بعد سقوط نظام حسني مبارك، تتضح باطراد ملامح توجهات جديدة في السياسة الخارجية المصرية قد تعيد رسم خريطة التحالفات والتوازنات الإستراتيجية الإقليمية في ظل مرحلة انتقالية زادت تعقيد الأوضاع الهشة أصلا في الشرق الأوسط. وتشير دلائل إلى أن العلاقات المصرية المجمدة أو المتوترة مع كل من طهرانودمشق دخلت مستوى جديدا من 'الغزل المتبادل' بعد أن وصف رئيس لجنة الأمن القومي والعلاقات الخارجية بمجلس الشورى الإسلامي في إيران علاء الدين بروجردي إقامة علاقات مع مصر بأنها 'فرصة مهمة' للدبلوماسية الإيرانية. ونقلت وكالة مهر للأنباء عن بروجردي الجمعة قوله: 'يجب على وزارة الخارجية متابعة إقامة العلاقات الثنائية بين إيران ومصر بشكل جاد' وذلك تعليقا على تصريح وزير الخارجية المصري بشأن إقامة العلاقات مع إيران. وكان وزير الخارجية المصري نبيل العربي أكد يوم الثلاثاء الماضي أن إيران دولة من دول الجوار والحكومة المصرية لا تعتبرها دولة معادية أو عدوا. وقال العربي في مؤتمر صحافي إن 'إيران دولة من دول الجوار ولنا معها علاقات تاريخية طويلة وممتدة في مختلف العصور والحكومة المصرية لا تعتبرها دولة معادية أو عدوا ونفتح صفحة جديدة مع كل الدول بما فيها إيران'. وتطرق بروجردي إلى نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك قائلا: 'إن الجهاز الأمني لنظام مبارك كان اهم عقبة تحول دون إقامة العلاقات بين إيران ومصر، ولحسن الحظ مع انهيار هذا الجهاز والتطورات الداخلية في مصر فقد هيئت الأرضية لإقامة العلاقات بين البلدين'. وتزامنت التصريحات الايرانية مع قرار حكومة دمشق الافراج عن مصري اعتقل بتهمة 'التجسس لصالح امريكا' بعدما ضبط وهو يصور المظاهرات المطالبة بتغيير النظام. وقال السفير محمد عبد الحكم مساعد وزير الخارجية للشؤون القنصلية والمصريين في الخارج، إن الإفراج عن الشاب المصري جاء فى إطار العلاقات الطيبة والمتميزة بين مصر وسورية، معبراً عن شكره وتقديره لقرار الرئيس السوري بالإفراج عن رضوان. وتحدثت تقارير صحافية عن زيارة سرية قام بها الرئيس الجديد للمخابرات المصرية اللواء مراد موافي لسورية فى 18 اذار/مارس الماضي، حيث التقى مسؤولين كبارا في الحكومة وحركة حماس. ورغم تأكيد وزير الخارجية الجديد نبيل العربي اثناء المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيرته الامريكية هيلاري كلينتون، على ان القاهرة عازمة على الاحتفاظ بعلاقتها الاستراتيجية مع واشنطن، فان هذا كما يبدو لن يمنعها من اعادة النظر في علاقاتها الاقليمية في سبيل استعادة الدور والتأثير الذي طالما غابت عنه في عهد مبارك. ويبدو ان المجلس الاعلى الحاكم في مصر يدرك جيدا ان الشعب الذي اسقط نظام مبارك، لم يكن مستاء من سياسته الداخلية فقط بل والخارجية ايضا، ما يلزمه باعادة تقييمها. ففي الشهر الاول لتوليه السلطة اتخذ المجلس قرارين كاشفين عن توجه جديد، اولهما السماح لسفن ايران الحربية بالمرور عبر قناة السويس الى البحر المتوسط في طريقها الى ميناء سوري، ما ادى الى اعادة لرسم الممرات الاستراتيجية. وما كان نظام مبارك ليتخذ هذا القرار، ما يؤكد للاسرائيليين بأنهم بسقوطه خسروا 'كنزا استراتيجيا'، حسب وصف بعض قادتهم. اما القرار الثاني فهو السماح لقادة حماس بالمرور من معبر رفح، بعد ان فرض عليهم مبارك الاقامة الاجبارية في القطاع لنحو عامين، بسبب رفضهم توقيع ورقة المصالحة المصرية، وتزامن القرار مع تصريحات دبلوماسية تعهدت برفع الحصار عن غزة، بدا جزء منها موجها الى الداخل المصري، وخاصة التيارات الاسلامية التي دخلت في 'تحالف الامر الواقع' مع المجلس العسكري الحاكم. وفي غضون ذلك ظهرت بوادر قلق امريكي، من التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية المصرية، لا يمكن فصلها عن تصريحات بشأن ترتيب الوضع الداخلي ادلى بها مسؤولون كبار اثناء زيارتهم للقاهرة، واخرهم روبرت غيتس وزير الدفاع الذي دعا الى عدم التعجيل بالانتخابات لاعطاء فرصة للاحزاب الجديدة الوقت الكافي للاستعداد لها. وقالت صحيفة 'وول ستريت جورنال' إن الولاياتالمتحدة تشعر بالقلق حيال مدير المخابرات العامة المصرية مراد موافي، خاصة بعد أن قام بزيارة غير معلنة إلى العاصمة السورية. وتساءلت الصحيفة عما كان يفعله موافي فى دمشق ومع من التقى، ونقلت عن مسؤول بوزارة الدفاع الأمريكية قوله: 'بصراحة، لدينا أفكارنا، لكننا لا نعرف شيئاً محدداً.. لن أقول إننا قلقون، لكن 'اهتمامنا' هو أفضل كلمة لوصف الموقف'. إلا أن الصحيفة تنقل عن محمد علي بلال، وهو لواء سابق بالجيش تعامل مع موافي عن قرب قوله إن الأخير ومعه آخرون لديهم رؤية بأن العلاقة مع أمريكا يجب أن تكون مثلما كانت عليه قبل الثورة، فهذا عهد جديد ويجب مراعاة مصالح مصر.