أكرا/غانا: اختيار فوزي لقجع نائبا أول لرئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم    بنعبد الله: حكومة أخنوش ضعيفة سياسياً وأطفأت النقاش العمومي... وطال صبرنا لرحيلها    سفيان البقالي يحل ثانيا في سباق 3000 متر موانع بملتقى شيامن    الكرفطي ينتقد مكتب اتحاد طنجة: بدل تصحيح الأخطاء.. لاحقوني بالشكايات!    بنكيران: "العدالة والتنمية" يجمع مساهمات بقيمة مليون درهم في يومين    بنكيران: وفد حماس لم يحصل على التأشيرة لدخول المغرب وجمعنا أزيد من مليون درهم حتى الآن    المباراة الوطنية الخامسة عشر لجودة زيت الزيتون البكر الممتازة للموسم الفلاحي 2024/2025    الكلية متعددة التخصصات بالناظورتحتضن يوما دراسيا حول الذكاء الاصطناعي    أدوار جزيئات "المسلات" تبقى مجهولة في جسم الإنسان    أخنوش يمثل أمير المؤمنين جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا    مناظرة جهوية بأكادير لتشجيع رياضي حضاري    تتويج 9 صحفيين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    العثور على جثة بشاطئ العرائش يُرجح أنها للتلميذ المختفي    الجامعي: إننا أمام مفترق الطرق بل نسير إلى الوراء ومن الخطير أن يتضمن تغيير النصوص القانونية تراجعات    جديد نصر مكري يكشف عن مرحلة إبداعية جديدة في مسيرته الفنية    بواشنطن.. فتاح تبرز جاذبية المغرب كقطب يربط بين إفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة    إطلاق مشروعي المجزرة النموذجية وسوق الجملة الإقليمي بإقليم العرائش    جيدو المغرب ينال ميداليات بأبيدجان    المغرب يرفع الرهان في "كان U20"    برهوم: الشعب المغربي أكد أنه لا يباع ولا يشترى وأن ضميره حي ومواقفه ثابتة من القضية الفلسطينية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    بدء مراسم جنازة البابا في الفاتيكان    مؤتمر "البيجيدي" ببوزنيقة .. قياديان فلسطينيان يشكران المغرب على الدعم    الملك محمد السادس يهنئ رئيسة تنزانيا    المغرب يرسّخ مكانته كمركز صناعي إفريقي ويستعد لبناء أكبر حوض لبناء السفن في القارة    البشر يواظبون على مضغ العلكة منذ قرابة 10 آلاف سنة    من تندرارة إلى الناظور.. الجهة الشرقية في قلب خارطة طريق الغاز بالمغرب    هولندا.. تحقيقات حكومية تثير استياء المسلمين بسبب جمع بيانات سرية    شبكات إجرامية تستغل قاصرين مغاربة في بلجيكا عبر تطبيقات مشفرة    هولندا تقرر تمديد مراقبة حدودها مع بلجيكا وألمانيا للتصدي للهجرة    تصفية حسابات للسيطرة على "موانئ المخدرات" ببني شيكر.. والدرك يفتح تحقيقات معمقة    تتويج الفائزين في مباريات أحسن رؤوس الماشية ضمن فعاليات المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب 2025    كرانس مونتانا: كونفدرالية دول الساحل تشيد بالدعم الثابت للمغرب تحت قيادة الملك محمد السادس    ماذا يحدث في بن أحمد؟ جريمة جديدة تثير الرعب وسط الساكنة    بدء مراسم تشييع البابا فرنسيس في الفاتيكان    ولاية أمن الدار البيضاء توضح حقيقة فيديو أربعة تلاميذ مصحوب بتعليقات غير صحيحة    لقاء يتأمل أشعار الراحل السكتاوي .. التشبث بالأمل يزين الالتزام الجمالي    الشافعي: الافتتان بالأسماء الكبرى إشكالٌ بحثيّ.. والعربية مفتاح التجديد    المرتبة 123 عالميا.. الرباط تتعثر في سباق المدن الذكية تحت وطأة أزمة السكن    المعرض الدولي للنشر والكتاب يستعرض تجربة محمد بنطلحة الشعرية    مصدر أمني ينفي اعتقال شرطيين بمراكش على خلفية تسريب فيديو تدخل أمني    فعاليات ترصد انتشار "البوفا" والمخدرات المذابة في مدن سوس (فيديو)    