تفكيك خلية إرهابية موالية لتنظيم 'داعش' بالساحل في إطار العمليات الأمنية المشتركة بين الأجهزة المغربية والاسبانية    صفعات الجزائر وصنيعتها تتوالى.. بنما تعلق علاقاتها الدبلوماسية مع "جمهورية البوليساريو" الوهمية    رئيس مجلس النواب.. كفالة حقوق النساء والرفع من تواجدهن في مراكز القرار التمثيلي والتنفيذي أحد معالم 25 سنة من حكم الملك    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني شي جين بينغ في زيارة تاريخية للمغرب    تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    الأحمر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء        تراجع معدل التصخم في المغرب إلى 0.7%    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    دفاع الناصيري يفجرها في جلسة المحاكمة: هل تخشون هروب "إسكوبار الصحراء" لذلك رفضتم حضوره؟    انهيار سقف مبنى يرسل 5 أشخاص لمستعجلات فاس    مكناس.. رصاص تحذيري يوقف شخص متلبس ب"السرقة" رفض الامتثال    استئنافية طنجة توزع 12 سنة على القاصرين المتهمين في قضية "فتاة الكورنيش"    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !        كيوسك الجمعة | إيطاليا تبسط إجراءات استقدام العمالة من المغرب    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء    أنفوغرافيك | صناعة محلية أو مستوردة.. المغرب جنة الأسعار الباهضة للأدوية    توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة    السلطات الجزائرية توقف الكاتب بوعلام صنصال إثر تصريحات تمس بالوحدة الترابية لبلده    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهجرة قانون فلسفي واجتماعي ومنطلق التطور الحضاري
نشر في السند يوم 07 - 12 - 2010

الهجرة ليست كما يفهمها سائر المسلمين مجرد حادثة تاريخية أو هي متجلية في جماعة من الصحابة قاموا بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة من مكة إلى الحبشة أومن مكة إلى المدينة. وإنما الهجرة في بعدها التاريخي هي عبارة عن انتقال الأقوام البدائية أو شبه المتحضرة من منطقة إلى أخرى على إثر عوامل طبيعية وجغرافية أو سياسية.
ومن خلال مراقبة أسلوب القرآن الكريم في التحدث عن الهجرة ندرك أن الهجرة هي قانون فلسفي واجتماعي عميق وبمراجعة التاريخ نعلم أنها قانون اجتماعي عظيم وعامل مهم من عوامل التطور والتمدن طوال التاريخ. فمجموع المدنيات السبع والعشرين في التاريخ كلها وليدة هجرات تمت من قبل. ولا يوجد استثناء واحد لهذه القاعدة.
ومن هذه الناحية لا توجد قبيلة واحدة كانت بدائية ثم تمكنت صدفة أن تتحضر وتغيرت ثقافتها وأوجدت ثقافة جديدة متقدمة من دون أن تتحرك وتهاجر من أرضها إلى أرض أخرى. فكل الحضارات في العالم سواء منها الحديثة كالحضارة الأمريكية.
أوأقدم الحضارات كالحضارة السومرية. إنما وجدت عن طريق الهجرات.( انظر فاضل رسول، هكذا تكلم شريعتي)
ولهذا لا نستغرب لقوله الله تعالى: ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين.......) ( وامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه) ( إن الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) وقد أمرنا أن نضرب في الأرض.
وصدق الله العظيم الذي قال: ( ومن يهاجر في سبيل الله يجد مراغما كثيرا وسعة) قال قتادة: متحولا من الضلالة إلى الهداية ومن العيلة إلى الغنى..ولا تحضر بدون اقتصاد.
