نعتبر هذا التساؤل مفيدا في محاولة رصد وتدقيق القراءة في عدد كبير من التصريحات والإشارات والمؤشرات التي قد تفضي، تأويلا أو تصريحا، إلى الإستنتاج بأن المغرب لازال في منأى عن دخول نادي "الملكيات البرلمانية، خاصة في ظل تسليم الإعلام المحلي بموت الحركة التقدمية وأفول مشروعها المجتمعي، في مقابل تنامي الوهم بأن المد المحافظ سيسيطر سياسيا على امتداد عقدين على الأقل على مواقع السلطة والقرار ، والحال أن نكوص اليسار ناتج عن مجرد أخطاء في الممارسة وليس بسبب الانحراف عن المبدأ وخيانته. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فاحتلال مواقع السلطة أو مراكز القرار نتج عن إنقلابات فوقية أو تهريب لثورات فتية العود وغير مكتملة التأسيس والتأصيل ، وغالب الظن مدعومة من الخارج الذي نجح في إخفاء تورطه كمصدر للقلاقل والتوتر عبر "المساعدات " أو " الخبرات الأمنية".. وفعلا قد تدفع الملاحظة المجردة لما يجري في الساحة الى استنتاج " مقنع " بأن هناك إرادة تهدف الى تأزيم الوضع إجتماعيا وإقتصاديا والى خلق - بالتبعية- توترات سياسية وأمنية ، لكن ما يهم الحقوقيين في التعامل مع هذه المعاينة المجردة والتشخيص السريع هو إثارة الإنتباه إلى " دهاء " قيادة الحزب الأغلبي الحكومي التي تشتغل بخبرة " أممية مذهبية ودعوية " ، تتماهى مع استراتيجيات نافحة عن مقومات الخلافة الأممية الشمولية. وإن كان مهندسو الدولة والعقل الأمني واعين بذلك بحكم تشابه "المنطق والمرجعية " في العلاقة مع الشرعية الدينية /التاريخية ، غير أن الأهم من كل ذلك هو كون تأزيم الوضع أكثر مما هو عليه حال البلد إقتصاديا سيؤجل كل إمكانيات التأويل والتفعيل الدمقراطي للدستور كمدخل لبناء دولة الحق والقانون التي يراهن عليها الحقوقيون، بحكم الإرتباط الوثيق بين السيرورة الدمقراطية ودرجة التطور الإقتصادي ، بغض النظر عن كون الهشاشة الإجتماعية تقوي نزوع صناديق الإقتراع الى فرز بدائل مؤسسة على رد الفعل أو ما يسمى بالتصويت العقابي ، أي عدم صفاء الإختيار لكونه يكون مشوبا بعيوب الإكراه والجبرية السياسية.. من هنا لابد من التذكير على أن التأزيم سيف ذو حدين، ونتائجه ستكون في جميع الحالات وخيمة على مسار دمقرطة المجتمع والدولة ، فالتأزيم ينعش المقاربة الأمنية ويؤشر و" يشرعن " لعودة تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في حلة جديدة، وهذه المرة ستكون العواقب أعنف بحكم تنازع الاختصاصات وعدم وضوح الخط الفاصل بين المسؤوليات التنفيذية وغياب حقيقي للضمانات . وهنا لابد أن نثير نقطة مهمة تؤرق الحقوقيين المقتنعين حقا بأهمية الإصلاحات السياسية والمؤسساتية والتشريعية ، وهي أن الدولة تحاول استغلال تجاهل الحكومة لملف التسوية السياسية موضوع تقرير هيأة الإنصاف والمصالحة ،كوسيلة لإستقطاب الطيف الحقوقي والمدني ودفعه للصراع بالوكالة عنها ضد الحكومة ،وان كان الإلتزام مفترضا وبإرادة منفردة ،على عكس ما جرى في الماضي من عقد صفقات صريحة تعاقدية بين "الحزب السري " والقوات المحافظة اليمينية في شخص الجناح الديني الفاشي، والتي هيأت لها كل السبل والشروط.. ويبدو أن مظاهر هذا القلق تتجلى في حجز الحكومة لمطالب لضحايا سنوات الرصاص الاجتماعية مقابل حجز الدولة للشق السياسي من توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة ، لذلك وجب القول بكلام فصيح على أن الحقوقيين ،و إن حسموا في اختيار المخاطب ،حسب نوعية كل ملف مطلبي ، فإنهم إختاروا الدفاع عن المكتسبات الحقوقية والسياسية المتراكمة بفضل نضالات القوى الحية والديمقراطية في الوطن ، ومقاومة كل محاولة للإجهاز عليها ، وذلك بتحصين الحق في التعبير السلمي كمؤسسة دستورية وبالعمل على حمايته بضمانات عدم التكرار ، لكي يخلصوا إلى أن الوثيقة الدستورية تحتوي على كل المساطر للمحاسبة والتقييم والتقويم، والتي تغني أطراف الصراع عن استعمال هموم الوطن ودموع الفقراء والحاجيات المجتمعية حطبا لمعركة خاسرة وان كانت عابرة، فهل يعقل التضحية بالملفات المصيرية والإستراتيجية والمراهنة على افتعال السكتة القلبية لإسقاط الحكومة وبالأحرى إحراجها ؟وهل قدر