الصين تخصص 6,54 مليار دولار لدعم مشاريع الحفاظ على المياه    الهلال السعودي يبلغ نصف نهائي نخبة آسيا    وثائق سرية تكشف تورط البوليساريو في حرب سوريا بتنسيق إيراني جزائري    الجهات تبصِم "سيام 2025" .. منتجات مجالية تعكس تنوّع الفلاحة المغربية    من فرانكفورت إلى عكاشة .. نهاية مفاجئة لمحمد بودريقة    جريمة مكتملة الأركان قرب واد مرتيل أبطالها منتخبون    العالم والخبير في علم المناعة منصف السلاوي يقدم بالرباط سيرته الذاتية "الأفق المفتوح.. مسار حياة"    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    متدخلون: الفن والإبداع آخر حصن أمام انهيار الإنسانية في زمن الذكاء الاصطناعي والحروب    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في حوار مع الباحث الاستراتيجي الأستاذ المصطفى الرزرازي

يطرح الباحث الاستراتيجي الأستاذ الرزرازي مجموعة من المفاهيم التي تتميز بجدتها في حقول معرفية متقاطعة ، و يدفع في اتجاه إعادة صياغة تصور متقدم للقانون الدولي الذي ما زال حابلا بمفاهيم يمتح قاموسها من مرحلة تاريخية يمكن حصرها بعد الحرب العالمية الثانية و الحرب الباردة، كما يورد أفكارا عميقة مرتبطة بقضية الصحراء و مشروع الحكم الذاتي .
الدكتور الرزرازي لم يعرف في المغرب للأسف إلا عبر حوارات خاصة حول الشؤون الأسيوية. لكننا نكتشف اليوم عبر هذا الحديث الذي خصنا به الجزء المتعلق بتمرسه القانوني و بخاصة في فلسفة التحليل القانوني الدولي و مفهوم الإيكولوجيا السياسية و مقومات الأمن البشري النموذجي بالأقاليم الصحراوية .
في نظركم أين تكمن أهمية مقترح الحكم الذاتي كحل لقضية الصحراء؟
المقترح المغربي للحكم الذاتي الموسع بالأقاليم الجنوبية، هو مشروع قدمه المغرب كأرضية للتفاوض مع البوليساريو من أجل التوصل لحل سياسي لمشكلة الصحراء. و لعل ديباجة المشروع واضحة في هذا الشأن. وهو مشروع بلغ من النضج اليوم ما يؤهله لكي ينتقل إلى التنفيذ ، بعد أن حظي بإجماع مختلف فعاليات المجتمع المدني و السياسي المغربي، علاوة على دعمه و استحسانه من طرف أغلب مكونات المجتمع الدولي كأرضية للتفاوض من أجل حل سياسي. هذا بالإضافة إلى انخراط المجتمع الأكاديمي و الخبراء في مناقشته. مما جعل منه أكثر من مجرد مقترح. ولعل الطرفان الوحيدان اللذان لم يقبلا النظر في المشروع هما الجزائر و البوليساريو، لأنهما أحرجا بجرأة المغرب، و نيته الحسنة التي أبداهما بعرضه هذه المبادرة.
فمن جهة ظل البوليساريو سجين تصورات تقليدية لم تعد تستساغ و لا تقبل داخل النمط الجديد للتفكير القانوني الدولي، أما الجزائر، و تحديدا نخبها العسكرية فإنها تجد نفسها مهددة في مصالحها، لأنها تخشى عدوى رياح الانفتاح الديمقراطي، و خاصة إذا ما بدأ المغرب تنفيذ مشروعه الكامل المتعلق بالجهوية الموسعة.
إنها البيروقراطية العسكرية التي تخشى من منطقة مغرب عربي ديمقراطي يتأسس على نموذج ديمقراطيات لامركزية ذات جهوية موسعة لا تحتاج إلى إدارة الرأي العام بمقولات العدو الخيالي، أو بمقولة التفوق العسكري.
من هنا إذن أرى أن أهمية مشروع المغرب للحكم الذاتي و للجهوية الموسعة تكمن في كونهما يجسدان من جهة نموذجا جديدا و متطورا للحكامة الرشيدة، ومن جهة أخرى هما يمثلان دعامة قوية و نموذجية للمدرسة الجديدة للقانون الدولي التي يعمل جيل جديد من المتخصصين على إعادة قراءته وفقا لمتغيرات العالم، خاصة على ضوء نهاية الحرب الباردة، و دخول العالم في عولمة بنيوية من أهم خصائصها نبذ البلقنة و مشاريع الكيانات المنهارة على اعتبار الكيانات المنحلة و الفاشلة خطيرة على الانسجام الإقليمي.
