يوم الأرض من المحطات الهامة في تاريخ الشعب الفلسطيني، وصفحةٌ ناصعة من صفحات نضاله ومقاومته، وانعطافةٍٍ أساسية في مسيرته النضالية، وهي مناسبة يتوقف أمامها الفلسطينيون في أرضهم وشتاتهم كل عام، يحيون ذكراها في كل أرجاء الوطن وخارجه، ويؤكدون على معانيها، ويكررون الثوابت التي سقط من أجلها الشهداء، وهي أن الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه، ثابتٌ على حقه، وأنه عصيٌ على الطرد، ومتمردٌ على الاقتلاع، ورافضٌ للرحيل، وهي مناسبة يحرص الفلسطينيون دوماً، أن يؤكدوا من خلالها على وحدة القضية الفلسطينية، ووحدة التراب الوطني الفلسطيني، وأن إسرائيل هي العدو الوحيد للشعب الفلسطيني، فهي التي احتلت واستوطنت واغتصبت وقتلت وشردت ونفت واعتدت، وهي التي سرقت ونهبت وصادرت وخربت، وهي التي هدمت البيوت، وخربت الزروع، ودنست المقدسات، وعاثت في تاريخ شعبنا فساداً وتخريباً، وهو يوم كشف فيه الفلسطينيون عن كثيرٍ من العزة والشموخ الوطني، والكرامة القومية، وقد هبوا جميعاً للدفاع عن أرضهم، والتصدي للمشروع الصهيوني الاستيطاني الاستعماري، الذي لم يميز في سياساته بين الضفة الغربية وقطاع غزة، والقدسالشرقية، وأراضي الفلسطينيين في المثلث والنقب وعكا والجليل، وفي سخنين وعرابة وكفر كنّا والطيبة وغيرها. يوم الأرض 30/3/1976 علامةٌ فارقة في تاريخ شعبنا الفلسطيني، وانعطافة حقيقة ضد الممارسات الإسرائيلية، ورسالةٌ خالدة أن الأرض لدينا هي الهوية والعنوان، وهي الكرامة والشرف، وعليها ستكون حياتنا، وفيها سيكون موتنا، فقد ثار الفلسطينيون جميعاً ضد قرار المصادرة الإسرائيلي لأرضهم، وسقط منهم شهداء وجرحى دفاعاً عن حقوقهم، ليثبتوا للاحتلال أن الأرض لدينا عزيزة وغالية، وأننا نحميها بالمهج والأرواح، وقد أكد يوم الأرض المخططات الإسرائيلية الهادفة إلى تهويد الأرض الفلسطينية، وطرد سكانها العرب الفلسطينيين منها، وأن إسرائيل ماضية في مخططاتها الإجرامية، وهي وإن توقفت أحياناً، فإنها تنتهز الفرصة المناسبة لتحقيق أهدافها، فهذا حلمٌ راود المؤسسين الأوائل للدولة العبرية، ومازال يدغدغ عواطف قادتها الجدد، ويعيش في مخليتهم، وقد افصحوا عنه، وكشفوا للرأي العام عن حقيقة نواياهم، فهم يصورون أرض فلسطين أرضاً نقية، لا يسكنها غير اليهود، ولا يعيش فيها العرب، لا المسلمون ولا المسيحيون، فهي لليهود وطناً خالصاً، ولا مكان للأغيار فيها، وهم يعملون لمقولتهم الشهيرة أرض أكثر وعربٌ أقل، ولكن إحياء الفلسطينيين يوم الأرض من كل عام، رسالةٌ واضحة إلى العدو الإسرائيلي، أننا لن نستسلم لأي قرارٍ يصادر أرضنا، ويستولي على ممتلكاتنا، وسنبقى في أرضنا ثابتين أمام كل محاولات الخلع والطرد، وقد استغل الفلسطينيون هذا اليوم ليعلنوا تمسكهم