وقال السدي: مبتغى للمعيشة.( النهج التربوي ج2 منير الغضبان ص 69)
1- الهجرة إلى الحبشة:
عرف المسلمون هجرتين إلى الحبشة كانت الأولى في شهر رجب من السنة الخامسة من البعثة وكان عدد المهاجرين عشرة رجال وأربعة نسوة. وقد عاد الفوج المهاجر إلى مكة في شهر شوال من نفس العام وسبب ذلك سماعهم بخبر كاذب مفاده أن أهل مكة أسلموا ( وسنعود لهذا الرجوع لنفهم أبعاده)
ثم الهجرة الثانية والتي كانت بسبب اشتداد الضغط على المسلمين وقد كان عدد المهاجرين فيها 3 أو 82 رجلا و 18 امرأة. وقد رجع قسم منهم إلى مكة وكانوا 33 رجلا وذلك عند سماعهم بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة. وقد هاجروا منها إلى المدينة. بعد أن حبس بعضهم بمكة ومات اثنان منهم فيها. وأما بقية المهاجرين فقد استمروا على إقامتهم في الحبشة حتى عادوا منها إلى المدينة مباشرة في العام السابع من الهجرة وعلى رأسهم جعفر بن أبي طالب.
2- أسباب الهجرة:
قال ابن إسحاق: "فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية – بمكانه من الله ومن عمه أبي طالب – وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء. قال لهم: " لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه".فخرج عندئذ المسلمون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة الفتنة، وفرارا إلى الله بدينهم. فكانت أول هجرة في الإسلام.
وليس من خلاف في أن هذه الهجرة كانت بسبب الظلم الذي وقع على المسلمين. قال الله تعالى: ( والذين هاجروا في الله من بعدما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة. ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون. الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون) النحل مكية.
إذن الهجرة في الله إنما كانت بعد الظلم الذي وقع على المهاجرين كما أن الله تعالى بشر بعنايته للمهاجرين وبتبوئهم مبوؤا حسنا. ونوه بما كان من صبرهم واعتمادهم على الله. بما يدل على أنهم لم يهاجروا لمجرد النجاة بأنفسهم. فلو كان الأمر كذلك لهاجر أقل الناس جاها وقوة ومنعة. إن الأمر كان عكس ذلك، فالموالي المستضعفون الذين كان ينصب عليهم معظم الاضطهاد والتعذيب والفتنة لم يهاجروا وإنما هاجر رجال ذوو عصبيات لهم من عصبياتهم القبلية ما يحميهم من الأذى، ويحميهم من الفتنة. وكان عدد القرشيين يشكل الأغلبية منهم جعفر، وفتيان بني هاشم، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو سلمة، وعثمان ورقية وغيرهم .
وهاجرت نساء هن من أشرف بيوتات مكة ما كان الأذى لينالهن أبدا مثل حبيبة بنت أبي سفيان زعيم الجاهلية وأكبر المتصدين لحرب العقيدة الجديدة. لماذا إذن هاجر أبناء قريش والأسياد أبناء الأسياد ولم يهاجر الفقراء؟. عندما نقرأ أسماء المهاجرين إلى الحبشة لا نجد بلالا ولا صهيبا ولا خبابا وهناك شك في هجرة عمار والأرجح أنه لم يهاجر. إن هؤلاء الصحابة لم يهاجروا وهم أحوج الناس إلى الفرار بدينهم من غيرهم لانعدام من يحميهم.
إنها مسألة تتطلب فعلا أن نتوقف عندها:
- إن الهجرة كانت توطئة نفسية وعملية تدريبية لأبناء مكة على مغادرة الوطن: الأمر الذي كانوا بحاجة إلى التدرب عليه. بينما لم يكن لؤولائك الموالي حاجة لذلك لأنهم ليسوا أهل مكة. ويؤيد ذلك أن المهاجرين في الهجرة الأولى رجعوا لمجرد خبر كاذب. وما ذاك إلا لرغبتهم في الرجوع إلى وطنهم. ولأن الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤثر في سلوكهم ونفسياتهم أمران:
1- الارتباط بالقوم ممثلا بالعشيرة والقبيلة.
2- الارتباط بالأرض.
وهما أمران يزاحمان في النفس معاني التوحيد وكان لابد من التخلص من ذلك عمليا وليس قولا.