كيف تتصورون دور الدبلوماسية الموازية في التعريف بقضية الصحراء، و خاصة الدبلوماسية الأكاديمية؟
أظن أن دور الدبلوماسية الموازية ضروري في تعزيز مواقع المغرب الإستراتيجية داخل منتديات القارات الخمس.و إذا ما حصرنا حديثنا هنا على الدبلوماسية الاكاديمية، فإنها بلا شك تعتبر من أهم دعامات التعريف بعدالة الموقف المغربي. لأن آلية العمل الأكاديمي لا تقارع أطروحات الخطاب السياسوي البسيط، و إنما تتجه إلى المقولات المؤسسة له، سواء كانت قانونية أو تاريخية أو سياسية. و قد أؤكد لك أن من بين المشاريع الكبرى التي انخرطت فيها شخصيا رفقة عدد من الزملاء الباحثين باليابان و كوريا و الصين و الولايات المتحدة الأمريكية هو العمل على إغناء و تقوية المدرسة الجديدة في القانون الدولي ضدا على المدرسة التقليدية العتيقة التي لا تزال مفاهيمها سجينة مناخ ما بعد الحرب العالمية الثانية.
المدرسة الجديدة منفتحة على مفاهيم قانونية حديثة و قيم سياسية جديدة قادرة على تحقيق الأمن و الأمان و السلام الإقليمي للشعوب ، و كمثال على ذلك مفهوم تقرير الشعوب لمصيرها، الذي أخذ عند كثير من رواد التوتاليتارية العسكرية أو الثورية مفهوما أحاديا هو مفهوم الاستقلال، تدفع اليوم عدة مناطق من العالم اليوم ثمنا باهظا لسقوطها في حبالها و لغياب اجتهاد فقهي خلال العقود الخمسة الأخيرة. الآن و في زمن العولمة لم يعد ممكنا التسامح مع هذه القراءات التقليدية التي كانت وراء كل الحروب و النزاعات التي يعيشها العالم اليوم.
المدرسة الجديدة للقانون الدولي مدرسة تؤمن بقيم السلام كهدف سام، و تأخذ مبدأ سعادة الناس أكثر من سعادة النخب، و هي فوق كل هذا تؤمن بأن كل شكل من أشكال حكم الناس لأنفسهم و تدبيرهم لأمورهم هو أرقى شكل لتقرير المصير إذا كان ذلك سيؤمن الأمن البشري و السعادة للناس دون الدفع إلى حلول من شأنها إفقار الحضارات ، و خلق إختلالات في توازنات الإيكولوجية السياسية.
في الندوة الدولية التي نظمتها أخيرا جامعة القاضي عياض و الكلية المتعددة التخصصات بآسفي حول الصحراء، عرضت مفاهيم جديدة مثل مفهوم الأيكولوجيا السياسية، و مفهوم الدولة -الشبكة Networking State هل لك أن تفصل في هذا الموضوع؟
إن هذه النتائج، هي خلاصة عمل مشترك لعدد من الباحثين الذين انخرطوا في مشاريع علمية انطلقت منذ حوالي ثلاث سنوات، و من نتائج بحوثنا أعرض عليك باقتضاب شديد ثلاثة مفاهيم نعتبرها أساسية لإعادة النظر في تحليل النزاعات الإقليمية.
المفهوم الأول، هو التضارب بين الانفصال و التنوع الحضاري في فهمنا، نرى أن مفهوم الانفصال هو مفهوم شوفيني، لا تتبناه إلا العقول التوتاليتارية العنصرية الأحادية التي لا تستطيع التعايش داخل بنية غنية بالتنوع و الاختلاف. وهو بهذا المعنى - أي الانفصال- يفقر الحضارات غناها و تنوعها الثقافي، وهو ما يشكل جريمة في حق الإنسانية التي بنت لمئات آلاف السنوات حضارات غنية و متنوعة في أجناسها و ثقافاتها و عاداتها و قيمتها داخل هوية واحدة واسعة و رحبة.
دعني أضرب مثال تيمور الشرقية، التي استقلت، و فرحت جماعة خوزيه راموس هورتا وكارلوس فيليب اكسيمنس ، لكن التيموريين أصبحت ظروف عيشهم أقبح مما كان، زاد العنف و الفساد، و انعدم الأمن، وفوق هذا ساد شعور بضعف الهوية. من الجانب الآخر، و من منظور الإستراتيجية الحضارية، كان استقلال تيمور إفقارا للحضارة الإندونيسية التي كانت تجسد نموذجا للتنوع و التعايش داخل النسيج الأسيوي.