بأرض آبائهم وأجدادهم، وتشبثهم بهويتهم الوطنية والقومية والدينية، وحقهم في الدفاع عن وجودهم، رغم كل محاولات السلطة الإسرائيلية لخلعهم من أرضهم، واقتلاعهم من جذورهم، إذ أن إسرائيل تشعر بخطورة وجودهم، وتنامي أعدادهم، وأنهم سيسببون خللاً في التوزيع الديمغرافي للسكان، بما قد يجعل منهم يوماً أكثر عدداً من السكان اليهود، ما سيشكل خطراً على يهودية دولتهم. وقد كان الفلسطينيون يملكون 75% من الأراضي فترة النكبة، ولكن وبفعل القوانين الاسرائيلية الجائرة، تم تجريدهم من هذه الأراضي، تارةً باعتبارها أراضٍ عسكرية، وتارة بدعوى المصادرة لأغراض الصالح العام، وأخرى تطبيقاً لقانون أملاك الغائبين، كما تم مصادرة أراضي الوقف الاسلامي، وأصبح الفلسطينيون يملكون 3.5% من الأرض، رغم أنهم يشكلون 20% من السكان، ولهذا شكل يوم الأرض أول تحدٍ حقيقي للممارسات الإسرائيلية، فكسر حاجز الخوف، وأدخل السكان الفلسطينيين في معارك نضالية ضد سلطات الاحتلال، مما أوقد الروح الوطنية لديهم، وأحيا فيهم مفاهيم الإنتماء والعودة إلى الأصول. ويخطئ من يظن أن أهلنا الفلسطينيين، الذين مازالوا يسكنون أرضهم، ويعيشون فوق ترابهم، قد ضعفت عندهم رابطة الإنتماء لعروبتهم وإسلامهم، وأن إسرائيل قد أثرت عليهم بثقافتها وقيمها، وبما حاولت زرعه فيهم من عاداتٍ وتقاليدٍ غريبة، وبالأسماء العبرية التي فرضتها على شوارعهم، وباللغة العبرية التي فرضت تعليمها على أطفالهم، وبمحاولات السيطرة على المرأة، والتدخل في شؤون الأسرة العربية، ورغم ذلك فقد أضحى الفلسطينيون أشد تمسكاً بفلسطين من كثيرٍ غيرهم، وأكثر حرصاً على أرضهم وتراثهم وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم، فحافظ المسلمون على مساجدهم، والمسيحيون على كنائسهم، وتمسكت المرأة بحجابها، والشباب بمساجدهم، ووالتزم الفلسطينيون قرآنهم، وحافظوا على إسلامهم، وقد كان هناك اعتقادٌ بأن هذا الجزء من شعبنا في أراضي 48، قد استكان وسلم بالأمر الواقع، وخضع للاحتلال وتعامل معه، إلا أن يوم الارض جاء ليؤكد حقيقة أن شعبنا هناك، هو جزء أصيل من شعبنا الفلسطيني، إذ رغم كل المحاولات الإسرائيلية المحمومة، لعزل أهلنا في المناطق المحتلة عام 48، عن بقية أهلهم وشعبهم، إلا أن محاولاتهم كلها قد باءت بالفشل، ومازال أهلنا في أرضهم على حالهم لساناً وهيئةً وشكلاً، وعاداتٍ وتقاليد وقيم، لا يفرطون في موروثاتهم، ولا يتخلون عن معتقداتهم، ولا يتنازلون عن ثوابتهم وحقوقهم، ولا يفرطون في أرضهم، ولا يسكتون عن أي محاولة لمصادرتها، أو اغتصابها، ويعملون أجيالهم الطالعة حب الوطن، ويورثونهم يقينهم بحقهم، وإيمانهم بأرضهم، ويزرعون أنفسهم في أرضهم كالأشجار، لتعطي لأرضهم هويةً وإنتماءاً. وهم اليوم حماة الأقصى، وجنود