". وأشار الكاتب إلى أن الحالات التي تم رصدها تظهر مجموعة متنوعة من الأمراض التي تشمل، من بين أمور أخرى، "التعب والتوتر، ونوبات الهلع، وتفاقم مشاكل الصحة البدنية أو العقلية الموجودة من قبل، والزيادة في استهلاك المؤثرات العقلية، والشعور بالعجز، والمعاناة النفسية، والقلق والضغط النفسي". وفي المقابل، سجل الخبير أن "الحالة النفسية الناتجة عن العزل أو الحجر لن تختفي تلقائيا بعد رفع التدابير الصحية"، على اعتبار أن "حالة الضغط لدى الأفراد غالبا ما تستمر، وتتصاعد في بعض الأحيان، أو حتى تؤدي إلى أمراض أخرى". وحذر من أن الكثير من الناس سيستمرون في الشعور بقلق عميق، والخوف من الآخر، والقلق بشأن المستقبل خلال مرحلة "ما بعد الحجر"، بينما سيعاني آخرون من ردود أفعال متشائمة خلال هذه المرحلة بسبب تزايد حالة عدم اليقين. وفي شق الأبحاث، أوضح السيد الرزرازي أن الجائحة فتحت طريقا جديدا في مجال علوم الصحة العقلية، مضيفا أن النسخ المستقبلية للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية وتصنيف الاضطرابات العقلية ينبغي أن تكرس، على الأرجح، فصولا محددة لخصائص الصحة العقلية إبان الأزمات.