منذ انطلاق الشرارة الأولى لتفشي وباء كورونا المستجد، تزداد يوما بعد يوم التداعيات النفسية لهذا المرض على حياة الكثيرين بالمغرب، كالزيادة في حدة القلق، و( الستريس )، وكثرة الشك، والخوف من الصدمة، أو من فقدان عزيز... يفرض العيش في مثل هذه الظروف انعكاسات نفسية سلبية، سنحاول التعريف بمخاطرها وبسط ظروفها، والتذكير بالإجراءات الوقائية الإضافية والضرورية ،لتقوية المناعة لدى الأفراد في مواجهة هذا الفيروس الخطير. فكيف يتأثر الفرد منا نفسيا باحتمال الإصابة بمرض كورونا، وما السبيل للوقاية من الانعكاسات النفسية للحجر الصحي، وعدم الاستسلام. سياق الوباء العالمي كحدث نفساني المنشأ. ليس من الحياد في شيء، عدم الخوض في البعد النفسي للحياة الجماعية للمغاربة في ظل الحجر الصحي، والقول بأن اللحظة الوبائية العالمية هي حدث عارض لا مجال لمسألته والوقوف على أثاره النفسية، وذلك لكون الشعور بالخوف من الإصابة بفيروس كورونا هو نفساني المنشأ أولا وقبل كل شيء، وسواء أكنا معنيين به أم لا، فإن فيروس كورونا يضعنا أمام مخاطر نفسية بشكل غير مسبوق، وبدرجة مرتفعة أمام تهديده الصريح باحتمال فقداننا للحياة. قد يتسبب عدم تقبل الحجر الصحي في إثارة حمولة عاطفية قوية يصعب التحكم فيها، وهي مسؤولة عن ظهور أعراض متعددة الجوانب على المستوى النفسي، كالتعب والزيادة في الانفعالات، وقلة النوم، والانشغالات القهرية بالمستقبل، والخوف من الآخرين، والتغير في المزاج، والاتجاه نحو الوسواس من فرط أخذ الاحتياطات، وغسل اليدين، وتتبع الأخبار والمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي. وبين ثقافة الاستهتار وعدم صوابية اللجوء إلى الهلع في مواجهتهم للأخطار، كأحد أهم أوجه التشابه والتقاطع في سلوكيات الكثير من الناس، قبل وبعد انتشار فيروس كورونا بالمغرب، تظهر هذه الأزمة العالمية كيف تتأثر الصحة النفسية والعقلية في ظل تطور الأحداث، خاصة الوبائية منها بالمغرب، وذلك بدرجات متفاوتة بين الأفراد، حسب الهشاشة في الشخصية، والقدرة على التكيف مع تطورات الأحداث، والتحكم في القلق والمخاوف بشكل يومي. ذلك، أن ظروف الحجر الصحي لا تستدعي فقط أخذ تدابير النظافة اللازمة للوقاية من فيروس كورونا، وإنما أيضا تحتاج إلى الرفع من درجة التفكير الإيجابي، واليقظة الكاملة من أجل تعزيز والحفاظ على اللياقة النفسية والذهنية، والوعي بمختلف العوامل المسببة للإصابة بهذا الفيروس الخطير، كالتعرض للوباء، والتجارب السابقة لأحداث مجهدة، وعدم عناية الأسرة، والأمراض المزمنة، والسن، والسوابق الشخصية المرتبطة بالاضطرابات النفسية والعقلية. عدم تقبل ومقاومة ظروف الحجر الصحي والإحساس بالعزلة للوباء، انعكاسات سلبية على الحياة النفسية للمريض، أساسها الشعور بالعزلة وبالعار أمام الآخرين ولنظرتهم إليه نظرة التشفي والرغبة في تجنبه، وهو ما يدفع بالمصاب إلى إنكار تدهور حالته الصحية، أو اللجوء إلى وصفات طبيعية للإيهام الذات بالتفوق على المرض والعودة إلى حياته الطبيعية، إضافة إلى رفضه تقبل فكرة احتمال الإصابة، يخلف الحجر الصحي لدى الفرد شعورا قويا بالذنب لتفريطه في شروط الوقاية والسلامة الصحية، أو لنقله العدوى إلى أقاربه ومحيطه. الحجر الصحي