نحن في حاجة اليوم إلى حوار رصين ، خاصة بالنسبة لنا نحن اليساريين ،لقد انبثقت حركة المعارضة المغربية من صلب الصراع بين المجتمع والدولة ، وأساسا حول الخلاف بين المشروع الديموقراطي والنظام الاستبدادي الذي كرسه دستور 1962 على عهد الملك الراحل المرحوم الحسن الثاني ،وناضلت الحركة الاتحادية طيلة هذا المسيرة النضالية من أجل أن تكون السيادة للشعب أولا ، ووصلنا إلى تصريح ملك البلاد في يونيو 2011 أن شخص الملك غير مقدس . طبيعي أن يكون محترما كرئيس للدولة وكمؤتمن على الثوابت الوطنية، وخاصة في الجانب العقدي للدولة المغربية. فقهاء القانون الدستوري يعرفون أن الأهم هو الأعراف الدستورية التي تواكب النصوص المكتوبة، وهذا هو التحدي اليوم بالنسبة للقوى التقدمية ، علينا كمناضلين عدم التماهي مع المواقف اليسراوية ، والتي لم تقدم أي شيء للنضال الديموقراطي بالبلاد ، بل شكلت عائقا منهجيا أمام ترجمة آمال الشعب المغربي بفعل سوء التقديرات الملازمة لهذه الحركات . الوثيقة الدستورية الحالية المعروضة على مصادقة الشعب المغربي ، أولا هي مشروع لم يصادق عليه. فالشعب المغربي - الحالي وليس الافتراضي - هو الذي سيقول الكلمة يوم فاتح يوليوز 2011 ، والهندسة الدستورية انتقلت من مجال محفوظ للملك بمقتضى التأويلات غير المتطابقة مع روح الدستور إلى مجال مشترك في المجال الديني والعسكري - المجلس العلمي الأعلى ثم مجلس الأمن ، إمكانية التفويض في التعيينات العسكرية ، ناهيك عن مناقشة تلك القضايا الجوهرية في المجلس الوزاري ، الذي يجب أن ينتقل إلى مجلس للحوار وليس إلى قاعة للعبادة حيث يسود الصمت المطلق ولا مجال للمناقشة، وكلنا نعرف طبيعة النقاش الذي ووجه به المناضل محمد اليازغي في مجلس وزاري مشهور، وهنا أطرح دائما مدى وجود رجالات للدولة، القادرين على التأثير وعلى الجدال وعلى الإقناع ولو تطلب الأمر معارضة توجهات أعلن عنها الملك. باقي المجالات هي مجال تحت نفوذ السلطة التنفيذية وهي صاحبة الاقتراح والتنفيذ ، وطبيعي لملك البلاد أن يطلع على القضايا التي تهم مرافق الدولة، وسياستها الاستراتيجية وكذا التعيين في مجال الإدارة الترابية والسلك الدبلوماسي. القراءة الرصينة تبعث على الارتياح. هناك سلطات واسعة لمؤسسة رئيس الحكومة والذي اصبح قائدا حقيقيا للحكومة ومرافق الدولة من خلال الاختصاصات الممنوحة له و اسمحوا لي فعلاقة الملك مع المجتمع ستظل خاضعة دوما لموازين القوى، هناك تحديات خطيرة مطروحة على الدولة المغربية ، علينا تجاوز منطق المسطرة المدنية والجنائية في تدبير قضايا الوطن ، نحن محتاجون إلى الدخول في صلب مواضيع التدبير العمومي. فهل من اقتراحات وبرامج وبدائل ممكنة لما نعرفه من مثبطات وخصاص واختلالات ؟. أعتقد وفي ظل الظروف الوطنية الحالية ، أن ملك البلاد قدم تنازلات مهمة حافظت على دور مهم في النسق السياسي، لكن مفتوح على المشاركة حتى في القضايا التي تنازلت عنها كل مكونات الحقل السياسي ولم تطالب بها. نحن في حاجة إلى لحظة وطنية للتعاقد الوطني حول برنامج لبناء الدولة وتهيئ مناخ سليم لبناء دولة المؤسسات المدنية قبل المؤسساتية، وهذا هو جوهر الإشكال والتحدي «الي كال العصيدة باردة يحط فيها يدو.»