في الجزء الثاني من حوار تنشره "هسبريس" على ثلاث حلقات، يتحدث الصحافي رضوان الرمضاني الذي يشغل حاليا منصب مدير الأخبار بإذاعة "ميد راديو"، عن تجربته في مجلة "نيشان" التي أعلنت إفلاسها قبل أيام ، وعن ملف النكت الذي تسبب في مصادرة عدد المجلة وإتلافه من طرف السلطات. prefix = u1 وقال الرمضاني الذي شغل رئاسة تحرير "نيشان" قبل أن يُقال بسبب رفضه التوقيع على "نداء الحريات"، أنه شعر في وقت ما أن بنشمسي قد غدر به، لكن الجرح اندمل مع توالي الأيام. "نيشان" تعلن إفلاسها، ما تعليقك؟ لا راد لقضاء الله. السؤال الحقيقي هو من أفلس؟ "نيشان" أو خطُها؟ لا أسأل من باب التشفي، إنما هو سؤال علينا أن نطرحه، والإجابة عنه أكبر من رغبة في إنصاف "نيشان" أو التشفي فيها. مثل الكثيرين، استغربت لقرار الإغلاق وتألمت، فهي جزء مني، وأنا كنت جزءا منها، أحببت أم كرهت. بدا لي الأمر، للوهلة الأولى، عاديا، فقد كنت أعلم أن المجلة تعاني مشاكل مادية، خصوصا على مستوى مداخيل الإشهار، إنما ما توقعت يوما، أمام ما أعرفه من تمسك لأحمد بنشمسي بهذه "الابنة"، أن تكون النهاية بهذا الشكل. على كل حال، هي تجربة انتهت، وإن كانت المجلة انتهت على إيقاع الجدل، مثلما بدأت على إيقاع الغموض والجدل، فقد كانت توجها جديدا في المجال الصحافي، من حق الجميع أن ينظر إليه كما شاء، ومن الزاوية التي يشاء، إنما صراحة لم أتقبل التبريرات التي ساقها بنشمسي، "ما فيها باس الإنسان يدير شوية النقد الذاتي"، صحيح ظْلمت أحيانا، إنما أخطأت كثيرا. على كل حال ما علينا إلا أن نذكر موتانا بخير. لنعد لاشتغالك داخل "نيشان"، فبعد انضمامك لطاقمها كصحافي، تم ترقيتك بسرعة إلى منصب رئيس القسم السياسي بالمجلة، ثم إلى رئيسا للتحرير، هل كنت حينها تتوفر على الأركان الخمسة للحداثة على الأقل في رأي بشمسي؟ أنا لم أرق إلى رئيس للقسم السياسي، بل بدأت العمل في نيشان بهذه الصفة، ولا تعتقد أن رئيس القسم السياسي تعني قسما قائما وطاقما مستقلا وغير ذلك، فقد كنا في المجموع ستة أو سبعة، وكانت كل المهمة التي أقوم بها هي أن أشرف على صفحات الأخبار، طبعا إضافة إلى مهامي التحريرية، وهي إنجاز مقالات وملفات غالبا ما تكون ذات صبغة سياسية، فهذا تخصصي بالدرجة الأولى. أما بخصوص أركان الحداثة، فما أعتقد أنها توفرت فيّ يوما، أنا مغربي، وقد أتبنى بعض الأفكار التي قد يراها البعض رجعية. على كل حال، لا يمكنني أن أغير قناعاتي لمجرد أنني أعمل في منبر معين، القناعات الذاتية حرية شخصية، للمسؤول عن المنبر أن يحاسبني على ما أكتب، على ما أنتج، لا على ما أفكر فيه، أو ما أتبناه من أفكار، إنما للأسف بنشمسي الله يذكرو بخير كان أحيانا ميالا إلى أن يمنح صفة الكفاءة أحيانا إلى من يتفق معه، أو يبالغ في إظهار أنه يتفق معه، مع العلم أنه لا ينزع هذه الصفة عمّن اختلف معه، وأنا واحد منهم. أصبحت رئيس تحرير "نيشان" بعد منع العدد 91 من المجلة من النزول للأكشاك بسبب ملف "كيفاش المغاربة كيضحكو على الدين والجنس والسياسة" وما تلى ذلك بعد استقالة مدير النشر والتحرير حينها إدريس كسيكس. بعد مرور كل هذه المدة الزمنية هل تعتقد أن نشر ملف النكت لم يكن بالفعل مستفزا لشعور المغاربة وللمؤسسة الملكية؟ ربما كان كذلك، إنما أنا على يقين أن الهدف لم يكن بحثا عن الاستفزاز أو ما شابه ذلك، كنا نحاول إنجاز ملفات فيها صفات التفرد، واقتناعا بأن الصحافة تعني، في واحد من أشكالها، البحث عن التفرد في الشكل والمضمون، ف"نيشان" كانت تسعى إلى أن تكون كذلك، وقد تمكنت من تحقيق هذا التفرد، واستطاعت أن تشكل توجها في حد ذاته، ولولا هذا "النجاح" لما حاول البعض عبثا تقليدها، بشكل ممسوخ، والأكيد أن حكاية الغراب الذي توهم أنهم طاووس، صرنا نلاحظ استعمالا فجا للدارجة بشكل يثير القرف، استعمال من أجل الاستعمال فحسب، فنشمسي، إن قرر يوما أن تكون "نيشان" بالدارجة، لم يفعل لأنه يود أن يقلد أو ما شابه، وإنما لأنه كان متقنعا بالدارجة "لغة وطنية" كما يسميها، وهنا لنا أن نختلف أو نتفق معه، وشخصيا تحمست في وقت ما لهذا الأمر، إنما انتبهت فيما بعد إلى أن الأمر أعقد من نزوة عابرة، وهذا لا يمنعني من القول إنني أجد متعة رهيبة في الكتابة بالدارجة، إنما أسعى إلى أن أكتب بالدارجة الحقيقية، وليس بدارجة "المفاتيح ديال السيارة فالدرج ديال المكتب" و أعود لأقول إن مغادرتي لنيشان، في الظروف المعلومة، وبالشكل المعلوم، لن يكون سببا لأزعم أنني لم أكن متفقا مع ملف النكت، بل إني إلى حدود الساعة لا أرى مانعا له، بل فقط توصلت إلى قناعة تفيد بأننا زدنا فيه شوية، ويمكن بزاف، حسب التقديرات. تمعن معي جيدا في هذه "النكتة" بعد موت البصري ووصلوه إلى الآخرة، حاول ان يشري الملائكة ليدخل الجنة، لكنه لم يستطع لأن الملائكة جميعهم أكدوا نزاهتهم وأن وسخ الدنيا كيبقا فالدنيا. وهو في طريقه إلى جهنم شاهد الحسن الثاني في الجنة فقال: " والله يتا دايرة الرشوة هنا.." ونكت أخرى تمس في العمق الدين الإسلامي والمؤسسة الملكية؟ كما قلت بنفسك هذه مجرد نكتة، ربما كان من باب مراعاة الواقع ألا تنشر، إنما كان ما كان، والأهم هو أن القصد لم يكن غير إنجاز ملف لا أقل ولا أكثر، إنما لا بأس في أن أقول إننا بالغنا، وتعاملنا باستخفاف، ولكن ليس بسوء نية، ربما كنا ننظر إلى قضايا المغرب من برج عاجي. في رأيك، هل كانت "نيشان" فعلا تستخف بعقول المغاربة وتستبلدهم بنشر العديد من الملفات بشكل سطحي جدا؟ لا يمكن أن أجيب وأقول إنها كانت تستخف بعقول المغاربة، وإلا لحكمت عليها، وعلى نفسي طبعا، بأننا كنا نقصد الاستخفاف، ربما الأمر مرتبط بطبيعة تكوين وتفكير ومبادئ كل واحد من الطاقم الصحافي، كثيرا ما كانت بعض الملفات تنجز انطلاقا من قناعات شخصية لمن ينجزها، وهو أمر نبّهت إليه بعض المرات، وتجرعته مرات أخرى دون رد فعل، إلى أن بلغ السيل الزبى. طيب لنعد إلى فترة رئاستك لمجلة "نيشان" يقال أنك كنت "نكايري" لا تكف عن الصراخ وميزاجي إلى حد لا يطاق؟ نكايري هذا صحيح، ومتهور ربما، وراسي قاصح لا شك في ذلك، وروفيكس بدون شك، إنما ماشي مزاجي أبدا، أنا بالعكس أقدس العمل، وأحاول أن أكون صارما فيه، كنا زملاء لا يفرق بيننا شيء، إنما طبيعة العمل لا ترحم، لم أسع يوما إلى أكون رئيسا للتحرير يأمر بالهاتف ويكتفي بالإشراف الفوقي، بل كنت أصر على قراءة كل ما ينشر في "نيشان"، وفي غالب الأحيان كنت أعيد صياغة مقالات كثيرة لصحافيين أو متعاونين، رغم أنه من المفروض أن يقوموا بذلك بأنفسهم. كنت، وما زلت، قاسيا على نفسي في العمل قبل أن أكون كذلك مع وعلى الآخرين، هذه طريقتي في العمل، بالتأكيد لا ترضي الكثيرين، وهذا حقهم، إنما أنا أؤمن بأن النتيجة هي التي تحكم، أنا ما نليقش نكون شاف ديال البيرو، أنا دمار وأعتز بأن أصف نفسي بذلك، واللي ما عجبوش الحال يدير بحالي، كيف ما قالوا سيادنا اللوالى: كون سبع وكولني. في احد الإجتماعات التي كانت بينك وبين بنشمسي بعد تنامي الخلاف بينكما قلت لهذا الأخير: "أنك لا تريد أن تكون كبحال عباس الفاسي" أي رئيس تحرير بلا صلاحيات، ما حقيقة ما هذا الأمر؟ نعم، حدث هذا في آخر اجتماع بيني وبينه، وقد كان اجتماعا متوترا للغاية، فيه حصلت على الطلاق، كنت أعتقد بأن صفة رئيس تحرير يجب أن تمارس بكل ما تحمله من معاني، لا أن أكون رئيس تحرير "تقني"، أكتفي بالإشراف على المواد، وعلى كل الحال الخلاف لم يكن حول توجه "نيشان"، أو خطها التحريري، فهذا كان أمرا واقعا إما أن أقبله أو أنسحب، إنما حول نداء "الحريات الفردية"، وهذا لا ينفي أن للخلاف جذور في أشياء أخرى كنت أؤاخذ بنشمسي عليها، أحيانا في العلن وغالب الأحيان بيني وبين راسي أو مع الزملاء. بعدما اشتد الخلاف بينك وبنشمسي تم طردك من "نيشان" بسبب رفضك التوقيع على نداء "الحريات الفردية" أو كما قلت حينها أن بنشمسي طردك لأن لا تتوفر على الأركان الخمسة للحداثة، بعد كل هذه المدة أعد لنا شريط ما حدث؟ ما حدث، ومثلما رويته سابقا، أن بنشمسي طلبني إلى مكتبه، ومد إلى نسخة من نداء الحريات الفردية عارضا علي التوقيع عليه، قرأته وقلت: لست متفقا مع ما فيه، سألني: كيف؟ قلت: إنه نداء ناقص، فلو كان تحدث عن المحجبات اللواتي يرفض تشغيلهن بسبب الحجاب لكنت قبلت التوقيع، تقبل موقفي على مضض، وختم اللقاء بقوله: سيكون مثيرا للانتباه أن رئيس تحرير "نيشان" لم يوقع على النداء، وستكون في ذلك إلى جانب السلهامي ونيني، فقلت، ساخرا، الحمد لله ماشي غير بوحدي. يوم صدور عدد "نيشان" سأفاجأ بنص النداء منشورا، يسبقه تقديم يتبنى ما فيه موقع باسم "نيشان"، اعتبرت أن في التوقيع باسم "نيشان"، وليس مدير النشر، إقحام للجميع، وقد بلغته، عبر رسالة هاتفية، أنني أرفض الأمر، وأخبرته بأنني سأغادر والواجب أن نناقش الموضوع، رد علي في رسالة هاتفية، بعد حوالي 24 ساعة تقريبا، يقول