تتجه القوانين الديمقراطية ععة إلى توفير السعادة لأكبر عدد من الناس لأنها تصدر عن غالبية المواطنين، فهم وإن كانوا معرضين للخطأ، فلا مصلحة لهم ضد ما فيه منفعتهم، وعلى العكس من ذلك نجد القوانين في البلاد الأرستقراطية تتجه إلى تركيز الثروة والسلطة في أيدي أقلية تتحكم في البلاد والعباد، ومن ثم ساغ لنا أن نقول إن الغرض الذي تهدف إليه التشريعات الديمقراطية أنفع للإنسان من غرض التشريعات الأرستقراطية، ولم يتأت ذلك إلا عن طريق عدة محاور، أهمها الحوار. إن أهم أسباب النزاعات والاصطدامات والمشاكل على صعيد الأفراد وعلى الصعيد الدولي، هو انسداد قنوات الحوار والتفاهم والقدرة على تبادل الآراء. وفي هذا الصدد يقول فرانسوا بيرو في مؤلفه : « كارل ماركس « : يعتبر الحوار ظاهريا، وبإيجاز كأنه تبادل الكلام الحر والعمل الحر، فالكلام المتبادل يحمل الصور والأفكار والآراء والأحكام وأحد الطرفين يأخذ المبادرة أو يستردها ، ولكل منهما القدرة والإمكانية على القول وعلى النقض. وتجربة الحوار تنطلق من ينابيع حضارتنا والحوار السقراطي هو عملية القصد منها اكتشاف الحقيقة، عبر التناقضات في حركة تبادلية بين الخاص والعام، المحدود والمجرد، ففي الحوار اليهودي المسيحي تبرز فكرة تبادل الكلام بين اللامخلوق والمخلوق ، وتتم المحاولات الناشطة، العضوية التي تستعمل النقاش الوجاهي من أجل تكوين مقترحات صحيحة أو آراء قريبة للحقيقة بحضور قاض يحكم على الكاذبين وعلى شهود الزور. والحوار في الفكر الغربي يحتفظ بصفة مميزة : إنه لا يهتم بفردين فقط، إنه يفترض دائما حدا ثالثا : قيمة فوق التاريخ : الحقيقة والعدالة مثلا، وعنهما ينجم سلوك أخلاقي : الحقيقة أو الاستقامة. وبصورة مبدئية يقتضي الحوار أن يكون الاتصال ممكنا، وعندها تصبح حيوية الحوار مضاعفة : إنه ينطلق من عفوية الفكر الذي يقول ويناقض قوله، إنه يتغذى من القيم، فالحوار لا يختلط بالتطبيق العملي الذي يتوصل لأن يجعل من الحقيقة نقيضها ومن الظلم عدالة. إن رقي الحضارة يتطلب قناعة بضرورة الحوار لا بضرورة فرض الرأي على الآخرين، وبإخضاعهم عن طريق الترهيب المادي والفكري وكذلك يجب الاقتناع بوجود حقيقة وعدالة أو على الأقل بإمكان الاقتراب من الحقيقة والعدالة، أما الذين لا يريدون البحث عن الحقيقة و العدالة فإنهم لا يرغبون في الحوار ومن ثمة نستطيع القول أن هؤلاء هم أعداء الحقيقة والعدالة. إن الإحساس بأن البحث واكتشاف الحقيقة يتعلقان بصورة رئيسية بنوع من تجربة المقترحات والأفكار الأولى عن طريق مرورها عبر عقول متتابعة تعمل بما لها من ذاتية على تقنيتها كلها أو في جزء منها من الأخطاء التي تمتزج بالحقيقة عند محاولة الوصول إليها لأول مرة. كما أن النزعة إلى الحوار تتطلب هذا الاعتقاد بأنه يوجد نوع من التعادل الفكري بين المتحاورين، وفي مطلق الأحوال تتوفر فيهم القدرة على المساهمة في الحوار، من هنا يمكن القول إن الإنسان الذي يحمل أفكارا متطرفة تدعو إلى العنف والفتنة وإراقة الدماء ،لا يتوفر على القدرة للحوار لكونه يفتقد عنصر التوازن والاعتدال الفكري، الشيء الذي جعل قنوات الحوار مصابة بزكام حاد وانسداد كامل يمنع الاتصال. إن آلية التطور التمثيلي السياسي تتجه بصورة أساسية إلى إقامة حوار بين جميع الفاعلين السياسيين، كما أن الأحزاب السياسية تساعد أيضا على إقامة حوار بين مختلف الوسطاء الموجودين بين السلطة والمواطنين، حوار من شأنه المساعدة على تطوير الحرية السياسية. إن هدف إقامة دولة ديمقراطية يحكمها دستور وضعه الشعب هو إقامة تعايش سلمي بين السلطة والحرية، السلطة التي تنظم علاقات الأفراد والحرية التي يناضل هؤلاء الأفراد من أجل تحقيقها في إطار الدولة الأمة، فالدستور هو تنظيم للدولة فيها يتعايش عنصران نقيضان : سلطة الحكام وحرية المحكومين، هذه هي المعادلة الصعبة أمام القائمين على وضع الدستور الذين يفترض فيهم الكفاءة القانونية للتوفيق بين السلطة والحرية. وإذا أخذنا بهذه النظرية كنقطة انطلاق : الدولة - الأمة والثنائي « سلطة - حرية « نرى عددا من النتائج المنطقية التي تعتبر بحق المميزات للقانون الدستوري الغربي : النظام التمثيلي، إقامة ممثلين كمراقبين للحكام، تحديد المسؤوليات، انتخابات حرة على أساس التنافس إلخ ... ومن أهم المعادلات السياسية الخاصة بالقانون الدستوري في الدول الغربية هي المعادلة الناتجة عن تعاقب الاكثرية والمعارضة على الحكم، فمنذ أكثر من ألفي سنة، لاحظ أرسطو أن المظهر الأبرز للحرية السياسية قائم على قدرة كل مواطن على أن يكون مرة حاكما ومرة محكوما، وكذلك المعادلة بين السلطة المركزية والسلطات الجهوية، إنه توازن تصبح بدونه الحياة في المجتمع مختلة غير متوازنة. ولهذا السبب نسعى إلى تعديل الدستور في اتجاه الفصل بين السلطات مع وجود الوسائل الضاغطة والمتكافئة بين المؤسسات الدستورية، والتوفيق بين السلطة والحرية يعني تحديد مسؤوليات وواجبات كل من الدولة والمواطن، فإذا تحولت إلى سلوكات وعادات وتقاليد وقيم أخلاقية، فإنها لا تحتاج إلى ردع من طرف الدولة ولا إلى احتجاجات من طرف المواطنين، وفي هذه المرحلة تكتمل عناصر الدولة - الأمة القائمة على الحرية والمساواة.