اختار كريستوفر روس، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة المكلف بملف الصحراء، الإعلان عن انسحابه من مهمته قبل نهاية مدة تكليفه في نهاية مارس المقبل.ويبدو أن الرجل اختار الإعلان عن انسحابه الآن بعدما تبين له ربما أنه تورط كثيرا مع الانفصاليين والجزائر حد تشجيعهما على الوقوف في وجه الأمين العام الأممي الجديد غوتيريس والدول الكبرى ورفض الانسحاب من منطقة كركرات، وبعدما تبين له أن دعمه القوي لأصدقائه الجزائريين ولديبلوماسيتهم في فترة حرجة، طبعها على الخصوص مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لم يحقق الغايات المرجوة، خصوصا بعد تمكن المغرب من الالتحاق بالاتحاد الإفريقي و تحقيقه لمكاسب أخرى في القارة السمراء والمشرق العربي، ولم يفد في الحيلولة دون تراكم عوامل الانهيار في وضع جزائري ازداد هشاشة. وبغض النظر عن التغيير الواقع في رأس الأمانة العامة للأمم المتحدة بعد ذهاب بان كي مون، الكوري الجنوبي الشديد الارتباط بالولاياتالمتحدة، ومجئ أنطونيوغوتيريس، الأوروبي بشكل عميق، وما يترتب عليه من تغير في تدبير الإدارة الأممية، فإن كريستوفر روس يشعر اليوم أنه لم يعد بمقدوره أن يلعب الدور الذي لعبه بالتباس حينا وبفجاجة في بعض الأحيان لفائدة أصدقائه الجزائريين ومحمييهم المستعملين في لعبة جيوسياسية تحولهم في الواقع إلى مرتزقة، وأنه لا يمكن له التعويل على أصدقائه في الإدارة الديمقراطية الأمريكية بعد فوز الجمهوريين بالرئاسة وبأغلبية غرفتي الكونغريس، بحيث يواجه استمراره في النهج الذي سار عليه مشاكل حقيقية، وذلك بعدما تحول هو نفسه إلى مشكلة كبيرة لا محيد عن إيجاد حل لها نتيجة إخلاله بواجب الحياد المطلوب توفره في وسيط أممي مكلف بتوفير شروط مفاوضات جدية للتوصل إلى حل سياسي للنزاع وانحيازه للجزائر، التي كان سفيرا للولايات المتحدة بها وكان على صلة وثيقة بمسؤوليها وبشكل يطرح إشكال تضارب المصالح مند البداية، وممارسته لنوع من التأثير السلبي على موقف الأمين العام السابق للأمم المتحدة الذي لا يعرف المنطقة وحقيقة النزاع فيها إلا من خلال ما ينقل له مكيفا وموجها و »مخدوما » في أروقة الأممالمتحدة التي حرصت المخابرات الجزائرية على اختراقها بكل الوسائل، حيث أن زيارة بان كي مون للصحراء، التي خلفت الأزمة المعروفة وشجعت الجزائر وخدامها على لعبتهم القدرة في المنطقة العازلة المستمرة مند الصيف الماضي والمهددة للمنطقة واستقرارها، قد تمت بتحريض منه و كانت التجاوزات التي عرفتها بإيعاز منه كذلك. فكريستوفر روس يتحمل مسؤولية كبرى في الوضعية الخطيرة القائمة في المنطقة الآن، وهناك اتهام له بالسعي إلى إشعال الحرب بين المغرب والجزائر خدمة لمخطط أصدقائه المحافظين الجدد الذين أشعلوا الحرائق ونشروا الدمار في المشرق العربي وكانوا يراهنون على حدوث انهيارات في المنطقة المغاربية وعملوا عليها بمساعدة الأمير القطري حمد بن خليفة وشبكته الدعائية « الخنزيرة » وأمواله التي تدفقت بدون حساب.