خلال زيارتي الأخيرة لإندونيسيا و لأقاليمها المتعددة، سادني شعور بالحزن و أنا أرى كيف أن خطأ الاستقلال بدأت عدواه تنتشر نحو مجموعات أخرى كما هو الشأن عند بعض الحركات التي تدعي الحديث باسم إقليم بابوا غينيا، و إذا ما تم وقف هذا النزيف، فإن العدوى قد تنتشر لتصيب مجموعات بشرية أخرى من مكونات الشعب الإندونيسي و ربما تنقل بعد ذلك إلى دول أخرى، و هو ما يعني دخول منطقة جنوب شرق أسيا إلى مسلسل الانهيار لا قدر الله.
كان الانتربولوجي الأمريكي الراحل كليفورد غيرتس Clifford Geertz قد كتب قبل عقود كتابه الرائع الإسلام تحت المجهر Observed Islam حيث اعتبر إندونيسيا و المغرب نموذجان فريدان للتسامح و التعايش بين قيم الحداثة و التقليد، في تناغم تتماسك فيه مقومات التنوع البشري و اللغوي و الطبيعي. وأذكر أنه خلال إقامتي بمعهد الدراسات الدولية بجامعة برنستن، زرته عدة مرات بمعهد الدراسات المتقدمة بنفس الفترة، و لم يكن غيرتس سعيدا بمشروع استقلال تيمور الشرقية. و لعل وفاءنا لهذا العالم سيجعلنا نخفف عليه شقاء وعيه بالدفاع عن عمق و تنوع الحضارة المغربية والتصدي لأي مشروع انفصالي مفقر للتنوع ومستنزف للغنى الحضاري للحوض الأبيض المتوسط.
المفهوم الثاني، يرتبط بأنماط الدول، حيث توصلت نتائج بحوثنا إلى أن هناك في العالم أربعة أنواع من الدول: دول تاريخية- محورية Networking States، و دول-قطرية Nation-State، و دول فاشلة Failed State و دول منهارة Collapsed state
الدولة المحورية هي دولة قطرية، لكنها تضم بداخلها عصب و مركز علاقات قبلية و اقتصادية و لغوية تمتد و تترابط مع شعوب المناطق المحيطة بها. و من تم يكون استقرار الدولة المحورية ناظما للأمن و الاستقرار الإقليمي كما يمكن أن يكون اضطرابها سببا في خلق اختلالات إقليمية واسعة من حولها. من بين هذه الدول نجد الصين، و تركيا و المغرب و البرازيل و الولايات المتحدة. و على هذا الأساس فإن دفاعنا عن استقرار المغرب، هو دفاع عن الاستقرار الإقليمي لكل القارة الإفريقية.
أما المفهوم الثالث، فهو مفهوم توازن الأيكولوجيا السياسية، و كما هو شأن الدراسات حول الأيكولوجيا الطبيعية التي تدافع عن التوازن بين الإنسان و الطبيعة، على اعتبار أن ذلك يمثل مظهراً من أبرز مظاهر العناية بسلامة الإنسان وحماية الطبيعة، والحرص على نظام الحياة وسعادة النوع البشري واستمرار وجوده على هذه الأرض، ذلك لأن سلامة النوع البشري وما تعايش معه من مخلوقات حية، أو ذات علاقة بها كالتربة والماء والهواء هي منوطة بحمايتها من التلوث والتخريب. على نفس النسق، تجسد نظرية الأيكولوجيا السياسية، تصورا يستند على أهمية التوازن بين مقومات الأرض و مقومات المجموعات البشرية التي تعيش عليها. ولعل من أهم خلاصات هذه النظرية انتقادها إلى الاهتمام الشعبوي بحقوق الناس على حساب الأرض و المقومات السوسيو تاريخية. لأن المجموعات البشرية دون النظم المنظمة للرقعة الترابية، يفقدان مقوم الاجتماع الحضاري الذي تحدث عنه ابن خلدون و يدخلها في دائرة الفكر المتوحش الذي تحدث عنه كلود ليفي ستراوس.
