تتابعت الخطابات الملكية الأخيرة مانحة انطباعا بعدم الاقتناع بحصيلة عمل الحكومة وعمل الأحزاب السياسية، منتقدة استقالة بعضها من لعب الأدوار الأساسية الحقيقية المنوطة بها، التقييم الملكي جاء ليزكي السخط الشعبي المتزايد تجاه الفاعلين السياسيين، ولينبه إلى الارتباك الحاصل لدى المسؤولين العموميين، حتى إن الأمر تجاوز ذلك بالدعوة إلى استبدال كثير منهم وضخ دماء جديدة في دواليب المؤسسات والإدارات، طمعا في تحقيق إقلاع تنموي وتجاوز الأعطاب والاختلالات الآخذة في التفاقم. أمام هذا الوضع ولاستشراف مستقبل المشهد السياسي والحزبي بالمغرب في ظل المتغيرات الجديدة، فنحن أمام اختيارين منهجين: الانطلاق من تشخيص الوضع الراهن والبناء عليه، أو الاعتماد على الأحكام الانطباعية والمواقف العامة، لذلك يرى الدكتور جمال بندحمان؛ أستاذ تحليل الخطاب السياسي بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أنه رغم غياب المعطيات التي تسمح بتشخيص موضوعي، ورغم أن بعض الأحزاب تحاول التأسيس لوضع اعتباري خاص، نستطيع القول إن المشهد الحزبي بالمغرب في صورته الحالية انقسامي، وضبابي المرجعيات، والتحالفات فيه لاتبنى على أسس استراتيحية، بل تأتي استجابة لظرفيات تاريخية، كما أن ديمقراطيته الداخلية توضع موضع تساؤل عميق، واستقلالية قراره ليست بالوضوح المطلوب، والتنافسية فيه لا تبنى من خلال جدوى المشاريع، بل من خلال شخصنة الاختلافات حيث يحضر (الشخص) ويغيب التشخيص والأطروحة والتصور، ومعها تغيب الجرأة والوضوح، والإلتزام بأفق سياسي واضح مع الشراسة في الدفاع عنه … هذا التشخيص المؤلم حسب بندحمان يجعل الأفق غير واضح المعالم، وربما سنكون في حاجة ماسة إلى مشروع تأهيلي يعيد الاعتبار للعمل الحزبي، والرفع من منسوب الثقة المجتمعية فيه، إذ لا ديمقراطية بدون أحزاب. وحول أهم التحديات التي يمكن أن يطرحها مستقبلا هذا التحول السياسي بالمغرب، يرى المتحدث أن المقصود بالحديث عن التحول هو وجود مداخل أخرى في المقاربات والاختيارات، فإذا كان تاريخ المغرب، بعد الاستقلال، قد عرف حضورا قويا للعمل الحزبي الذي فرضت فيه أحزاب معينة أخذ مقاربتها بعين الاعتبار، فإن مقابل ذلك كان خفوتا في منسوب الديمقراطية، وهو ما أكدته لاحقا تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة، وزكاه اختيار مفاهيم مثل التناوب التوافقي والانتقال الديمقراطي وغيرهما من المفاهيم التي انتعشت خلال حقبة التسعينيات من القرن الماضي. هذا الاستحضار لواقع قريب منا يهدف إلى تأكيد خلاصة أود إثارتها وهي أن التحول السياسي، كان ينبغي أن يتم في تسعينيات القرن الماضي أو انطلاقا منها، وأن تكون دورته الإيجابية قد تمت الآن أو قبل الآن، لذلك يبدو لي أننا نعيد إنتاج البنية ذاتها، والأسئلة ذاتها، ورغم أننا لانعيش انتكاسة، فإننا نعيش وضعا أشبه بالجمود على مستوى المشهد الحزبي، ولعل التحدي الأكبر في هذا الباب هو حسم الأمر من قبل المواطن واقتناعه بأن الأحزاب مجرد فضلة يمكن الاستغناء عنها، وأن الأساس هو العيش وثقافة التسوق وإشباع الحاجات الأولية من أكل وشرب ومشتقاتهما….لكن الأنكى والأصعب هو الدخول في متاهة عدم تقدير الأدوار المنوطة دستوريا وديمقراطيا بالأحزاب التي أعتبرها بوابة الديمقراطية ، ومعنى ذلك أن في ضعفها إضعاف لنبرة الديمقراطية ونغماتها المنعشة للأرواح والاختيارات.