كل يغني على ليلاه وسط الأغلبية الحكومية. شباط يطلق النار على بنكيران ويتهمه بالغرور، وبالسعي إلى الزيادة في أسعار الماء والكهرباء، وإثقال كاهل الفقراء والطبقات الوسطى بأعباء جديدة، ثم ينصحه بزيارة ضريح بويا عمر إذا كان يعاني من العفاريت. نبيل بنعبد الله، وزير السكنى وأمين عام حزب التقدم والاشتراكية، يقول إنه وحزبه لم يكونا متفقين مع الحكومة في خفض ميزانية الاستثمار ب15 مليار درهم، لأن هذا الإجراء سيعطي إشارات سلبية للرأي العام. امحند العنصر، وزير الداخلية وأمين عام حزب الحركة الشعبية، انتقد، أكثر من مرة، شعبوية الحزب الذي يقود الحكومة، وفوضى تسيير الفريق الحكومي. بنكيران وأصحابه يردون بطريقتهم على حلفائهم في الحكومة، مرة بالواضح وأخرى بالمرموز، متهمين إياهم بالتشويش من الداخل على مشروع الإصلاح. ما الذي يجمع هذه الأغلبية غير مكاتب الوزارات؟ إنهم مختلفون حول سبل إصلاح صندوق المقاصة، ومختلفون حول موعد إجراء الانتخابات الجماعية، ومختلفون حول سبل الخروج من الأزمة الاقتصادية، ومختلفون حول طرق محاربة الفساد والريع، وفوق هذا أصبحوا يشكون في إخلاص بعضهم لبعض. هل هذه أغلبية منسجمة يمكن أن تقود البلاد في مرحلة خطيرة من حياتها؟ إن وضع الحكومة يشبه ركابا مشاغبين في حافلة تمر في طريق غير معبدة، ضيقة وكلها منعرجات وألغام، وفوق هذا، الركاب لا يسلمون القيادة للسائق (رئيس الحكومة)، وعلى طول الطريق ينتقدون أسلوبه في القيادة، ويلجؤون إلى الصراخ والعويل، ومنهم من يهدد بالنزول في وسط الطريق، ومنهم من يتهم السائق بأنه يقودهم إلى الهاوية، هل يمكن لهذه الحافلة أن تصل سالمة إلى مبتغاها؟ البلاد في حالة حرب، أو تكاد، ضد آثار الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، والعجز وصل إلى 7,1 %، والحكومة مضطرة إلى الاستدانة لتعيش، وخائفة، من جهة، من رد فعل الشارع الذي لم يعد يتحمل زيادات جديدة في الأسعار، ومن تدخل المؤسسات المالية الدولية في السياسات الاقتصادية للمغرب، من جهة أخرى. وعوض أن يجلس ركاب هذه الحافلة «المنحوسة» إلى الطاولة، ويتفقوا على خطة عاجلة سياسية واقتصادية للخروج من الأزمة، يلجؤون إلى لعبة عض أصابع بعضهم، وإلى المزايدات الانتخابوية الضيقة. هذه حكومة لا تحتاج إلى معارضة، لأنها تضم في صفوفها الموالاة والمعارضة في الوقت نفسه، فلم ينفع مع خلافاتها ميثاق الأغلبية، ولا كراسي الوزارة، ولا البرنامج المشترك. في كل الدنيا تعرف الحكومات الائتلافية صعوبات في تدبير الشأن العمومي، لكن هذه الحكومات تجد طرقا لحسم خلافاتها دون أن تنشر غسيلها كل يوم أمام أعين الرأي العام، تماماً مثل العائلات المحترمة فيها خلافات ومشاكل وسوء فهم بين أفرادها، لكن كل هذا يظل داخل البيت يُحَل بعضه اليوم، ويترك البعض الآخر للأيام القادمة، ولا يخرج أفراد هذه العائلات إلى الشارع العام للقتال بأدوات المطبخ ولعرض عوراتهم أمام الناس. هذا هو حال الحكومة اليوم، عائلة شقية تخرج أسنانها وأظافرها وشفرات الحلاقة لبعضها عند كل خلاف، ويضرب أفرادها لبعضهم «الطر» في الصباح، وفي المساء يدخلون إلى غرفة النوم وكأن شيئا لم يقع. هذا أمر بات يثير الناس. خلافات الحكومة ليست نزاعات وزراء وزعماء لا تضر أحدا، بالعكس إنها أصبحت مواجهات فيها ضرب وجرح يدمي المصلحة العامة، ويؤثر على صورة البلاد في الخارج، ويعطي الانطباع بأن البلاد ليست فيها حكومة، بل مجرد وزراء كل واحد له أجندة خاصة. ليس هناك عشرة آلاف حل لهذه المشكلة، هناك حلان فقط: «إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان»، إما أن يصل رئيس الحكومة إلى حل مع أحزاب الأغلبية ويفرض عليهم الانضباط، وإما أن يفض هذا الجمع، ويذهب إلى انتخابات سابقة لأوانها، من أجل البحث عن أغلبية جديدة قادرة على إخراج البلاد من أزمتها، أما الاستمرار في هذا السيرك، الذي يقدم فيه كل حزب عرضا خاصا به، فهذا ما لا تطيقه بلاد على حافة الهاوية.