فكان إعلان الإيمان تخلصا من العصبية القبلية. ولذلك نعلم أن رسول اللهى صلى الله عليه وسلم عندما قال لعمه: يا عماه قل لا إلاه إلا الله أشهد لك بها عند ربي"فإنها ولو أنها مجرد كلمة صغيرة ويمكن قولها حتى من باب المغامرة والمقامرة.. ولكنه لم يستطع قولها لأنه كان يعلم معناها ومعنى أبعادها وأنه بمجرد قولها فهو سيضرب عرض الحائط كل الأصنام والأوثان وكل الأعراف والتقاليد والعصبية ...
أما الارتباط بالأرض فقد كانت مكة أم القرى. وكانت العاصمة الدينية للعرب قاطبة. وكان موسم الحج كل عام يؤكد هذه المكانة..إذن فقد تحول الارتباط بهذه الأرض إلى مزايا نفسية واجتماعية جعلت سكانها أكثر ارتباطا بها.
فكانت الهجرة هي التطبيق العملي لأولوية العقيدة وترك الأرض بكل ما تعنيه من مصالح وارتباطات في سبيلها.
3- خلاصات من الهجرة الأولى:
الخلاصة الأولى:
إذن فالهجرة هي المحك لمدى تحكم الفرد بعامل العاطفة التي تكبر بارتوائها بحلاوة التقارب من الأهل والأحباب والتمسك بتراب الوطن.
فهذا الحب والحنان للأهل والأوطان هو واحد من عوامل الشد القوية للأفراد للحياة الدنيا وقد قال الله تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث..) كما يتحدد هذا المعنى حتى من خلال مفهوم إرسال الرسل الذي يعني تحريرهم من كل العوامل التي تشدهم للأرض بكل ما تعنيه من جاه ومال وسلطة ونساء وغيرها.. فهي غريزة إنسانية لكن تعامل معها الإسلام فحولها من حالتها السلبية كقوة شد إلى الأرض والواقع تمنع الفرد من الدخول إلى ساحات الجهاد في سبيل الله. إلى قوة دفع إيجابية تضاف حصيلتها إأى القوة الإيمانية الدافعة والإصرار للمؤمن على نشر مبادئه.
الخلاصة الثانية:
والهجرة عملية كشف حقيقية عن نوازع الأفراد. وتوجه كل فرد منهم ومدى عمق فهمه وإخلاصه لدينه. وهي فرصة ذهبية لمعرفة بعضهم البعض...والعملية هذه عندما تختلف المستويات تؤدي إلى رفع الأفراد إلى نفس المستوى من هم التغيير.(...)
الخلاصة الثالثة:
لماذا الهجرة إلى الحبشة بالضبط والأولى أن تكون عربية حتى يفهم المهاجرون لغتهم ويتواصلوا معهم ويشرحوا رسالتهم:
إن القيادة الحكيمة قد اختارت الحبشة دون أي قبيلة أخرى لثلاث أسباب هي :
1- وجود العدل
2- عدم وجود أي سلطة لقريش عليها
3- هم أهل كتاب ولنا معهم قواسم مشتركة أي ليسوا لا وثنيين ولا عباد أصنام
الخلاصة الرابعة:
إن عملية الاستشعار بالفراغ الذي تتركه المجموعة المهاجرة في المجتمع هو أسلوب نفسي خطير له أبعاده المتعددة، منها أنه يترك هواجس مختلفة بين الناس تتراوح بين الحقد على الظالم والكراهية للوضع الراهن، وبين العطف على المهاجرين والتهيء النفسي لقبول آرائهم وتأييد الفكرة الجديدة. فتفتح باب الاستذكار والأسئلة.
ففلسفة الهجرة تنبثق من كونها تحول باب كل مهاجر إلى بوق إعلامي: فأسئلة المارين على البيت المهجور لا تتعدى هذه: لماذا هاجر؟ ماذا كان يريد؟ ما الذي أزعجه ومن؟ كيف يعيش في الهجرة؟ وكيف كان يعيش هنا؟ إلى أين هاجر ومتى سيعود؟ وكم عدد المهاجرين؟
وعندما يتساءل الناس يجيب بعضهم بعضا وتصحح المفاهيم وتنتشر الفكرة لوحدها.
