شددت السلطات الموريتانية إجراءاتها الأمنية حول قصر المؤتمرات بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، حيث يحتجز مدير المخابرات الليبية السابق عبد الله السنوسي، والرجل الثانى في نظام العقيد معمر القذافى إلى غاية الإطاحة به. ونشرت الحكومة الموريتانية قوات من مكافحة الإرهاب حول مقر الاحتجاز، كما شددت قوات الحرس الرئاسي من إجراءاتها الأمنية حول مقر المؤتمرات لضمان سلامة الرجل المحتجز حاليا منذ وصوله إلي موريتانيا قبل يومين. مسؤول حكومى رفيع – فضل عدم ذكر اسمه – روى للشروق اليومي كيف استدرج عبد الله السنوسى إلى موريتانيا، وكيف تم اعتقاله، وتحدث عن خيارات محدودة أمام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في التعامل مع الملف المثير. ويقول المسؤول الحكومي إن عبد الله السنوسى غادر الأراضي الليبية بعد سقوط العاصمة الليبية طرابلس بأيام، وأنه اعتمد على مجموعة من التوارق الماليين من أجل مغادرة ليبيا، مستغلا انشغال العالم بحصار العقيد القذافى داخل مدينة سرت الليبية والمعارك الطاحنة على الجبهة الشرقية بين كتائب القذافي والثوار. وقد استغل مدير الاستخبارات جواز سفره المالي الذي كان بحوزته قبل أحداث ليبيا من أجل الحركة دون مراقبة من الجهات الأمنية الداخلية والدولية التي كانت تلاحقه ساعتها. وقد مكث السنوسي عدة أشهر في صحراء مالي متنقلا بين التوارق وبعض العرب الماليين، ممن كانت لديه بهم علاقة قبل سقوط نظامه. ومع انفجار الأوضاع الأمنية شمال مالي بين التوارق والحكومة المركزية، قرر عبد الله السنوسي مغادرة البلاد باتجاه المملكة المغربية، حيث أقام عدة أسابيع فى أحد فنادق الدارالبيضاء. أول خيط... وجود الرجل الثاني في أحد فنادق الدارالبيضاء كان أول خيط تلتقطه المخابرات الفرنسية عنه، حيث تم الاشتباه فيه عن طريق أحد العملاء الفرنسيين في المدينة. وقد عززت فرنسا من تواجد عناصر الاستخبارات التابعين لها في المملكة المغربية داخل الفندق ومحيطه، وراقبت رسائل الرجل واتصالاته الهاتفيه. ويقول المسؤول الموريتاني الذي اطلع على التحقيقات الأولية مع عبد الله السنوسي بأن فرنسا أبلغت الأمن المغربي بأن عبد الله السنوسي موجود في المملكة المغربية، غير أن الرباط رفضت التعاون مع فرنسا في عملية اعتقاله. وقال الأمن المغربي بأن عملية اعتقال السنوسي بالدارالبيضاء ستكون محرجة للرباط أمام العالم، خصوصا وأن جارتها الجزائر استقبلت عددا من رموز النظام السابق ولم تسلمهم للحكومة الليبية أو أي جهة أجنبية، كما أن موقف تونس الرافض تسليم البغدادي زاد من إحراج الحكومة المغربية والمخزن بالذات. كيف تم استدراجه؟ السلطات المغربية والفرنسية وحسب المسؤول الموريتاني اتفقتا على اشراك نواكشوط في عملية ملاحقة مدير الاستخبارات الليبية عبد الله السنوسي، وتم اطلاع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز على الملف، وطلب منه تقديم المساعدة. وقال المصدر إن ولد عبد العزيز أجرى اتصالات سرية مع بعض المحسوبين على نظام العقيد القذافي من اجل اعطاء رسالة طمأنة لمدير الاستخبارات عبد الله السنوسي ورفاقه بأن نواكشوط ماتزال وفية لموقفها الداعم للحكومة السابقة رغم اعترافها بالمجلس الانتقالي وبحكومة الكيب. وقد أوفدت نواكشوط عددا من عملائها السريين إلى الدارالبيضاء للقاء الرجل، وقد تم اعطاءه تطمينات رسمية موريتانية بأن نواكشوط ستحميه في حالة وصوله إليها، وأن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز كان يفكر في منح اللجوء للقذافي وأفراد عائلته قبل انهيار النظام وسيطرة الثوار على البلاد. تطمينات رجال الأمن في موريتانيا، ونفاد أموال السنوسي بالرباط، وصعوبة التواصل بينه وبين رجاله السابقين، دفعته للموافقة على العرض الموريتاني، وهو القرار الذى ألقى به في شراك الفرنسيين. هكذا كان الاستقبال؟ الساعة العاشرة والنصف من مساء الجمعة 16 مارس 2012 وصل ضباط من إدارة أمن الدولة وقوات من مكافحة الإرهاب إلى مطار نواكشوط الدولي، وأخذ الضباط أماكنهم قرب مدرج الطائرة. كان عمال المطار يتوقعون أن ضيفا كبيرا سيحل على موريتانيا، لكن لم يكن أحد يتصور أن يكون الضيف هو عبد الله السنوسي على الإطلاق. عند هبوط الطائرة، كان أحد ضباط أمن الدولة يغادر الطائرة وهو يحمل هاتفه النقال، وخلفه يسير رجل تبدو ملامحه أقرب لتوارق الصحراء، ملثما ومعه مرافق علم فيما بعد أنه عبد الله السنوسي ونجله. حمل الشرطة السنوسي في سيارة صغيرة، وأحاطت به قوات الشرطة الموريتانية، وتم نقله إلى منزل تابع لإدارة الأمن وسط نواكشوط، ليتم ابلاغه بأنه الآن رهن الاعتقال، وأن أيام حريته انتهت بالفعل مع وصول قدميه إلى مطار نواكشوط الدولي. أى مصير ينتظره؟ مصادر حكومية بنواكشوط، قالت لمراسل الشروق بموريتانيا إن مفاوضات سرية تجرى الآن بين الحكومة الموريتانية ونظيرتها الفرنسية من أجل ترتيب عملية نقل الرجل الثانى في نظام العقيد القذافي عبد الله السنوسي إلى فرنسا. وقال المصدر إن السلطات الفرنسية تقدمت بطلب إلى نظيرتها الموريتانية صباح السبت 17 -3 – 2012 بناء على تفاهم مسبق بين باريس وموريتانيا قبل عملية اعتقال السنوسي بمطار نواكشوط الدولي. وقال المصدر إن باريس ونواكشوط اتفقتا على عملية استدراج للرجل الثاني في الحكومة الليبية المنهارة من أجل توقيفه في بلد آخر غير المملكة المغربية، وإن بعض الأطراف المقربة منه سياسيا تم استغلالها في عملية إقناعه بالتوجه إلى موريتانيا باعتبارها البلد الأكثر أمانا له خلال المرحلة القادمة. وتقول المصادر إن الحكومة الموريتانية لم تستجوب عبد الله السنوسي إلى غاية الآن، وإن عملية نقله إلى فرنسا قد تتم خلال الأيام القليلة القادمة. وتوقع المصدر إرسال الفرنسيين لمحققين مع الرجل، قبل جلبه إلى باريس لمواجهة تهم تتعلق بالقتل والتخطيط لتفجير طائرة فرنسية سنة 1989 راح ضحيتها 170 شخصا. وتقول مصادر الشروق بموريتانيا إن الرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز يشعر بالإحراج لكونه أول رئيس عربي يسلم مواطنا عربيا لدولة أجنبية رغم مطالبة بلاده به، غير أن الأوضاع الداخلية في موريتانيا، والحملات الانتخابية فى فرنسا كانت الدافع الأول للرجل من اجل اتخاذ قرار بهذا الشأن. ونقل عن ولد عبد العزيز قوله بأن ليبيا بلد هش، وإن الحكومة الحالية غير مستقرة، وليس من الوارد أن يقدم لها شخص مثل عبد الله السنوسي مطلوب لأكثر من دولة خدمة. وكان الرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز قد ساند الحكومة الليبية المنهارة إلى غاية مقتل العقيد القذافى على يد الثوار بمدينة سرت الليبية. وظل الجميع ينظر إلى موريتانيا باعتبارها البلد الأكثر أمانا لرموز النظام الليبي السابق، نظرا للعلاقة التي جمعت الطرفين قبل الثورة وأثناءها.