* لا نبغي أن تكون هذه القناة-تمازيغت- قناة فلكلورية، نحن نريد قناة تكشف النقاب عن عمق الهوية الأمازيغية، وعن التجذر التاريخي لهذه الثقافة المتميزة التي قدر لها أن تهمش لعقود خلت. * إن احتجاب جريدة "تيفراز ناريف"، عن الصدور يشكل انتكاسة في الإعلام الريفي المسؤول، ليس لأنها كانت الجريدة الوحيدة التي استطاعت أن تصمد أمام شح الموارد المادية، لكن بسبب الرؤية الإعلامية المتميزة التي أبانت عليها في أكثر من موضع، لكن ظهور جرائد مثل"جريدة الريف المغربية" في الناظور قد يساهم في تطوير الصحافة بالريف. *ولقد رأينا كيف أن ورقة حقوق الإنسان وحرية التعبير أضحت ورقة رابحة في يد أعداء وحدتنا الترابية، ورأينا كيف أن الاتحاد الأوربي يشرط دعمه المالي للمغرب بإلزامية ضمان حرية التعبير التي تتجسد في الصحافة بشكل خاص. في هذا الحوار الذي نطل من خلاله على قارئنا الكريم بمدينة الحسيمة، سنحاول استقراء واقع الصحافة المغربية، وآفاقها في ظل تشديد الخناق عليها، وكذا محاولة فهم الميكانيزمات المتحكمة في لجوء الدولة إلى الحد من حرية التعبير بعد 10 سنوات من تولي جلالة الملك محمد السادس لمقاليد الحكم، وكذا رصد واقع الإعلام الأمازيغي والريفي، خاصة بعد افتتاح القناة"تمازيغت"-في هذا الحوار-، نستضيف الأستاذ محمد الركراكي، صحافي بجريدة الأيام وأستاذ لمادة الصحافة المكتوبة بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، وأستاذا زائرا لدى جامعة دبلن، حاصل على دكتوراه الإعلام من المعهد العالي للإعلام والاتصال، ودبلوم الدراسات السياسية من جامعة دبلن.
لا شك أن عشرية الملك محمد السادس قد شهدت العديد من التغيرات- فيما يرتبط بالصحافة، كيف تقيمون هذه المرحلة؟ ثمة منطلقات مختلفة للتقييم. هل يجب أن ننطلق من معايير مرتبطة بالوضع الداخلي للمغرب ومقاربة تراكمية للتحولات بين الماضي والحاضر ؟ هل نعتمد معايير مرتبطة بالسياق الدولي العام والتوجهات الكبرى التي تسير عليها السياسات الدولية في مجال الإعلام والاتصال وتكنولوجيا المعلومات ؟ في هذا الصدد، أؤكد أن صعود الملك محمد السادس إلى الحكم تزامن مع أجندة عالمية من التحولات في مجالات عديدة منها مجال الإعلام والاتصال، وهي تحولات نجد لها على المستوى الداخلي نوعا من المواءمة سواء على المستوى السياسي العام أو على مستوى التشريعات والقوانين والبنيات التحتية للإعلام والاتصال وتكنولوجيا المعلومات. لا ننسى أن تسلم عاهل البلاد الملك محمد السادس الحكم تساوق مع برنامج أهداف الألفية الثالثة التي أعلنتها الأممالمتحدة عنوانا للمرحلة الجديدة، والذي شكل التزاما دوليا في مجال الإعلام والاتصال بمشروع مجتمع المعرفة والاتصالات لغاية سنة 2015، وتضمن أوراشا عديدة انخرط فيها المغرب بحماس، منها ورش الإعلام والاتصال. لذلك، فالأخذ بالمعايير الخارجية في تقييم هذه العشرية يطرح علينا السؤال التالي: هل شكلت إنجازات عشر سنوات من حكم الملك محمد السادس في مجال الإعلام والاتصال توافقا وتطابقا مع اتجاه التحولات التي شهدها العالم في هذا المجال ؟ والجواب عن هذا السؤال يقودنا إلى سؤال ثان يخص معايير الوضع الداخلي : هل استطعنا خلال هذا العقد بلوغ منظومة إعلامية اتصالية تنموية متطورة ملائمة لحاجيات المجتمع المغربي وتكرس حرية التعبير وتضمن التعددية وتلبي الاحتياجات الاجتماعية والثقافية للمرحلة ؟ منظومة تتوافق وتطلعات المغرب المعاصر بنسائه ورجاله لبناء مجتمع حداثي ديمقراطي ؟ أعتقد أنه من خلال هذه المنطلقات، يمكننا توصيف وتحليل بعض التحولات في المشهد الإعلامي الاتصالي المغربي خلال العقد الأخير.