ربما بسبب التعود او بسبب تأثير نوع معين من القراءات أميل في بعض الأحيان الى النظر الى المواد الفكاهية من زاوية رمزية، او أبحث عن معنى خفي، قد لا يكون مقصوداً، معنى ما غير موجود إلا في رأسي ربما، ولأبدأ بهذه النكتة مثلاً، حيث تقول ان راهباً كان يتعبد في الصحراء، وكان على هذه الحال يمضي الأيام والليالي حتى ظهر أمامه ذات يوم أسد عظيم الجثة، ارتعب الراهب وظن لا محالة ان الأسد آكله، فما كان منه إلا التوجه الى الله، فاستقبل القبلة وقام يصلي. وهنا تقدم الأسد منه ووقف بجواره ثم بدأ بالصلاة والسجود كما يفعل الراهب. تعجب الراهب من فعل الأسد وقال له: بلله اني خايف منك تاكلني وجاي اصلي بلكي الله يخلصني منك، انته ليش تصلي؟ أجاب الأسد قائلاً: لا.. ماكو شي... بس اني متعود أصلي قبل الأكل. الأسد هنا، يبدو واقعياً ازاء مثالية الراهب، ان الصلاة عنده جزء من يومياته، بينما هي عند الراهب الحل الوحيد للمشكلة. طبعاً كلاهما يتمتع بروح الدعابة، فالراهب لديه، مع حالة الرعب، وقت كافٍ لسؤال الأسد عن سلوكه، والأسد لا يبخل عليه بالتفسير. يمكن ان ننظر الى الأسد على أنه رمز للقوى التي لا راد لها، مثل العولمة في عصرنا، او الرأسمالية العالمية وكارتلاتها الكبرى، ويمكن ان يكون الراهب في هذه الحكاية الفكاهية رمزاً لحالتنا التي تتوسل بالسماء لدرء مخاطر الأرض، من دون ان تتخذ، مع هذا التوسل، الوسائل الواقعية لحل أزماتها. (اشطح) بالتفسير والتأويل بشكل مجاني، من أجل متعة ذهنية ربما، فهذا لن يغير من روحية النكتة أصلاً ولا ينبه الى شيء كانت تقصده أكثر من الاضحاك. في سلسلة رسوم كارتونية قصيرة بثت على اليوتيوب، تواجه حبة برتقال مجموعة من المواقف المضحكة داخل المطبخ. فهي على الرغم من معرفتها بأنها مأكولة لا محالة، إلا انها تتعامل مع مصيرها بمستوى عالٍ من المرح. تمتد يد بشرية وتضع تفاحة على الطاولة المجاورة، تبدو التفاحة ضجرة ويائسة، وتسعى البرتقالة الى اللعب معها وحثها على الضحك والمرح، يتطور الموضوع وتبقى البرتقالة على الحاحها، ولكن التفاحة ترد بعصبية طالبة منها السكوت. الى ان تأتي سكين باشطة تقطع التفاحة الى قطع صغيرة وتأخذها في صحن. وتراقب البرتقالة كل ما يجري للتفاحة بشيء من الدهشة، ولكنها سرعان ما تنسى الموقف لتستأنف الازعاج مع حبة عرموط بجوارها. البرتقالة واقعية لا تفكر إلا بلحظتها الحاضرة وتسعى للاستفادة منها والاستمتاع بها، والتفاحة، كما بدت لي، يائسة وتفكر بالمستقبل والمصير، التفاحة ميتافيزيقة، والبرتقالة عدمية، تغيب النكتة وروح السخرية عن الأولى وتحضر عند الثانية. لن نكون دائماً في موقف البرتقالة العدمي، ولن نكون ايضاً مثل راهب الصحراء. أفكر وانا ألوك هذه القصص الفكاهية في رأسي، مستغرقاً في ذلك الصانع الذي يقف خلفها، وأتساءل في أي الفريقين هو في الحقيقة.