هو تجربة صادمة في حد ذاتها، وحتى لو فرض العزل من أجل أسباب وقائية، فإن فئات كثيرة لم تستوعب بعد، أو تأخرت في استيعاب الظرفية الحالية، والإجراءات والتدابير المتخذة للحد من تفشي الوباء السريع الانتشار، وعلى غرار الكثير من الصدمات، تظهر مع الحجر الصحي عدة أعراض ) اضطرابات النوم والمزاج، وهيمنة الشعور بالقلق على نفسية الأشخاص، وقد تصل في كثير من الأحيان إلى درجة الاكتئاب، الذي يسبق عادة الإصابة بضغط الإجهاد ما بعد الصدمة(، وقد تمتد إلى عدة شهور أو سنوات أخرى قد تتطور إلى حالات مرضية. ماذا عن إجراءات التكفل للوقاية من الانعكاسات النفسية للحجر الصحي للتغلب على أثار والانعكاسات النفسية لظروف الحجر الصحي ورتابته، يحتاج الجميع إلى الاقتناع بضرورة الحجر الصحي أولا ثم اكتساب قدر كاف من الثقافة واعتماد المزيد من الإجراءات النفسية الضرورية لمواجه فيروس كورونا، من أهمها: - الوعي بمختلف العوامل السلبية الغير مرغوب فيها والتي تهدد المناعة النفسية الضرورية للمواجهة الفيروسات من خلال تفادي المدخلات المؤدية للخوف والهلع، والقلق، والشك، والوساوس. - تعلم مهارات تدبير العواطف السلبية من خلال الوعي بالأفكار المسؤولة عن إثارتها، وتسميتها، ومعرفة المكان الذي تثيره في الجسد، وفهم الرسائل التي تبعثها إلى الجسد، وإعادة صياغتها صياغة صحيحة، والتصريح بها ومشاركتها بشكل إيجابي في جلسات أسرية ومع والأقارب والمحيط. - تقوية الجانب الروحي بالاعتقاد في الخالق، وبقدرته على رفع البلاء والأمل في حكمته، مع الدعاء والصلوات بالنسبة للمتدينين، وبالاسترخاء والتأمل ورياضة اليوغا لغير الممارسين للطقوس الدنية. - التقيد ببرنامج رياضي داخل البيت (يمكن تخصيص صالونات الاستقبال لممارسة حصص رياضية ثلاث مرات في الأسبوع على الأقل). - ممارسة الأنشطة الترفيهية ومشاركة قراءة وتلخيص الكتب مع أفراد الأسرة - تنظيم برامج التغذية المتوازنة والنوم الجيد. - الحد من تتبع الأخبار والصور والفيديوهات الصادمة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي - عدم التردد في طلب الاستشارة والنصيحة من المتدخلين في هذا المجال، ومن ذوي الاختصاص، والمشاركة في غرف الإنصات والإرشاد، عن بعد وعلى تطبيقات التواصل الاجتماعي، أو طلب التكفل مباشرة من المؤسسات الرسمية عند الإصابة بالاكتئاب وفي الحالات المرضية المستعجلة. وبغض النظر عن صعوبة التدخل واستقبال المرضى في وحدات طبية استعجاليه، لعدم جاهزية منظومة الصحة النفسية بالمغرب لمواجهة الكوارث والأوبئة ( غياب وحدات الإسعاف الطب النفسي الاستعجالي، وممرضين، وتوفر وحدات الوقاية المدنية على أخصائيين نفسيين)، ولافتقاد المجتمع إلى ثقافة نفسية صحيحة، واستمراره في ربط المرض النفسي والعقلي بمفهوم الجنون بشكل متحجر، بإمكان الجميع في حالات ظهور الأعراض النفسية ( الواردة في أعلاه) ربط الاتصال بخلايا تدبير الأزمة النفسية الناتجة عن الحجر الصحي، أو الاتصال بالأطقم الطبية المختصة، من أجل مساعدة كل من يعاني من هشاشة نفسية، وتوجيه نحو وحدات التكفل الفردي، والتي يفترض أن توفرها كل خلية أزمة تسهر على تدبيرها السلطات المحلية بتراب العمالات، والأقاليم، والجهات بالمملكة. *استشاري نفسي