أجمع متدخلون، خلال ندوة نظمتها المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، على أن مرحلة الانتقال الديمقراطي استغرقت وقتا طويلا ببلادنا، وأن «الهشاشة» التي تتميز بها هذه المرحلة و«الالتباس» في هذا الاصطلاح السياسي، يجعل كافة المتدخلين على المستوى الوطني، بمن فيهم الفاعل الحقوقي، يطرح سؤال هذا الانتقال الديمقراطي ويجعله ضمن صلب أجندته الحقوقية، مؤكدين في نفس السياق على أن الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة أضرت كثيرا بالديمقراطية ببلادنا. وأشار الباحث الجامعي والفاعل الجمعوي، محمد محيفظ، خلال الندوة التي عقدت بالرباط مساء أول أمس الثلاثاء بعنوان «الانتقال الديمقراطي بالمغرب، حصيلة عشر سنوات»، إلى أن سؤال الانتقال الديمقراطي بات يشكل أولوية ضمن انشغالات المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، التي أدركت بعد تنظيمها ندوة سابقة، في سنة 2000، أي بعد سنتين تقريبا من تنصيب حكومة عبد الرحمان اليوسفي، بعنوان «قضايا الانتقال الديمقراطي بالمغرب وحقوق الإنسان»، أن تباشير الانفتاح السياسي الذي عرفه المغرب منذ بداية التسعينيات يستدعي من نشطاء حقوق الإنسان انتباها خاصا وإنصاتا عميقا للأسئلة التي تطرحها مرحلة الانتقال الديمقراطي، بالتباساتها وهشاشتها على الفعل الحقوقي. وبرأي محيفظ، فإن سؤال الانتقال الديمقراطي يبرز الأهمية التي يوليها الحقوقي لانشغالات المواطن اليومية، خاصة في ظل وجود علاقة بين ما هو سياسي وحقوقي، مشيرا إلى أن استحضار انطلاق هذه التجربة سنة 1998 عند تعيين حكومة اليوسفي إلى الآن، يجعل إعطاء تعريف للاصطلاح أمرا ليس بالهين بسبب الالتباس الذي تتميز به المرحلة، مؤكدا في نفس السياق أن المنظمة من خلال تبنيها سؤال الانتقال الديمقراطي إنما تتوخى استشراف المستقبل من أجل الحسم مع مرحلة ذات أهمية قصوى في المسار الديمقراطي ببلادنا. أما في نظر الباحث الجامعي في العلوم السياسية والاجتماعية، عبد الله ساعف، فإن سؤال الانتقال الديمقراطي لا يمكن الإجابة عنه إلا من خلال إعطاء تقييم شامل لمداخل مختلفة اقتصادية واجتماعية وسياسية، مبرزا أن هناك خلاصات تؤكد على وجود «ردة ديمقراطية»، خاصة عند الوقوف على ما تم تسجيله في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة من تدخل للسلطات وحدوث خروقات عدة، قبل أن يخلص إلى أن ما يهدد بشكل كبير الانتقال الديمقراطي هو الهشاشة الاجتماعية وضعف الأداء على المستوى الاقتصادي. وفي معرض إجابته عن سؤال الانتقال الديمقراطي، ذكر مصطفى الخلفي، مدير نشر جريدة التجديد اليومية، بكون جميع الديمقراطيات عرفت انتقالا ديمقراطيا بُني أساسا على إدماج الخصم والمتناقض إيديولوجيا دون إقصاء هذا الطرف أو ذاك من اللعبة السياسية، ليستنتج أن التجربة المغربية بينت أن هناك تذبذبا في تعامل الدولة مع القضية الأمازيغية والإسلاميين، بحيث تميزت مقاربتها أحيانا بإدماج إيجابي، خاصة إزاء الإسلاميين، من خلال إشراكهم في اللعبة السياسية ولكن بالحجم الذي تريده الدولة وبحسب الطلب، وأحيانا أخرى بإدماج سلبي من خلال السماح لهؤلاء بالمشاركة في التدبير العام فقط من أجل ترصد أخطائهم، ليصل في نفس السياق أيضا إلى أن هدف الدولة كان هو تبني نموذج إقصائي، مستعينة، في سبيل ذلك، بعدة طرق واستراتيجيات كاستغلال الحزب الجديد (في إشارة إلى حزب الأصالة والمعاصرة) من أجل إرباك الوضع السياسي. وذكر الخلفي بالتحالف الذي عقده حزب العدالة والتنمية مع حزب الاتحاد الاشتراكي في الانتخابات الأخيرة، مشيرا إلى أنه نموذج للتحالف المبني على احترام الآخر دون الرغبة في إقصائه، رغم الاختلاف الإيديولوجي، داعيا باقي الأحزاب إلى اتخاذ مثل هذه التحالفات وسيلة للمساهمة في انتقال ديمقراطي حقيقي، بعيدا عن الإقصاء الذي يعتبر الخطر الأساسي لكل ديمقراطية.