لقد قام كريستوفر روس بأعمال مضادة لمهمته طوال مدة تكليفه التي زادت عن سبع سنوات( يناير 2009-مارس 2016)، وبشكل مستفز جدا في كثير من الأحيان، بحيث تحولت زياراته للصحراء إلى تشجيع لكمشة من الانفصاليين، الذين يتلقون الأوامر والتمويل من الجزائر بشكل مكشوف، على القيام بأعمال الشغب والتخريب المتعمد والاعتداء على القوات العمومية والمواطنين الوحدويين الذين يتحاشون تأجيج الأوضاع بالرد على الاستفزازات والاعتداءات وخلق العداوات في مجتمع قبلي، وكانت أحداث اكديم إزيك المأساوية التي ذهب ضحيتها عدد من رجال الأمن المغاربة بعد تعرضهم للقتل من طرف مجرمين قتلة اخترقوا مخيم الاعتصام سنة 2010 متزامنة مع بداية مهمة روس التي سارت في خط منحرف مند البداية.ورغم وعي المغرب بأن كرستوفر روس يشتغل وفقا لأجندته التي لا تخدم الحل السياسي، لأنها ضربت صفحا على ما انتهى إليه خلفه القانوني الهولندي بيتر فان فالسوم وأرجعت عقارب الساعة إلى الوراء، ورغم اقتناعه بأن مقاربته لا يمكن أن تقود إلى الحل السياسي الذي صار الأفق المطروح من طرف مجلس الأمن والقوى العظمى، بعد استحالة تنظيم الاستفتاء بسبب عدم التوصل إلى اتفاق يحسم فيمن يحق لهم المشاركة فيه، فإنه عمل بحسن نية على تسهيل مهمة الأممالمتحدة وتجاوب مع مبادراته، وبالأخص اللقاءات غير الرسمية ذات الطابع الاستطلاعي التي استدعى إليها، من منطلق الرهان على أن هذا الديبلوماسي الأمريكي سينتهي به الأمر إلى فهم التعقيدات المحيطة بالنزاع المغربي-الجزائري والسعي إلى إنجاح مهمته كوسيط غير متحيز وساع للسلام وليس إلى تأجيج النزاع وخلق التوتر، لكن الرجل بقي متشبثا بأجندته الأصلية وحاول توريط مجلس الأمن والولاياتالمتحدة في مساندة الموقف الجزائري، بحيث عمل كل سنة على جر مجلس الأمن إلى تغيير مهمة المينورسو، وكاد في وقت من الأوقات من تحقيق هدفه بعد جر ممثلة الولاياتالمتحدة في الأممالمتحدة إلى اتخاذ موقف عدائي اتجاه المغرب في القرار الذي تكلفت بتحريره من طرف مجموعة « أصدقاء الصحراء »، التي يتم إنضاج القرار داخلها قبل عرضه على مجلس الأمن للبث فيه، مما استدعى تدخل الملك محمد السادس باستعجال لدى الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لتعود الأمور إلى نصابها.وأمام إمعان روس في ممارسته المتجاوزة لواجب الحياد المطلوب في الوساطة الأممية، والوساطة الهادفة إلى نزع فتيل النزاعات وإنضاج التسويات عموما، وعدم تمكنه من إحراز أي تقدم في مهمته اضطرت الحكومة المغربية إلى التعبير عن اعتراضها على استمراره في تلك المهمة وعن رفضها لوساطته. ورغم تراجعها عن هذا الموقف بعد تلقي الملك شخصيا من الأمين العام للأمم المتحدة لتأكيدات بعدم تكرار التجاوزات، فإنها وجدت نفسها أمام رجل يمضي في نفس الطريق ويمارس مهمته بنفس الأفق ويسعى إلى الوصول إلى التأزيم وليس إلى إيجاد الحل، وهو ما جعلها تشترط بعد ذلك اقتصار زياراته للمغرب على العاصمة الرباط كي يكف عن لعب دور