على هذا الأساس، و إذا أردنا مقاربة ملف الأقاليم الصحراوية على هذا الأساس، فإننا نجد أن الروابط التاريخية و التجارية و الحضارية و القرابية بين الصحراويين و الأقاليم الصحراوية تأخذ شكلها داخل النسيج الوطني العام للمغرب الأقصى و ليس خارجه. و من تم فإن أية مقاربة تحاول اقتطاع الإقليم عن سياقه العام أو تحاول وضع الصحراويين خارج النسيج العام لتاريخهم و عمقهم الحضاري كفاعلين في بناء الحضارة المغربية منذ عشرات القرون، فإنها مقاربة شوفينية سياسيا و مظللة إيديولوجيا، و متوحشة بمقاييس الأنتربولوجيا
تحدثتم أيضا عن دور مشروع الحكم الذاتي في تحقيق مقومات أمن بشري نموذجي بالأقاليم الصحراوية، كيف ذلك؟
الأمن البشري في تعريفنا هو مفهوم يجمع بين مقومات التنمية و الشعور بالسعادة، و الأمان و الأمن. ومن تم فهو يشمل حماية الممتلكات، و النفس و الجسد و الصحة و التعليم و الرزق. و لتحقيق ذلك، طورت نظرية السعادة في التحليل الاقتصادي Theory of Happiness مؤشر المشاركة في التنمية كعنصر من عناصر الشعور بالرضى الذاتي على ما يتحقق على أرض الواقع Community Self Satisfaction . و بقياسنا للتطور التنموي الذي شهدته الأقاليم الجنوبية نجد أن مؤشرات الأمن البشري قد ارتفعت من 2 في المائة عام 1980 لتصل إلى 59 في المائة. في حين لا تتجاوز هذه النسبة 43 في المائة في باقي ربوع المملكة. في فرنسا لا يتجاوز المعدل العام للأمن البشري معدل 30 في المائة.
الأمن البشري يختلف في قياسه عن التنمية البشرية بتركيزه على التوازن بين الشعور بالأمن ( كحالة مادية) و الأمان ( كحالة نفسية و شعورية).
أما إذا أردنا العودة إلى مؤشرات التنمية البشرية، فإننا سنجد أن التطور الحاصل بمختلف أقاليمنا الجنوبية هو إيجابي جدا، و يدعو إلى الرضى عما تحقق خلال العقود الثلاثة، سواء في قطاع التجهيزات أو الخدمات أو التعليم أو الصحة أو سوق العمل. و ربما يكفي أن نشير إلى بعض هذه المؤشرات في قطاع الصحة، حيث ارتفع عدد المستشفيات بمدينة العيون مثلا من مستشفى واحد بقدرة استيعابية ل114 سرير إلى خمس مستشفيات تصل قدرتها الاستيعابية إلى (530 سريرا) مستشفيان بالعيون بقدرة استيعابية ، و مستشفى بوادي الذهب بقدرة استيعابية تصل إلى 53 سريرا ، وآخر ببوجدور ( 36 سريرا) و مستشفى بالسمارة بقدرة تصل إلى 67 سريرا، هذا طبعا بالإضافة إلى المراكز الصحية الأساسية و العيادات الخاصة.
أما عن القدرات البشرية الطبية، فقد ارتفعت من 10 أطباء عام 1970 من ضمنهم أخصائي واحد وطاقم طبي مساعد يقدر بحوالي 132 ممرضا لتصل إلى 176 طبيبا من بينهم 39 أخصائيا و صيدليين و ثلاثة جراحين و طاقم طبي مساعد 639 ممرضا و أربعة مهندسيين طبيين و 351 موظفا إداريا مختصا في القطاع الصحي.
و لعل هذا التطور يلعب دورا أساسيا في توفير شروط العيش الكريم للمواطنين بالأقاليم الصحراوية كما يمنحهم الشعور بالأمان الذي يعتبر المؤشر الشعوري المركزي في قياس مدى تطور الأمن البشري أم لا. و نجد اليوم كيف أن معدل وفيات الأطفال قد انخفض بالأقاليم الجنوبية إلى 30 في الألف مقابل 40 في الألف بباقي جهات المملكة.
هذه أرقام تفيد أن مسيرة البناء الديمقراطي بالأقاليم الجنوبية تبدأ بالعناية بالإنسان أولا، وهو في رأينا مظهر إيجابي جدا .
هناك مظاهر أخرى لم نشر إليها، خاصة تطور العمل الجمعوي، و ارتفاع عدد الجمعيات إلى أكثر من 500 جمعية أهلية تتنوع مجالات تدخلها بين الثقافة و التنمية و الرياضة و الفن و العمل في المجال البيئي و الصحي.