فيها ما يفيد أنه لا يقبل الاستقالات عبر الهاتف. سنلتقي الاثنين الموالي، وقد حدث ما حدث مع نهاية الأسبوع، فعبرت له عن مواقفي كلها، وهو ينصت، كما هي عادته، ويحاول أن يجد الإجابات، بالتأكيد لم يكن كلامي مقنعا له. سأقترح عليه أن أعفى من رئاسة التحرير، وأعود إلى موقعي صحافيا مثل باقي الزملاء، إنما سيرفض بشدة، سأقترح عليه حتى مراجعة أجري إلى أسفل ليتلاءم مع وضعي "الجديد/القديم، إنما سيرفض. سنصل إلى مرحلة مناقشة المغادرة، وسيأتي محاميه ليناقش معي مستحقاتي، إنما تمسكت بالمبلغ الذي طلبته، من باب "شد لي نقطع ليك وكبرها تصغار"، في نهاية المطاف سأقول له: اطردني إذن، وسأذهب إلى المحكمة، وسأطالب بدرهم رمزي، إنما كن على يقين أنه إن التقينا فيما بعد لن تجرأ على النظر إلي. الواقع أنني كنت قاسيا معه، وتمنيت لو افترقنا بطريقة أفضل، إنما الله غالب، شعرت بأنني تعرضت لطعنة من الخلف، فكان رد فعلي كذلك. هل تعتبر أن ينشمسي خانك؟ حينها كنت أعتبر الأمر كذلك، إنما مع الأيام الجرح اندمل، ولا أفسر الأمر إلا بأن جوج ريوس ما يتلاقاوش كان خاصهم يتفارقو، وبما أنه هو مول الشي كان له أن يفعل. إنما يظهر لي أننا خرجنا تعادل، مع أنني استفدت أكثر لأنني تعلمت منو بزاف، فهو مهني بشكل لا يوصف، خصوصا على مستوى اختيار المواضيع والصور، وصياغة العناوين، كون غير يتعلمو منو شي ناس. قلت أيضا أن الحريات الفردية تتجاوز الدفاع عن الشواذ الجنسيين؟ لم يكن الأمر بهذه الدقة، إنما السياق الذي جاء فيه نداء الحريات الفردية كان مرتبطا بأحداث القصر الكبير. بعد طردك من "نيشان" رفعت دعوى قضائية وطالبت بتعويض مادي، كم قيمة التعويض الذي حصلت عليه؟ لم يصل الأمر إلى القضاء، إنما إلى مفتش الشغل، وقد كنت متمسكنا بأن أحصل على 15 مليون سنتيم، نظير عدم الزيادة في أجري كرئيس للتحرير شهورا كثيرة، إضافة إلى المستحقات القانونية، في نهاية المطاف تدخل صديق مشترك، قبلنا وساطته، فحصلت على 10 ملايين سنتيم هنا لا بأس أن أذكر بأنه أثناء "المفاوضات" مع بنشمسي على مبلغ التعويض، حاول أن يقتنعني بأقل مما أطلب، فقلت له: عرفتي آش يجيك مليح جري علي وخليني نمشي للمحكمة وغادي نطلب غير درهم رمزي، إنما لن تجرأ على النظر إلي إن التقينا فيما بعد، وهذا يسمى، السي أحمد، يسمى النبل، إنما للأسف انت ما تعرفش هاد الشي. ما حز في نفسي أكثر هو أن زميلتنا سناء العاجي تلقت اتصالا من صديق في النقابة الوطنية للصحافة المغربية مستفسرا ومطالبا بالتضامن معي، فردت عليه بجواب لا يليق لا بالزمالة ولا بالصحافة ولا بما يجمع بينهما، إنما ذاك هو حال الباتول، عزيزة رغم أنها فضولية لا بأس أن أذكر بأن الكثيرين آخذوني لأنني تحدثت إلى وسائل الإعلام، ربما كان معهم حق، إنما طعم الخيانة مر، وبعد ثلاث سنوات تقريبا على ما حدث، أقول لبنشمسي: "نيشان" رحلت، فإن أسأت إليك أعتذر، وإن أسأت إلي لا تعتذر. [email protected]