أما فلسطين المهزومة فهي الفضائية، تلك المحطة التي تحمل اسم فلسطين، والتي ظلت تبث برامجها من رام الله كالمعتاد حتى الثامنة والنصف، وكأن الذي يحدث على ظهر سفينة الحرية منذ الرابعة فجراً لا يخصها، وكأن الرقابة العسكرية الإسرائيلية التي حذرت على وسائل إعلامها نشر أي معلومة عن الجريمة التي نفذت على ظهر سفينة الحرية، طالت الفضائية التي تحمل اسم فلسطين، في الوقت الذي كانت فضائية الجزيرة، والجزيرة مباشر، وفضائية الأقصى، والفضائيات التركية، وبعض الفضائيات العربية والعالمية، تقوم بالتغطية المبكرة للجرائم الصهيونية، وتنقل بشكل مباشرة ما يدور من اقتحام، وتتابع المسئولين بالتحليل والتعليق والتعقيب. لتصحو فضائية فلسطين من غفوتها وقت الضحى، وتنضم إلى فضائيات العالم بعد أن تكشف الخبر وتغطى من كل الجهات!. أما الذي انتصر في عرض البحر المتوسط فكانت فلسطين القضية، فلسطين الكرامة التي ترفض المذلة، فلسطين التي تعطي اسمها لمن يحافظ عليها، ويتقرب إليها، وتعطي بهاءها، وألقها لمن يدافع عنها، فلسطين التي تسقط من حسابها من يراهن على أعدائها، ويلتقي فيهم، ويصافحهم، ويقبّلهم، ويقبَلهم، ويفاوضهم. ويترك غزة في الحصار حتى صارت بصمودها عنوان الانتصار، وأضحت ابنه فلسطين المقاومة للغاصب، والمضحية التي تحتمل العذاب من أجل كل فلسطين، ليصير الدم الذي ينزف على تراب غزة، أو من أجل غزة عنواناً للإنسانية جمعاء، وإصراراً على رفض القرصنة، لتصير غزة المحاصرة تحاصر أعداءها، وتحرك الدم في عروق كل بني البشر الذين لم تخدعهم أكاذيب دولة القراصنة. انتصرت غزة بأسطول الحرية الذي فضح دولة الصهاينة، الدولة التي اغتصبت وطناً من أهله، وسفكت دم الإنسانية على امتداد عشرات السنين، قتل خلالها الجيش الإسرائيلي عشرات آلاف الفلسطينيين والعرب، وهو يعاود اليوم تمثيل جرائمه بالطريقة ذاتها التي زهقت فيها أرواح أطفال مدرسة بحر البقر في مصر، وبالرصاص الإسرائيلي ذاته الذي فجر الطائرة الليبية، والأوامر العسكرية ذاتها التي اقترفت مجزرة "قانا" في الجنوب اللبناني، هذا هو السلاح الإسرائيلي المدعوم من أمريكا، والذي يدوس على كرامة الأمة العربية، ويتفنن في هوانها، وانتهاك حرماتها، وهدم مقدساتها، هذه هي دولة القراصنة التي صالحها بعض العرب، ويتفاوض معها البعض للتغطية على عورتها، وتجميل صورتها. لقد انتصرت غزة بعد أن مزجت دمها الفلسطيني بالدم العربي والإسلامي والإنساني، ليموج البحر المتوسط بالغضب الذي سيعصف حتماًً بدولة القراصنة.