كثرت التعليقات على التصريحات الأخيرة التي أدلى بها "صقور" العدالة والتنمية مؤخرا، والتي انتقد جزء منها فعل المؤسسة الملكية، بحيث قال حامي الدين أن بلاغ الديوان الملكي بتوقيف الجمركيين هو فعل تم خارج الدستور المغربي الجديد. بعدها اندلعت حرب التعليقات حول التصريحات التي أدلى بها "البيجيديون" بعد منع حفل شبيبة الحزب الذي يقود الحكومة الحالية؛ بين من رد ذلك إلى عبث اللعبة السياسية في المغرب، كعادتها بطبيعة الحال، متسائلين: كيف يعقل أن يتم منع حفل لشبيبة العدالة بحضور أمين عام الحزب الإسلامي الذي هو في الآن نفسه رئيس للحكومة، وأن يصدر قرار المنع عن وزير يخضع لسلطته المباشرة؟ وبين من ذهب إلى أن تصريحات إخوان بنكيران هي مجرد "بوليميك" سياسي اتخذ من قبل العدالة والتنمية في أفق التحضير للحملة الانتخابية الجزئية التي ستكون في طنجة شهر أكتوبر القادم، وذلك لاسترداد المقاعد الثلاثة التي ألغيت لحزب العدالة والتنمية من قبل المجلس الدستوري- المحكمة الدستورية وفق الدستور الجديد- في وقت سابق. من الطبيعي أن يكون كل هذا الغموض والعبث في التعاطي مع تصريحات حزب يقود الحكومة الحالية، وهي تصريحات يمكن أن تدخل الحزب وأعضاءه في صراع مع القصر، خصوصا أن الحقل السياسي المغربي ما زال شبه مغلق، والفجوة الوحيدة التي أحدثت انفتاحا في نسق سياسي مغلق، عبر التعديلات الدستورية الأخيرة، تحتاج إلى الكثير من التدافع من أجل تحقيق الانتقال السياسي بالمغرب. بالتصادم والصراع تتأسس الديمقراطيات الحديثة، وأغلب الديمقراطيات العريقة، وخاصة الملكيات منها كبريطانيا، إسبانيا، بلجيكا...، لم تستطع أن تحقق الانتقال إلى الديمقراطية إلا بعد حدوث العديد من حوادث السير السياسية، خصوصا بين القصر والحكومة، ففي بريطانيا على سبيل المثال، مر النظام السياسي بمجموعة من التصادمات على مدى عقود بين الملكية والبرلمان من جهة، وبين الملكية والحكومة من جهة أخرى، حتى أُسس لتقاليد وفرت الاحترام اللازم للمؤسسة الملكية على قاعدة "أن الملك لا يخطئ"، لكن يجب أن يؤسس نوعا من الديمقراطية وأن يسير الشعب نفسه بنفسه عبر الديمقراطية التمثيلية، وبالتالي، يجب أن يبقى الملك بعيدا على القرار السياسي وفي نفس الآن يحظى باحترام فئة كبيرة من الشعب الإنجليزي. ما لم يدرك إلى حدود الآن في المغرب، هو أن الديمقراطية طريقها صعب ومليء بالحوادث السياسية والاجتماعية أحيانا، لكن في بنية التقاليد المخزنية، فالملك يحشر دائما في حرب جهة ضد جهة، لذا أول قراءة أعطيت لتصريحات حامي الدين وباقي "الصقور الملتحية" هي أن هدفها هو تلميع صورة حزب "المصباح"، بإطلاق مجموعة من التصريحات النارية التي تعيد ثقة الناخب الطنجاوي في أفق الانتخابات الجزئية التي ستجرى الشهر القادم المقبل، وأن هذه التصريحات مجرد بوليميك سياسي للعب على أوتار الناخبين. فهل تدافع "الصقور الملتحية" في إطار الصراع والتصادم السياسيين مع القصر يمكنه أن يؤسس لنوع من احترام كل مؤسسة من المؤسسات الدستورية لاختصاصاتها وأن لا تتجاوز اختصاصات الأخرى؟ وأن يكون هذا التدافع محرك التاريخ السياسي الذي يمكن من خلاله رسم معالم ملكية برلمانية يكون الملك فيها محترما وفوق الفاعلين السياسيين دون أن يدخل في الصراع السياسي؟ لا يمكن عمليا تدبير أزمة تداخل اختصاصات المؤسسات الدستورية بدون وجود مؤسسة " gendarme" تحرص على احترام الدستور، وتحرص على تأويل النصوص الدستورية في استقلالية تامة عن جميع المؤسسات، بعيدا عن سلطة كل المؤسسات سواء كانت الملكية أو الحكومة أو حتى البرلمان، وهو الشيء الذي لم يسند صراحة في الدستور الأخير للمحكمة الدستورية التي من المفروض أن تكون هيئة قضائية يخضع منطق اشتغالها للقانون وليس للتعيين السياسي.