ماذا ينتظر وكيل الملك في الدارالبيضاء لتحريك المتابعة في حق أتباع حميد شباط الذين اقتحموا، الأسبوع الماضي، مقر الإدارة العامة للتكوين المهني مسلحين بالهراوات في الساعات الأولى من الصباح، مانعين الإدارة والموظفين من مباشرة عملهم؟ الصور موجودة، والفيديوهات على يوتوب، وإدارة التكوين المهني وضعت شكاية لدى وكيل الملك. وزير العدل، مصطفى الرميد، قال قبل أيام إن النيابة العامة عليها أن تحمي القانون وهيبة دولة الحق والقانون، فلماذا يتردد وكيل الملك في مباشرة عمله؟ الجواب الأولي هو أن وزارة العدل تخشى الاصطدام مع نقابة الاستقلاليين، الاتحاد العام للشغالين، التي يقودها حميد شباط الظاهرة الذي يؤسس منذ سنوات لأسلوب البلطجة في العمل السياسي والنقابي، وهذا ما وصفه وزير التشغيل والتكوين المهني، عبد الواحد سهيل، بلا تردد ولا مواربة، ب«الإرهاب». ما هي قصة هذه الإضرابات التي يقودها شباط في مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، الذي لا يتوفر فيه على أية تمثيلية؟ وماذا تطلب هذه الكتيبة التي هاجمت إدارة المكتب لتحريره من «المحتل»؟ القصة بدأت قبل سنوات عندما لجأت إدارة المكتب الوطني للتكوين المهني وإنعاش الشغل إلى التعاقد مع مجموعة حاملي الشهادات العليا المعطلين من أجل مباشرة التكوين والتدريس في مراكز المكتب، نظرا للإقبال الكبير للتلاميذ الحاصلين على البكالوريا أو ما دونها على التكوين المهني الذي يؤهل لولوج الشغل. سيصل عدد المتخرجين من المكتب هذه السنة إلى حوالي 280000 متخرج، أغلبيتهم الساحقة تلتحق بسوق الشغل مباشرة. هنا تتضح خطورة اللعب بهذه الرقعة الحساسة من جسم التكوين والتعليم في المغرب. كانت الإدارة منذ البداية واضحة وصريحة مع هؤلاء المكونين.. عقدة محددة في الزمان والمكان تجدد كل سنة حسب احتياجات المكتب، وليس توظيفا مباشرا للالتحاق بالوظيفة العمومية، لأن لهذه الأخيرة شروطا ومعايير ومناصب مالية لا يتوفر عليها مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، الذي تتغير برامج التكوين فيه وحاجياته كل سنة. ظل الأمر على هذه الشاكلة لسنوات، حتى بلغ عدد هؤلاء المكونين المتعاقد معهم 2400 مكون. هنا دخلت النقابات على الخط، وبدأت تؤطرهم للمطالبة بالإدماج، والمرور من التعاقد إلى الالتحاق بسلك الوظيفة العمومية. ظل الوضع هكذا: حوار مفتوح وضغط وتواصل إلى أن جاء الربيع العربي، وصارت الدولة مصابة بداء الخوف والفوبيا من أن تتحول الاحتجاجات الاجتماعية المشروعة وغير المشروعة إلى نار تحرق البلاد. هنا أخذ عباس الفاسي قرار إدماج هؤلاء المكونين les formateurs في الوظيفة العمومية لاعتبارات سياسية وليست مهنية. بدأت هذه العملية على مراحل، وإلى حد الآن تم إدماج نصف هؤلاء المكونين في أسلاك الوظيفة العمومية. ثم ثار مشكل آخر وسط 2400 شخص الموعودين بالإدماج المباشر. ظهر أن حوالي 240 مكونا يتجاوز سنهم 45 سنة، السن القانوني الذي ينص عليه قانون الوظيفة العمومية لكل ملتحق بها. هنا التقط حميد شباط الملف ووعد هؤلاء بالضغط على عباس الفاسي من أجل استصدار مرسوم يستثني هؤلاء من شرط السن للالتحاق بالوظيفة العمومية، وفعلا رضخ عباس لشروط شباط الذي كان ومازال يتوفر على نفوذ قوي في الحزب. عباس وقع على هذا الاستثناء la dérogation أياما قبل مغادرته الوزارة الأولى، فما كان من وزارة المالية إلا أن رفضت تطبيق هذا المرسوم واعتبرته غير قانوني وسيفتح باب جهنم عليها. هنا تقدم المدير العام لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، العربي بن الشيخ، بمقترح تعويض هؤلاء الذين تجاوزوا السن القانوني للتوظيف بعقد دائم غير محدود المدة يكفل ل240 هؤلاء نفس الحقوق والامتيازات التي سيحصل عليها زملاؤهم الذين التحقوا بالوظيفة العمومية. وأمام وعود شباط لهم ومزايدات نقابته التي تريد موطئ قدم في المكتب لم تعطها إياه انتخابات المأجورين، رفضوا هذا العرض، وبدؤوا سلسلة إضرابات واحتلالات لمراكز التكوين، توجت باحتلال الإدارة المركزية بالبيضاء، على مرأى ومسمع الجميع، ومنع السير العادي بها. هذه هي القصة الكاملة لما جرى، أما خطورة ما جرى ويجري فتكمن في أن الفوضى وخرق القانون والاعتداء على مؤسسات الدولة يمكن أن تمر مرور الكرام إذا كانت النقابة على رأسها شخص مثل شباط لسانه طويل ونفوذه كبير، وإذا كانت هذه النقابة تابعة لحزب مشارك في الحكومة، فإنها تضمن ألا يقترب منها القانون، وأن تظل العدالة مكتوفة الأيدي، وإلا فإن أزمة سياسية ستنفجر وسط الائتلاف الحاكم لا يحتمله رفاق الحكومة الواحدة، ولهذا يجري البحث عن حلول ترقيعية على حساب المصلحة العمومية.