إذا كان لا بد من وجه آخر لهذا الحدث الذي هز برشلونة قبيل أيام، فلا بد أن يكون من منطقة اغبالة بضواحي بني ملال، حيث عائلة موسى منفذ الهجوم الذي هز هدوء مدينة برشلونة منتصف هذا الأسبوع. توجد اغبالة المتواضعة بعد حوالي مائة كيلومتر من مدينة بني ملال الساخنة، والسخونة هنا رمزية لا تعني دائما الحرارة، لأن الحرارة باغبالة وإن كانت أقل من تلك التي تملأ فضاءات بني ملال، إلا أثر قوة ورمزية، لماذا؟ فلنتابع. بين بني ملال واغبالة حوالي ساعة ونصف على السيارة، أو كثير من الرعب والصدمة والهول، خاصة إذا تركتم خلفكم اغبالة وتوجهتم قليلا إلا الأمام، حيث منطقة ملوية التي تبعد عنها بثمانية كيلومترا. نحن الآن بملوية، سهل لا يميزه عن باقي السهول إلا خيمة توجد على هضبة تزينه، وهنا لا بد من الانتباه كثيرا، فالطريق الثانوية إلى ملوية حيث منزل عائلة موسى قليلة، لكنها قد تتطلب بعض الوقت نظرا لمنعرجاتها الكثيرة. وها أنتم الآن بمنزل موسى الذي توفي في العملية إياها، أو بمنزل إدريس شقيقه الذي يوجد منذ الليلة المعلومة خلف القضبان بالديار الإسبانية، وإذا شئتم فإنكم بمنزل العائلة التي كبرت في أحضانه دون أن تعتقد يوما أنها ستستيقظ به يوما على إيقاع الاتهام بالإرهاب. بجوار المنزل الذي لا تتعدى مساحته بضعة أمتار، خيمة تفهم من الوهلة الأولى أنها معدة لاستقبال المعزين وتقديم العزاء، لكن حكايتها فريدة يفضل فريق «فبراير» أن يوضح لكم الصورة بشأنها في المقال الموالي. وبجوار الخيمة مكان فارغ إلا من شخص لا يكاد ينتهي من مكالمة هاتفية حتى يستقبل الأخرى، يضع يده الأخرى على رأسه بعد أن يزيل القبعة البيضاء المتواضعة، ليمسح بها بعد ذلك عينيه. رجل خمسيني أكثر توترا وإن كانت تبدو على وجهه ملامح الهدوء. إنه والد موسى .. إنه سعيد .. الرجل الذي كان السبب في أن يفتح موسى عينيه بفرنسا، هو نفسه الذي ما يزال يحاول استيعاب ما حدث لأصغر أطفاله! «واحد في عداد الموتى والثاني في السجن» يقول سعيد بلكنة تمزج بين الحزن والكرب والألم، وهو يشرح اختصارا أن موسى في عداد الموتى وإدريس في حالة اعتقال، ثم يضيف في تصريح ل«فبراير» :«ماذا تنتطرون مني أن أقول؟». سيمضي وقت طويل على سعيد الأب كي يستوعب كيف شارك ابنه موسى في الهجوم الإرهابي على برشلونة، خاصة وأنه يعرف طيبوبة ابنه، شاب في مقتبل العمر لا تظهر عليه أية علامات العنف أو التطرف أو التشدد، موسى الذي وإن لا يزور المنطقة الأخيرة إلا أن أبناء اغبالة ممن التقوه في مناسبات قليل يؤكدون ما ذهب إليه الوالد. الحالة هنا سيئة، وحالة سعيد لدرجة أن المسيرة التي نظمت مساء هذا اليوم، حضرها بعض رموز العائلة الكبيرة إلا هو. قال سعيد ل«فبراير» إنه مصدوم، وإنه ما يزال لم يستوعب هول الحدث، وإنه لا يعرف كيف أقدم ابنه على هذا الفعل، وإنه لا يعرف مصير ابنه الآخر ... كثيرة هي الأسئلة التي جعلت سعيد يدير ظهره لكي يمرر يديه على وجهه بهدوء، ويؤكد و ل«فبراير» وهو يتنفس الصعداء أن ما حدث سيكون له أثر على العائلة الشهيرة بأعماله وتجارتها في إسبانيا وفي فرنسا، وعلى الجالية أيضا. يعرف سعيد أن الحادث ليس حادثة سير في طريق سيار أو على منعرجات جبل، وأن ضحاياه لن يغفروا ما قام به ابنه، لكنه يعترف أن ما حدث ينتسب للأعمال الخطيرة، ولذلك بالضبط تراجع إلى الوراء حينما حاول «فبراير» أن يلتقط صورة له:«سيدي صورتي على موقعكم قد تجعلني هدفا للذين يعتبرون أنفسهم ضحايا الحادث»، وقبل أن ييدير ظهره ليرد على مكالمة هاتفية قادته للحديث لأزيد من نصف ساعة قال:«إنني ما زلت أسافر إلى إسبانيا، ولا أعرف كيف سيتعامل معي كل من تعرف على هويتي».