إنها أسئلة تحمل فلسفة الهجرة من ألفها إلى يائها. ففلسفة الهجرة تنبع من كونها برنامجا إعلاميا وسياسيا وفكريا لتحريك النوازع النفسية في المجتمع وجعل الأفراد يطالبون بأنفسهم لفهم الهدف والغاية التي من أجلها هاجر الفرد. وهي حالة لو بقي فيها أفراد المجتمع عشرات السنين على ما هم عليه لما تم تفاعل المجتمع معهم بنفس التفاعل وهم يهاجرون. فهي تجعل أذهان الأفراد شبه أوعية مفتوحة لتقبل أي معلومات تصدر عن المهاجرين. فهي إذن ليست تهربا من وضع فاسد أو تعذيب في غياهب السجون بل هي الحركة الانتقالية للمجموعة المسلمة التي تؤدي إلى حركة فكرية في المجتمع. فهذه الفلسفة العظيمة عندما أدركتها قريش خافت ومنعت ما جاء بعدها من هجرات.
الخلاصة الخامسة:
استنتاج2:
ففضلا عن كون الهجرة إلى الحبشة هي تهيئ وتدريب للأفراد على التضحية بالأرض والأهل والجوار من أجل العقيدة تمهيدا للهجرة الكبرى إلى يثرب فإنها كذلك عبارة عن احتياط قاعدة وذخيرة يدخرها رسول الله صلى الله عليه وسلم تحسبا لسقوط يثرب. ولقد بقيت يثرب معرضة لاجتياح كاسح من قريش خمس سنوات وكان آخر هذا الهجوم والاجتياح في الخندق حيث قدم عشرة آلاف مقاتل لاستئصال شوكة المسلمين هناك. وبعد رد الكافرين بغيضهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الآن نحن نغزوهم ولا يغزونا نحن نسير إليهم"
إذن حين اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما هو في البخاري، إلى أن المدينة قد أصبحت قاعدة أمينة للمسلمين وانتهى خطر اجتياحها من المشركين، عندئذ بعث في طلب المهاجرين من الحبشة ولم يعد تمة ضرورة لهذه القاعدة الاحتياطية التي كان من الممكن أن يلجأ إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم لو سقطت يثرب في يد العدو. إنه الفقه السياسي الأعظم والتخطيط النبوي القيادي الأعمق من الرسول صلى الله عليه وسلم. وهو يمضي في بناء دولة الإسلام وحماية العقيدة.
وفعلا وصل المهاجرون من الحبشة إلى المدينة فوجدوا الرسول صلى الله عليه وسلم في خيبر وقد فتحها فقال كلمته المشهورة " ما أدري بأيهما أنا أسر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر"
الخلاصة السادسة:
إن الهجرة لهذه لأرض النائية والمعيشة بين قوم غير قومهم يتكلمون بلغة غير لغتهم ولهم عادات وتقاليد ودين غير عاداتهم ودينهم وتقاليدهم هي أشق على النفس وأقسى على الروح . فما لم يكن جنود الحركة الإسلامية على المستوى المذكور من الإيمان والثبات والصمود فلن تنجح القيادة في تنفيذ خططها ومخططاتها أو تنزيل برامجها .
الخلاصة السابعة:
إنه لابد أن يتربى الأفراد على أن تكون عقيدتهم أغلى عليهم من كل شيء في حياتهم وأن يكون ارتباطهم بدينهم أقوى من أية رابطة أخرى من أهل أو زوج أوعشيرة أو أرض أو مال أو وطن أ و مصلحة..
تلخيص:
1- العقيدة أولى من الأهل والأحبة والوطن
2- 2- احتكاك الضعيف بالقوي يؤدي حتما إلى القوة والتكوين وبالتالي إلى تقارب المستويات .
