إن الرداءة التي تطبع المشهد السياسي الوطني، والناتجة عن انتكاسة العملية الديمقراطية وانحسارها خلال الاستحقاقات السياسية الأخيرة -تشريعيات 2007 وجماعيات 2009- التي ليست إلا امتدادا للنقلة السلبية التي طبعت مسلسل الانتقال الديمقراطي ببلادنا سنة 2002، بعد أن اختارت الدولة التراجع عن المنهجية الديمقراطية. كلها مؤشرات تدل على غموض واقع الدولة ومستقبلها السياسي، سواء على مستوى الفاعلين السياسيين، حيث أصبحت الانتهازية والتهافت على المناصب الهاجس المستحكم لديهم، أو قواعد اللعبة السياسية، مما يضعها تحت حكر تساؤلات عميقة، تعبر بشكل كبير عن ذاتها، وتطرح تساؤلات كثيرة حول مسألة الرقي المؤسساتي والديمقراطي ورهانات التنمية المستدامة للبلاد. كما تضع رهان إيجاد قاعدة وأرضيات استيعاب الدينامكية الاجتماعية و المتطلبات الآنية والمستقبلية لأبناء الشعب. و خصوصا شريحة الشباب, التي وبما تشكله من أهمية في المشروع المجتمعي المغربي , بقدر ما تعاني من اعطاب و مشاكل اجتماعية و اقتصادية على مستويات : التعليم , الصحة و الشغل, كما تفتقر إلى آليات و أوعية استقبال تمكنها من إبراز إبداعاتها و إثبات حضورها المادي و المعنوي داخل المجتمع. مما يترك لذا الشباب احباطات تقودهم إلى عوالم الإدمان والهجرة السرية و ردهات التطرف. و يضيع على المغرب فرصة استثمار هذه الطاقات في اتجاه تنمية وبناء المغرب. ونظرا للانعكاسات التي خلفها هذا الوضع السوسيوسياسي العام على الهيئات التأطيرية للمجتمع، من أحزاب سياسية ومنظمات قطاعية ونقابية ونسيج جمعوي، حيث أصبحنا أمام أحزاب مترهلة وضعيفة فقدت أهم مقوماتها المتمثلة في الرصيد الجماهيري و خصوصية الوضوح الهوياتي واختلاط وتداخل برامجها مما جعل منها إطارات معزولة عن انشغالات المجتمع وحاجياته. الأمر الذي شكل ذريعة لإعادة إنتاج حزب الدولة المخزني، والأكيد أنه لن يزيد إلا في تعميق أزمة الحقل الحزبي بالمغرب ويفقده ما تبقى من مصداقية لدى الرأي العام الوطني والدولي على حد سواء. واستحضارا لهذا الوضع، ورغبة في الإسهام الإيجابي في تجاوز الأزمة السياسية والحرص على التغلغل في المجتمع المغربي، خصوصا داخل أوساط الشبيبة المغربية. وتشبثا منا برسالة الشبيبة الاتحادية كوليدة من حزب وطني تقدمي عتيد ساهم في تحرير وانقاد المغرب من قبضة الاستعمار الغاشم وردهات التخلف، وكمنظمة جماهيرية سياسية تناضل من أجل تحقيق الديمقراطية والإشتراكية والتحرر، وتعمل داخل أوساط الشباب المغربي على جميع الواجهات، نرى أنه من واجبنا النضالي إثارة كل من يهمه الأمر إلى ما يعتري المشهد السياسي والحزبي من نكوص، من شأنه أن يهدد وحدة واستقرار البلاد. وما الصراعات التي تعرفها الأغلبية الحكومية إلا أحد تمظهرات هذا الوضع المتأزم. ورغبة في تصحيح مسار الشبيبة الإتحادية الذي شهد مجموعة من التصدعات والانحرافات خلال التجربة الحالية، والتي هي امتدادا للتجارب السابقة، حيث فقدت المنظمة، بسبب انعكاسات الصراعات الحزبية، إشعاعها ومكانتها الحقيقيين داخل أوساط الشباب المغربي كفاعل سياسي وكهيئة تأطيرية يستطيع من خلالها الاتحاد تعبئة الشباب المغربي وتوجيهه لترسيخ قيم المشروع التقدمي الديمقراطي والحداثي الذي يحمل شعلته الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية . وتعبيرا عن الاختلاف التام لمجموعة من أعضاء المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية مع مسلكيات التدبير التنظيمي والسياسي المتبعة، منذ إعادة هيكلة المكتب الوطني، والتي لا ترقى إلى طموحات وانتظارات الشباب الاتحادي في الجهات والأقاليم والفروع. كما أنها تتعارض وروح خارطة الطريق المرحلية التي تم تسطيرها، من خلال سلسلة من اللقاءات، والتي شكلت خلاصة نقاشات مستفيضة ومسؤولة ساهمت فيها المجموعة المذكورة أعلاه بكل مسؤولية، بتنسيق تام مع القيادة الحزبية، وبإشراف من الكاتب الأول للحزب، و التي توجت بإعادة هيكلة المكتب الوطني للشبيبة الإتحادية . إلا أن الإخوة في المكتب الوطني فوجئوا بتجاوز الكاتب العام لأعراف العمل الجماعي واستفراده بتدبير شؤون المنظمة، معتمدا أسلوب الحلقية والشعوبية، ومتجاوزا، بذلك، الأجهزة التقريرية والتنفيذية للمنظمة. كما أننا نستهجن غياب رؤية سياسية واضحة تعكس نقاش مناضلي الشبيبة الاتحادية، وتعبر عن الحراك السياسي وديناميكية الشباب المغربي، وغياب أي متابعة للقضايا السياسية الكبرى بوعي ومسؤولية، مما ينعكس على صورة المنظمة ودورها في المشهد السياسي والجمعوي الوطني. إن القناعة الراسخة لدى الإخوة أعضاء المكتب الوطني بإعادة إنتاج أجهزة تقريرية تنفيذية داخل منظمة الشبيبة الاتحادية، على منوال المؤتمرات السابقة، يعتبر مضيعة للوقت والطاقة، وإعادة إنتاج للدوائر المغلقة التي يطبعها هاجس التحكم والخوف من الاشتغال العادي والمستقل للمنظمة المؤسس على علاقات سياسية سليمة وواضحة مع المحيط التنظيمي والسياسي، وبعيدا عن منطق التبعية وأسلوب التوجيه . هذه القناعة التي تميز تصور مجموعة الإخوة الأعضاء تحكم رغبتهم في تنظيم المؤتمر الوطني الثامن للشبيبة للاتحادية في أجواء صحية تحترم المعايير والأخلاقيات، حتى يكون مؤتمرا نوعيا يرقى إلى مستوى المنظمة ومكانتها التاريخية، ويتجاوز منطق الحسابات العددية والتحالفات الهجينة التي ترهن مصير المنظمة وتضعها خارج وظيفتها التاريخية ومجالات اشتغالها الطبيعية، الأمر الذي يجعل من الشباب الاتحادي رهائن صراعات حزبية ضيقة.