بعد سنوات من ترك غزة في حصار مكروب، وبعد التخلي عنها في حرب الرصاص الإسرائيلي المصبوب، وبعد أن صارت المقارنة لديكم بين الضفة الغربية التي تصعد اقتصادياً في ظل حكومتكم، وبين غزة التي تموت اقتصادياً في ظل حكومة حماس، وبعد أن تخليتم عن غزة لتعاني من نقص الوقود فترة، ومن نقص الغاز فترة، والسجائر، المواد الغذائية فترة، ومن نقص أساسيات الحياة، ونقص مقومات البقاء، بعد أن تركتم "البطة السوداء" تفتش عن سبل حياتها من خلال الأنفاق، وأهملتم رجالها، وأسقطتم من حسابكم ناسها، وألقيتم ورقتها مع استئناف مفاوضات التقارب حتى دون اشتراط ذلك بفك الحصار عنها، بعد كل ذلك، وبعد أن نمت آمناً في فراش الضفة الغربية، وهجرت غزة لسنوات، وتركتها كالمعلقة؛ فلا أنت من سعى لإرضائها ومصالحتها، ولا أنت من عمل على عتقها من الاشتراطات، بعد هذا النوم الهانئ عن وجع غزة نهنئك على الصحوة، وانتباهك لهدير حريتها، ولموجها المتكسر على رمل الحصار، وأنت تحذر بشدة من اقتصار رفع الحصار عن غزة على فتح معبر رفح البري مع مصر، وفتح ممر بحري على العالم الخارجي، وتضيف إلى صحيفة الحياة اللندنية "أن ذلك يؤدي إلى تكريس انفصال الضفة الغربية عن قطاع غزة! ويحول دون تحقيق إقامة الدولة الفلسطينية على كامل الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس إلى الأبد" أنا معك يا سيد فياض، فيما ذهبت إليه من تحليل سياسي، ولكن؛ ألم تكن تعرف أنت ومن معك في رام الله هذه الحقيقة المؤلمة؟ ألم تكن تعرف من قبل أن لإسرائيل مصالح تسعى لتحقيقها ولا تعير اهتماما لوعود لا تنسجم مع مصالحها؟ وكيف أدركت ذلك متأخراً، وأنت السياسي المهتم، بينما كل متابع للسياسة قد تحقق من الهدف الإسرائيلي للقسمة. لتضيف برجاحة: "إن قبول مثل هذه الأفكار يوفر فرصة لإسرائيل للتخلص من الضغوط الفلسطينية والعربية والدولية الداعية إلى رفع الحصار، والتخلص نهائياً من قطاع غزة، وتكريس التعامل معه باعتباره كياناً معادياً، والقضاء على الربط الجغرافي بين الضفة والقطاع". جميع الفلسطينيين معك يا سيد فياض، ولا يخالفنك الحذر عربي، ولكن؛ أين كنت أنت وحكومتك كل الفترة الماضية؟ لماذا صمتم؟ لماذا تأخرتم في مسعى المصالحة، وفك جدائل الحرة؟ وهل بقاء غزة في حصار، أو بقاء الحالة الفلسطينية على ما هي عليه هو الحل؟ يا سيد فياض، إن كانت غزة ستنجح بفك حصارها بقوة صمودها، وما جاءها من دعم إقليمي شق عباب البحر، فهذا يعني نجاح خط الصمود والمقاومة، وفشل خط المفاوضات التي تزعمتها أنت سنوات، وتقودها بإصرار، لذلك فلا تحملنَّ غزة مسئولية فشل مشروعك، ولاسيما أن يدك كانت مطلقة لسنوات ادعيت فيها العمل لتحرير الضفة الغربية على طريقتك، طريقة المشاركة في مؤتمر الأمن الإسرائيلي في مدينة "هرتسيليا"، وطريقة تصفية رجال المقاومة في قلقيلية، وطريقة اعتقال كل فلسطيني مقاوم للمستوطنين. وما زالت يدك مطلقة في التنسيق الأمني مع الإسرائيليين، فلا تجعل يدك مغلولة في توسل سلام الإسرائيليين إلى عنقك، وابسطها كل البسط في الاعتراف بالحق التاريخي لليهود، إنما لا تجعل من فك حصار غزة حجة لخذلانك، وذريعة لفشل مشروع دولتك، التي لن تتحقق إلا بالتقاء جميع الفلسطينيين على برنامج سياسي وطني مقاوم للغاصبين، مع عدم التفرد بالقرار السياسي الفلسطيني دون مسائلة. وثم، تشكيل حكومة فلسطينية يرئسها رجل غير مفروض أمريكياً!.