لو أردنا أن نركب ملخصا بالصور للطريقة التي ودع بها المغاربة ال365 يوما من السنة التي نطوي صفحتها اليوم، فربما لن نجد أفضل من الصور القادمة من مراكش، نهاية الأسبوع الماضي، لانتفاضة الماء والكهرباء، حيث خرج المراكشيون إلى الشارع للتظاهر ضد غلاء فواتير المادتين الأكثر حيوية في حياة المواطن. الصور تظهر أن صبر الناس بدأ ينفد، وأن كل ما يرونه في التلفزة الرسمية من مشاريع النماء ووعود الخير وأوصاف الاستثناء المغربي، وكل خطابات تسويق الارتياح من الحكومة والأحزاب الموالية لها... كل هذا لم يروا له أثرا في فواتير الماء والكهرباء التي تستنزف جيوبهم المثقوبة أصلا، رغم أن علي الفاسي الفهري، الذي جدد له بنكيران ولاية أخرى لا نعلم مدتها، يأخذ وحده 10 في المائة من صندوق المقاصة كدعم عن المحروقات التي يستعملها لإنتاج الكهرباء. الصورة الثانية قادمة من شارع محمد الخامس، حيث أقدم باشا المدينة على ضرب وسب ولعن برلماني من العدالة والتنمية وعضو قيادي في أمانة الحزب الحاكم. فبمجرد ما حاول البرلماني الشاب الدخول بخيط أبيض بين رجال الأمن وأحد المعطلين، الذي كان يتعرض للسلخ مثل شاة بين أيدي رجال الأمن، راجيا منهم الرفق بالضحية، حتى انهال عليه الباشا ورفاقه بالضرب المصحوب بقاموس السلطة المعروف لدى كل من احتك بالمزاج الحاد للمخزن، خاصة بعد أن قدم نفسه كبرلماني وعضو في الحزب الإسلامي. كم كان الإدريسي ساذجا وطيبا عندما تصور أن بطاقته البرلمانية أو عضويته الحزبية ستشفع له عند السلطة، خاصة أنه يعترض على سلوكها في الشارع العام أمام الناس، هل يريد أن يمس هيبتها وصورتها أمام المغاربة؟ ألا يعرف أن السلطة لن تبقى سلطة إذا لم يعد المغاربة يخافون منها، وأن الخوف هو الذي يصنع شرعيتها؟ ثم ماذا فعل بنكيران والرميد وغلاب للبرلماني الذي أكل الفلقة يوم الخميس الماضي؟ لا شيء، بيانات للتضامن لا تسمن ولا تغني عن الضرب والمهانة، وكلام يقول إن ما تعرض له البرلماني الشاب غير معقول. بالعكس، ما تعرض له البرلماني هو عين المعقول، مادام الباشا ورجال الأمن، الذين ضربوا وسبوا البرلماني، ذهبوا إلى منازلهم يتباهون بأن سلطتهم تفوق سلطة البرلمان والحكومة والحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات، ليذهب الجميع إلى الجحيم، أما حكاية التحقيق الذي ستفتحه الداخلية في النازلة فالجميع يعرف نتيجته من الآن، هل توجد سلطة في البلاد المتخلفة تعاقب يدها التي تبطش بها؟ لماذا يستنكر بنكيران ما وقع لبرلماني حزبه الآن؟ ألم يلتمس هو نفسه ألف عذر لخشونة القوات العمومية مع المواطنين؟ ألم يقل هو نفسه في البرلمان إن رجال الشرطة يظلون لساعات بلا أكل ولا نوم ولا راحة، ينتظرون ساعة الصفر للتدخل لفض المظاهرات. إذن، هي نيران صديقة أصابت برلماني العدالة والتنمية فلا داعي لفتح تحقيق، ولا داعي لإصدار بيانات الشجب والاستنكار لتطييب الخواطر. ما تعرض له الإدريسي، من مهانة وضرب وشتم، يتعرض له المواطنون كل يوم تقريبا، على يد جنود وزارة الداخلية التي لا يعتبرها بنكيران وزارة تابعة له، بل إنها تقع في قبضة العفاريت والتماسيح وباقي المخلوقات البرمائية التي وجد لها بنكيران قاموسا جديدا، في حين كان المطلوب منه أن يضع لها نهاية سريعة، وأن يدخلها إلى حظيرة الحكومة، وأن يروض سلوكها حتى تصير حيوانات أليفة تحترم القانون وتخضع لدولة الحق. كل عام وحكومتنا بخير.. ضرب برلماني لن يبعث الحرارة في دماء بنكيران ويدفعه إلى وضع النقط على الحروف مع وزارة الداخلية، وخروج المراكشيين إلى الشارع لن يدفع رئيس الحكومة إلى إعادة النظر في المكتب الوطني للماء والكهرباء، وكيفية اشتغاله والظروف التي تمر منها صفقاته، إذن على الجميع أن يرفع كفيه إلى السماء، أما الأرض فلا رحمة فيها الآن على الأقل.