شكلت "الهجرات و الهوية و الحداثة في البلاد المغاربية" محور الندوة الدولية التي احتضنتها مدينة الصويرة خلال الفترة من 17 إلى 20مارس 2010 بمشاركة 55 باحثا ومختصا أكاديميا من المغرب العربي و الشرق الأوسط و أوروبا و أميركا الشمالية. و تسعى هذه الندوة، التي أشرف على تنظيمها مجلس الجالية المغربية بالخارج و مركز جاك بيرك للدراسات في العلوم الإنسانية بالمغرب، من بين ما تسعى إليه، إلى إدراج تاريخ الهجرات اليهودية المغاربية من القرن السادس عشر إلى أيامنا هذه، في سياق أعم هو سياق موجات الهجرة التي طبعت الفضاء المغاربي عبر التاريخ، كما تسعى من جهة أخرى بحسب المنظمين، إلى إدراج هذه الحركية في تاريخ الهجرات المشترك بين كل مكونات المجتمع المغاربي، و إلى استخلاص كل خصوصيات ذلك التاريخ المشترك. و أوضح المنظمون، أن الموضوع الرئيسي للندوة يتمثل في العمل على النظر إلى حركات الهجرة ليس فقط في حد ذاتها و باعتبار خصوصيتها، و لكن مع إدراج لها كذلك في إطار الظرفية السوسيو- اقتصادية العالمية لموج الحركيات الكبرى التي تولدت عنها كل التغييرات و الحركات التي عرفها مجمل المجتمعات المغاربية، و ذلك من قبيل التنقيلات الإجبارية و تثبيت الرحل و الدخول في اقتصاد عالمي تتحكم فيه أوروبا منذ فترة الغزو الاستعماري، و الشروع في تصدير يد عاملة في فترة تميزت بتقلبات البنيات الإنتاجية في أوروبا و في البلاد السائرة في طريق النمو، و تحويل للساكنة القروية إلى يد عاملة معطلة بفعل عصرنة الفلاحة و وسائل النقل، و تخريب للصناعة التقليدية القروية و الحضرية، و ظهور طلائع طبقة وسطى أصبحت تتميز بالهشاشة في وضعها و هويتها إلى جانب الجوانب المهمشة بفعل النظام الاستعماري على الساحتين الاجتماعية و السياسية. و استطرد المصدر، أن إدراج تاريخ الهجرات في سياق و في إطار متعددي الأبعاد هو محاولة حتى لا يظل البعدان الملي و السياسي، هما البعدان الوحيدان للأخذ بعين الاعتبار، ستكون بذلك خصوصية الهجرات اليهودية قد خفت لكن دون أن تختفي كلية، و ذلك في مقابل تبلور تصور وضعية متقاسمة بين المهاجرين، و هي من صميم مكونات أوجه مسيرة الحداثة في مجتمعاتنا. و خلص منظمو الندوة إلى أن حفظ ذاكرة كل هذه الجاليات المهاجرة هو في نفس الوقت حفظ لذاكرة المغرب و البلاد المغاربية عامة عبر مختلف فترات تاريخها، و أن الحفاظ على مختلف الروابط، على شكل زيارات تبركية للأوطان والمآثر و صلات الرحم مع الأقارب و جولات سياحية، و مختلف أعمال الحفاظ على التراث، ليشكل مؤشرا على أن خيار العودة يمكن أن يكون علامة على بوادر مواطنة غنية بتعدد أساليب تاريخيتها.
و تضمن برنامج هذا اللقاء الدولي، الذي مر في ظروف عادية، ندوات و نقاشات حول التاريخ المشترك لليهود و المسلمين، و الهجرات و مساراتها و القطيعة التي رافقتها، كما تضمن معرضا حول "قرن من التاريخ الثقافي للمغاربيين بفرنسا من خلال الملصقات، و معرضا لصور و بورتريهات ليهود مغاربة بالدارالبيضاء خلال الستينات من القرن الماضي من إنجاز كلود سيتبون و كابرييل أكسيل، و معرضا للكاتب الفرنسي التونسي ألبير ميمي الرئيس الشرفي للندوة، فضلا عن مقهى ثقافي عبارة عن لقاء مفتوح مع كوليت فلوس و ألبير ميمون. و قد تميزت هذه الندوة، التي حضر وقائعها أندري أزولاي مستشار جلالة الملك الرئيس المؤسس لجمعية الصويرة- موكادور، متتبعا و مشاركا، (تميزت) بإلقاء عدة عروض ناهزت 50 عرضا تناولت مواضيعا ذات الصلة بمحور الندوة، قام بتنشيط بعضا منها كل من أحمد حرزني رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، و أحمد يازمي رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، و سيرج برديكو رئيس مجلس الجماعات اليهودية بالمغرب وزير السياحة المغربي الأسبق. جلسة الاختتام و تميزت جلسة الاختتام ليوم السبت 20 مارس بمداخلتين لاندري أزولاي و إدريس يازمي استعرضا فيهما باقتضاب ملخصا عن المحاور التي تناولتها الندوة على مدى أربعة أيام. و على هامش هذه الجلسة ألقى الشاعر مبارك الراجي بعضا من إبداعاته الشعرية الأخيرة بمناسبة اليوم العالمي للشعر، كما أعطيت الكلمة لسعدي الوني (أبو تمام) رئيس المكتب التنفيذي لرابطة اللاجئين الفلسطينيين بأوروبا ثمن فيها مبادرة تنظيم الندوة، و تمنى أن تساهم في تقريب الحوار بين الأطراف المعنية به لتحقيق السلام العادل و الشامل.