المحرض، وإن بشكل ملتو، على الشغب وخلق الأجواء التي تساعده على استعمال ورقة حقوق الإنسان ضد المغرب، بينما يتغاضى عن الوضعية الكارثية لحقوق الإنسان في مخيمات تندوف المحاصرة بالجيش الجزائري والمخابرات العسكرية الجزائرية التي تستخدم ساكنة تلك المخيمات استخداما بعيدا عن الأخلاق البشرية. لقد جعل روس المفاوضات، التي كانت قد بدأت في مانهاست بوساطة سلفه فان والسوم، تتوقف، مند تكليفه في سنة 2009، بعد فشل مقاربة الاتصالات غير الرسمية بسبب الجمود الجزائري. وكان هو نفسه من قاد إلى ذلك الفشل، إذ بدل أن يعمل على دفع الجزائر، لأنها من يملي الموقف على أتباعها في تندوف، للتخلي عن الجمود والبحث عن حل واقعي في ضوء تطور موقف الدول العظمى، ومن ضمنها الولاياتالمتحدة، فقد اختار ممارسة الضغط على المغرب الذي قام بخطوة كبرى في اتجاه تسهيل دور الأممالمتحدة بطرحه لمشروع الحكم الذاتي، والظاهر أنه تسرب أليه وهم في وقت من الأوقات بأن ضغطه يمكن أن يؤدي إلى نتيجة، مما جعله يصوغ تقاريره الدورية المقدمة لمجلس الأمن بتكرار الإلحاح على تغيير مهمة المينورسو بشكل يتناسب والهدف الجزائري و يجعل السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية مبتورة.أكثر من ذلك، فإن روس تجاوز واجب التحفظ المطلوب في وسيط أممي في نزاع إقليمي وأطلق عددا من التصريحات ضد المغرب تلقفها أعداء وحدتنا الترابية وقاموا بتسويقها واستعمالها دون أن يصدر عنه رد فعل.ويمكن القول أن فشل روس كان، وبدرجة كبيرة، وراء الأزمة الحالية في المنطقة التي تعتبر من أخطر الأزمات مند وقف إطلاق النار، وتبقى مفتوحة على أسوأ الاحتمالات إذا ما أصرت الجزائر وأذنابها على تحدي الأممالمتحدة والعالم وعلى لعبة الاستفزاز بالطريقة الطفولية المتبعة مند انسحاب المغرب من المنطقة العازلة استجابة لنداء الأمين العام للهيئة الأممية. لقد كان بإمكان كريستوفر روس أن يسجل اسمه في التاريخ لو اختار مقاربة أخرى غير تلك التي دفعه إليها انحيازه، بالاستفادة من مقترح الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب كأساس للتفاوض من أجل الوصول إلى حل سياسي مقبول من طرف الجميع، ومن موقف مجموعة مهمة من الدول، وعلى رأسها دولته الولاياتالمتحدة، التي اعتبرت ذلك المشروع جديا وذي مصداقية، ومما انتهى إليه سلفه بيتر فان والسوم الذي اعتبر أن المشروع الانفصالي غير واقعي وغير قابل للتحقق، وهو الموقف الذي وصل إليه غيره ممن تعاملوا مع ملف النزاع المغربي-الجزائري في إطار الأممالمتحدة وعرفوا بالخفايا الحقيقية لهذا النزاع الذي يستعمل فيه الانفصاليون بأبشع الطرق، لكنه اختار الطريق الخطأ وورط نفسه في العداء للمغرب والشعب المغربي وانتهى به الأمر إلى أن يكون أفشل الوسطاء الأمميين الذين تكلفوا بهذه المهمة. ومن مفارقاته أنه وصل هو نفسه إلى قناعة فالسوم بأن الطرح الانفصالي بلا أفق، حسب ما تسرب من محادثاته مع مسؤولين إسبان، لكنه ظل يتصرف خارج هذه القناعة بشكل يثير الاستغراب.