3- انتقاء الحبشة انتقاء حكيم لوجود العدل وعدم سلطة قريش وللقواسم المشتركة بين النصرانية والإسلام.
4- الهجرة برنامج إعلامي وسياسي وفكري لتحريك النوازع النفسية في المجتمع
5- الهجرة عبارة عن قاعدة عسكرية وسياسية تحسبا لسقوط يثرب
6- كي تنجح القيادة في إنزال مخططاتها لابد من جنود ذوي كفاءات عالية. وعلى مستوى عال من الإيمان والثبات والصمود
7- يجب أن يكون الارتباط بالدين أقوى من أهل وزوج وولد ومال أو مصلحة أو وطن .
4- الهجرة إلى المدينة:
لقد مثل أبو طال لرسول الله صلى الله عليه وسلم سندا مهما في الحماية والرعاية وكانت خديجة السند الآخر الذي يخفف عنه الآلام والأحزان. وكانت جرأة المشركين عليه صلى الله عليه وسلم بعد وفاتهما كبيرة حتى نثروا التراب فوق وجهه الشريف...وهذا ما يوضحه قوله عليه السلام:" ما نالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب"
كانت القناعة قائمة عنده صلى الله عليه وسلم من قبل أن مكة لن تكون مركزا لانطلاق الدعوة وهذا ما دعاه إلى أن يعرض نفسه على القبائل. وبعد لا جدوائية ذلك وفي صبر ودأب تابع الرسول صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على من حضر موسم الحج وكان من جملة من التقى بهم ستة نفر من الخزرج وهم من موالي اليهود فقبلوا دعوته لسبق علم به من اليهود الذين قالوا لهم: " إن نبيا مبعوثا الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلهم معه قتل عاد وإرم" فقالوا لبعضهم يا قوم إنه النبي الذي توعدتكم به يهود فلا يسبقنكم إليه.
وبعد أن رجعوا دعوا أهاليهم إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا فيها ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم . وخلال عام آخر كانت يثرب تستعد لما أنيط بها من مهام. وقد انتشر الإسلام فيها. وأسلم كبار القوم ولم يأت الموسم حتى كان الخارجون إليه أزيد من السبعين.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم قام بإعداد المهاجرين لأن الهجرة لم تكن رحلة أو نزهة بل تدريب.
تناول القرآن المكي التنويه بالهجرة ولفت النظر إلى أن أرض الله واسعة فقد جاء في صورة الزمر ( قل ياعبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)
إعداد الأنصار:
كان لابد من إعداد المكان المهاجر إليه بما لا يقل عن الإعداد الأول
- اليهود وما لعبوه من دور التهيئة النفسية لهم
- - ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسارع بالانتقال إليهم من الأيام الأولى وإنما أخر ذلك لأكثر من عامين حتى تأكد نسبيا من وجود القاعدة الواسعة. فقد تأكد استعداد الأنصار بطلبهم هجرة الرسول إليهم، ولم يكن هذا كافيا ولهذا تمت بيعة العقبة والاستيثاق بأوثق المواثيق على أنفسهم. وقدموا برهانا أمام رسول الله وذلك بإرادتهم الميل على أهل منى بسيوفهم لأنهم آذوا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لهم: " لم أومر بذلك"
- حينها بعث لهم مصعبا ليعلمهم القرآن.
- وبدأت الهجرة ولكنها لم تأخذ مداها الواسع إلا بعد بيعة العقبة.
- حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بالهجرة لإخوانهم في المدينة قال: " إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها" وخرج المسلمون أرسالا وخرج عمر في عشرين نفرا وخرج كل قادر ممن لم يحبس أو يمنع من الخروج. قال ابن إسحاق: وتلاحق المهاجرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبقى إلا مفتون أو محبوس.
وظلت المدينة فاتحة أبوابها ثماني سنوات تستقبل المهاجرين إلى أن فتحت مكة فأمر كل من أسلم أن يبقى في بلده قال الله تعالى: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين هادوا والذين آووا ونصروا أولائك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ) الأنفال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.