و طبعا في حال تنفيذ مشروع الحكم الذاتي، ستسهل هذه المنجزات أداء المجتمع الصحراوي لأدواره على اعتبار الخبرات التي راكمها أبناء الأقاليم الجنوبية خلال العقود الثلاثة ستساعدهم في تدبير شؤونهم داخل الهياكل الاقتصادية و الإدارية التي يسير عليها مشروع الحكم الذاتي الموسع.
و ماذا عن شروط الأمن البشري في مخيمات تندوف ؟
للأسف يصعب الحديث عن أدنى شروط الأمن البشري بمخيمات تندوف، لأننا و إن كنا نسمي المجموعات الصحراوية باللاجئين داخل المخيمات، إلا أنهم في الواقع مواطنون محتجزون، يخضعون لرقابة شبه عسكرية من طرف مليشيات البوليساريو. الخوف، و التستر، و القلق، و الجوع، و الحرمان هي مظاهر الحياة بالمخيمات، و الجزائر كدولة مضيفة للمخيمات، لا تحترم المواثيق الدولية الصريحة. في هذا الباب دعا المشاركون في الدورة التدريبية حول آليات حماية المرأة والطفل اللاجئ الى توفير أماكن ايواء لائقة للاجئين وايلائهم العناية الصحية والنفسية وتمكينهم من ممارسة حياتهم الطبيعية لحين اعادتهم الى بلدانهم الاصلية.
واعتبر المشاركون في الدورة التي نظمها المركز الوطني لحقوق الانسان بالتعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ان المواثيق الدولية والعهود المتعلقة بحقوق الانسان وفرت للاجئين حماية قانونية مناسبة في الدول المستضيفة من شأنها تحسين احوال اللاجئين وتوفير حياة كريمة لهم.
فالبند 12 من اتفاقية 1951 لحماية اللاجئين صريح بنصه على أن :
1 . تخضع أحوال اللاجئ الشخصية لقانون بلد موطنه، أو لقانون بلد إقامته إذا لم يكن له موطن.
2 . تحترم الدولة المتعاقدة حقوق اللاجئ المكتسبة والناجمة عن أحواله الشخصية، ولاسيما الحقوق المرتبطة بالزواج، على أن يخضع ذلك عند الاقتضاء لاستكمال الشكليات المنصوص عليها في قوانين تلك الدولة، ولكن شريطة أن يكون الحق المعني واحدا من الحقوق التي كان سيعترف بها تشريع الدولة المذكورة لو لم يصبح صاحبه لاجئا.
ثم نجد المادة 16 من نفس الاتفاقية صريحة بدعوتها إلى أن يكون لكل لاجئ، على أراضي جميع الدول المتعاقدة، حق التقاضي الحر أمام المحاكم.
و أن يتمتع كل لاجئ، في الدولة المتعاقدة محل إقامته المعتادة، بنفس المعاملة التي يتمتع بها المواطن من حيث حق التقاضي أمام المحاكم، بما في ذلك المساعدة القضائية، والإعفاء من ضمان أداء المحكوم به.
لكن الجزائر بتواطئها مع البوليساريو لا تلتزم بمقتضيات استضافة اللاجئين، و تترك للمليشيات حرية قهر و حرمان الصحراويين المحتجزين بتندوف ، و لذلك ترتفع الأصوات اليوم بممارسة الضغط على الجزائر من أجل الالتزام بمقتضيات الاتفاقيات الدولية، أو في حال استمرارها على الوضع الحالي، يجب على المفوضية السامية للاجئين نقل المحتجزين بمخيمات تندوف إلى بلد مضيف أخر.
المشكلة الثانية التي تكمن في انعدام الضمانات بأن المساعدات المالية التي تمنحها المنظمات الإنسانية تصل إلى المخيمات. وقد توقعت عدة دراسات محايدة أن حوالي 76 في المائة من المساعدات الدولية الموجهة توفير الغذاء و الأدوية و الأغطية و غير ذلك من الاحتياجات الضرورية، تصرف من طرف مليشيات البوليساريو على الأسلحة أو تحول لحساباتهم الخاصة. و هو أمر تدينه كل المواثيق الدولية.
بل إن دراسات أخرى، تذهب إلى أن عدم رغبة البوليساريو و حلفائهم من جنرالات الجزائر التوصل إلى حل لقضية الصحراء، سببه هو رغبتهم في بقاء الأمر على ما هو عليه، لأن في ذلك مصدرا لاغتنائهم .
أستاذ الجامعات و المدير التنفيذي للمركز الياباني للدراسات المغربية باليابان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.