جاء في أطروحة المؤتمر السادس لحزب العدالة والتنمية التي تؤطو نظريا للمرحلة الحالية :"يؤكد الحزب على أهمية إمارة المؤمنين من حيث أنها المشرف على تدبير الحقل الديني، ومن حيث أهمية المؤسسة ودورها التاريخي والواقعي في المحافظة على الدين، وتماسك النسيج المجتمعي..... ثم تُعدِّدُ الأطروحة الشروط اللازمة لتعزيز مصداقية المؤسسة وتأكيد مرجعيتها في المجال الديني وحمايتها من الحملات المغرضة الرامية إلى عزلها وتحجيمها وشل دورها. إن هذا التشبت بإمارة المؤمنين هو ما يميز حزب العدالة والتنمية، ولقد سبق للدكتور الخطيب أن عبر عن ذلك بقوله:" إن نقد الإمامة يقربنا من اللائكية، وفي هذا الإطار يؤمن الحزب بملكية تحكم وتسود، ويرى أن للملكية دورا في توحيد الأمة، وأن الملك لا يجب أن يكون هو المسؤول أمام البرلمان بل الحكومة، مما يستوجب منحها صلاحيات أوسع .في ماهية الحزب السوسيولوجية لقد تغلغل حزب العدالة والتنمية في المجتمع المغربي عبر العمل الاجتماعي والجمعوي وهو يستقطب أيضا في معاقل اليسار القديمة من نقابات وجامعات، وحزب العدالة والتنمية هو من بين الأحزاب الأكثر تنظيما، ويضم أطرا متعلمة ومنضبطة وتواجده حضري بالدرجة الأولى، وقد ضم فريقه البرلماني سبع رجال أعمال وتسع أطباء وصيادلة، و12 أستاذ جامعي، وإنضم عدد من رجال الأعمال للحزب ودعموه لمواجهة احتكارات رجال الأعمال المقربين لذوي النفوذ. ولعل غياب تحقيقات ميدانية وسوسيولوجة إنتخابية يمنعنا من الحسم في السؤال التالي: هل يتبنى الحزب طريقة حزب الاستقلال والحركة الشعبية في خلق شبكات لكسب الأصوات الانتخابية؟ أي بالاعتماد على الأعيان من ذوي المال أو النفوذ، أي شبكات تشتغل إعتمادا على رئاسة الجماعات والتأطير في القرى والأحياء الشعبية وأحياء الصفيح بواسطة زعماء محليين يشتغلون تحت غطاء جمعوي.. في مشروع الحزب الاجتماعي الثقافي إن الحزب يركز على البعد الأخلاقي والحضاري ويقول بأزمة هوية بسبب غزو القيم الغربية، وإن المجتمع المغربي وفق ذلك مسلما وليس جاهليا(كما كان يقول بنكيران أيام الشباب متأثرا بسيد قطب وكتابه جاهلية القرن العشرين)، ولكنه يعاني من انحرافات في العادات والاعتقادات والدولة الإسلامية لا تعني تعويض الدولة الحالية بأخرى إسلامية، لكن تعني أسلمة القوانين وحفاظ المؤسسات القائمة على طابعها الاسلامي، ومن هنا ضرورة إمارة المؤمنين لأنها هي التي تحافظ على الهوية الاسلامية، وإن هدف الحزب من الوصول إلى السلطة هو خدمة الدين الإسلامي عن طريق تقليص المفاسد والمظالم وتحقيق المصالح. على مستوى الخطاب كان هناك تحول نسبي إثر المؤتمر السادس، حيث تم انتقاد الخطاب الهوياتي والدعوة إلى الخروج من المجال الدعوي والاعتراف باستقلالية المجال السياسي، والأخذ بعين الاعتبار طبيعة الدولة والأحزاب في عالم السياسة المعاصر والاهتمام بقضايا التدبير اليومي والعام لشؤون المواطنين، ممادفع بعض المحللين إلى القول بتحولات داخل المجتمع وضرورة تاريخية تفرضان علمنة نسبية، وتجعل المجال السياسي يفرض نفسه على الدائرة الدينية. لكن، رغم ذلك يغلب على مواقف الحزب الطابع المحافظ، حيث أنه في لقاء مع لجنة تعديل الدستور هدد الحزب بالتصويت ضد الدستور، إن تم التنصيص على حرية المعتقد، لأن ذلك يشكل تهديدا للهوية الإسلامية للبلد، وفي قضية المرأة لم يقبل الحزب بالمدونة، إلا لعدم مخالفة الملك، لكن مع ذلك ظل ينتقد عدم اعتبار المدونة للمرجعية الإسلامية. واعتبرت بسيمة الحقاوي أن المدونة غيرت بعض الأشياء بشكل مجاني كالولاية وتعدد الزوجات وتحديد سن الزواج، واعتبرت أيضا أنه يجب الابتعاد عن كل قراءة عصرية للقرآن واعتماد القراءة الصحيحة، فقط لكي لا تمس ثوابت الدين كمسألة الارث وغيرها، والملاحظ أنه لا أثر لمبدأ المساواة في أدبيات الحزب، ويتم بدل ذلك التنصيص على مبدأي العدل والانصاف اتجاه المرأة كما نصت على ذلك الشريعة. على سبيل الختم في أواخر الستينات وأوائل السبعينات نشأ تحالف ضمني بين الحكم والاسلاميين وحزب الإستقلال لمحاربة الناصرية وامتداداتها في الجوار الاقليمي ولمحاربة الفكر اليساري، فتغاضت الدولة عن نشاط الاسلاميين في الجامعات والمساجد، وتم استدعاء عدد من العلماء من الشرق وتجندت دار الحديث الحسنية لمحاربة الفكر المستورد، وتم طبع ونشر أدبيات الإخوان المسلمين، وطبع علال الفاسي كتب سيد قطب في مطبعة الحزب؛ الآن هناك تقارب في مواجهة الهزات التي يعرفها العالم العربي ولكل من الطرفين تكتيكاته وأهدافه وحدوده، لكن ليس هناك انقلاب في المغرب بل رجوع إلى الأصل وتحالفات مع قوى يمين محافظ، ومع ذلك لايمكن التنبؤ بشيء، فالتاريخ يسير بقفزات مفاجئة حاليا. أما ما يمكن الجزم به فهو تخلف النخبة السياسة وتأخر عقلية المجتمع وتشابه الحياة القبلية كما حللها السوسيولوجيون مع الحياة السياسية المغربية، ومن ثم يتحكم فيها لاشعور سياسي وثقافي جدير بالتحليل والمناقشة من أجل رد الاعتبار للعقلانية والمواطنة