القدس، وهم الغيارى على المقدسات، والجنود المخلصين الذين ينافحون عن القدس، ضد غلاة المستوطنين، الذين يحاولون النيل من المسجد الأقصى وباحاته، فهم الذين يؤمون المسجد الأقصى للصلاة فيه، ويتبارون في الرباط في باحاته، في وقتٍ يصعب على أهل غزة الصلاة فيها، بينما يضع الاحتلال العراقيل أمام المصلين من مختلف أنحاء الضفة الغربية، فتنادوا من كل أرجاء فلسطين، لينوبوا عن شعبهم وأمتهم، في الذوذ عن حياض المسجد الأقصى المبارك، وفي تنبيه الأمة كلها إلى الأخطار المحدقة بالمسجد الأقصى المبارك. وأهلنا المتمسكين بأرضهم في عمق فلسطين وشمالها، وفي صحراءها ووسطها، هم الذين يهبون دوماً لمساعدة إخوانهم المحاصرين في قطاع غزة، أو الذين تعرضوا للتدمير في مخيم جنين في الضفة الغربية، فقوافل المساعدة التي يهبون لتجهيزها، تحمل معها الكثير من أواصر المحبة والأخوة والتلاقي، فهم لا ينسون أهلهم المحاصرين، ولا يتخلون عن واجبهم تجاههم، ويتحملون من أجلهم الصعاب والعقبات، ويتعرضون في سبيلهم لأذى جنود الاحتلال، فيضربون ويعتقلون، ويتعرضون للإهانة والتجريح، ولكنهم يمضون قدماً في أداء واجبهم، ولا يلتفتون إلى المعاناة التي يلاقون، ويرفضون سياسة التجويع والحصار، والقتل والحرب والاعتداء، ويصدحون بعالي صوتهم فوق كل المنابر، وفي كل المناسبات، يفضحون ممارسات الاحتلال، ويؤكدون وقوفهم إلى جانب شبعبهم، وتمسكهم بحقهم في استعادة أرضهم، والحفاظ على هويتهم. يوم الأرض الدامي، الذي لون تراب الوطن بالدم، وصبغ أرضه باللون الأحمر القاني، وأخرج الجماهير العربية والفلسطينية في ثورةٍ عارمة منذ أربعة وثلاثين عاماً، مازالت أحداثه إلى اليوم ماثلة، وجرائم الاحتلال على الأرض باقية، وقبور الشهداء مشادة، ولكنه يومٌ أرسى دعائم حاول العدو الإسرائيلي أن يهزها، وثبت قواعد كان يطمح الاحتلال إلى تحريكها، فربط يوم الأرض أطراف الوطن ببعضه، ونادى بتحرير كل أرضه، وعودة كل أبناءه، وأكد يوم الأرض على تمسك الفلسطينيين بممتلكاتهم، وحقهم المطلق في استعادة أملاكهم المغتصبة، فضلاً عن عودتهم إلى ديارهم المحتلة، وأكد أنها حقوق مقدسة وثابتة، وغير قابلة للتصرف أو المساومة، وأنه لا يحق لأيٍ كان أن يتصرف فيها، أو أن يتنازل عنها، فهي حق الأجيال، وملك الأمة، وقد أخذ الفلسطينيون يتطلعون إلى اليوم الذي يعود فيه ذووهم وأهلهم من الشتات، وبلاد اللجوء إلى أرضهم وطنهم، فيجتمع شملهم على أرضهم من جديد، ويرون أن هذا اليوم الذي يعودون فيه، يومٌ قادمٌ لا محالة، ولكنه يتطلب وحدةً فلسطينية، ومساندة عربية وإسلامية، ودعماً وتفهماً دولياً، وقبل هذا كله، إصرارٌ فلسطيني على الحق والثوابت، ورفضٌ تام للتنازل والتفريط، مهما عظمت الصعاب، وازدادت الخطوب. دمشق في 30/3/2010