د لكن يبدو هذا الكلام النظري الجميل أبعد ما يكون عن الواقع، الذي يوسم بالتأزم، إذ لم هناك إحساس بأن هذه الإصبلحات لم تتمكن من إصلاح المنظومة الإعلامية ببلادنا بطبيعة الحال، كل هذه الإصلاحات، انعكست لو بشكل جزئي على الواقع،فإذا كان من الصعب في هذه العجالة القيام بعملية رصد ونمذجة وتحقيب لكل الإنجازات التي عرفها ورش الإعلام خلال هذه المرحلة، فذلك لا يعفينا من عرض بعض الأفكار والملاحظات على نحو أولي سواء على المستوى السياسي العام أو على المستويات التقنية. وعلى هذا المستوى، لا بد من توضيح فكرة جوهرية هامة مؤداها أنه لزام علينا الإقرار بأن الإنجازات العديدة التي شهدتها هذه الفترة تدخل في نطاق مجموعة من الأوراش الإصلاحية التي جاء ت مع عهد الملك محمد السادس سواء منها تلك ذات البعد الرمزي أو البعد المادي المباشر، لابد من إبراز أن التحولات الحاصلة في مجال الإعلام والاتصال سواء تعلق الأمر بالصحافة المكتوبة والإذاعة والتلفزيون وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، هي جزء من الأوراش العديدة المفتوحة (التعليم – الميدان الإجتماعي - حقوق الإنسان – قضايا المرأة – الشباب - المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وغيرها، وعلى هذا المستوى يمكن التمييز بين العديد من الإنجازات الملموسة . هل يمكن إجراء رصد أولي للإنجازات الأساسية لهذه الفترة ؟ بالفعل يمكن الوقوف على رصيد كمي ونوعي من الإنجازات. وهنا يمكن قراءة بعض الإجراءات ذات الدلالة الرمزية التي ترتبط بالفلسفة العامة للحكم والسلطة ومنها السلطة الرابعة. ففي بداية هذه المرحلة، نتذكر قرارا ت ذات دلالة رمزية أشرت بقوة على زمن جديد للتحولات منها قرار جرئ بإلغاء ما كان يسمى ب"الأغاني الوطنية" ، أو"الأغاني الحماسية "من مختلف وسائل الإعلام العمومية والتي شكلت على مدى تاريخ طويل دعامة من الدعامات الرمزية للأنظمة الشمولية، كما أنها ظلت لوقت طويل مجالا لهدر الكثير من الأموال العمومية، وبالتالي فإن هذا القرار شكل قطيعة على المستوى الرمزي مع المرحلة السابقة . القرار الثاني من هذا المستوى تجلى في صورة شخص الملك وكذا العائلة الملكية، وهو ما برز في أنسنة هذه الصورة ومنحها بعدا مواطنا. فالمغاربة لم يتعرفوا من قبل على صور بعض أفراد العائلة الملكية بنفس الكثافة التي عرفوها مع عهد محمد السادس، كما أن الصورة المقدمة للأسرة الملكية هي صورة مواطنة واقعية ملموسة قريبة من قلوب ومشاعر الناس استطاعت أن تعيد تركيب عقل المغاربة ومتخيلهم تجاه الأسرة الملكية على نحو مختلف. وعلى مستوى ثالث، فإن رفع سقف حرية التعبير واتساع فضاء الحرية يمثل قيمة رمزية نوعية لهذه المرحلة مقارنة لما كان عليه الأمر في الماضي. فإذا ما تركنا جانبا بعض مناطق سوء الفهم أو عدم تطابق وجهات النظر الرسمية والخاصة حولها، كظواهر عادية مرافقة لكل مرحلة انتقال ديمقراطي، فالسمة العامة الرئيسية المميزة لهذا العقد هي إلغاء جل الطابوهات والممنوعات سواء كانت دينية وسياسية أو اجتماعية، وهو ما نتج عنه تطور في مقالات الرأي والاستطلاعات والتحقيقات في العديد من المنابر الصحفية والإعلامية. وهذه تمثل ظاهرة فريدة بين دائرة الدول العربية ودول العالم الثالث. فليس هناك مواضيع ليس بمقدور وسائل الإعلام وخاصة الصحافة المكتوبة تناولها أو التطرق لها على نحو مستفيض. وهي أشياء لم يكن بمقدور المغاربة القيام بها بنفس الطريقة قبل عشر سنوات، حيث عشنا تجارب الرقابة ومصادرة الصحف الوطنية والأجنبية، ووجود فضاءات محروسة لا يمكن التطرق إليها . ليس ذلك فحسب، بل إن انتشار الصحافة المستقلة ونمو الصحافة الجهوية شكل عنصرا مميزا للديناميات الجديدة لتوسيع حرية التعبير، من حيث المواضيع والقضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية الجديدة التي تتناولها ونوعية الحراك الاجتماعي الذي خلقته كوسيط وفاعل في إعادة توازن مجتمع كامل مع ذاته ومصالحة مع ذاكرته وماضيه. وكل هذا ضمن مشهد إعلامي حداثي يضمن حرية التعبير وفي نفس الوقت يضمن حماية قانونية عبر القضاء وليس أجهزة الدولة من كل التجاوزات التي تمس الحياة الشخصية والقوانين المنظمة للمجال على نحو يجعل العلاقة بين السلطة الرابعة والسلطة التنفيذية أوالقضائية تتخذ مظاهر صراعية ومتناقضة أحيانا، لكنها في نهاية المطاف تصب في صالح توسيع مجالات ممارسة حرية الصحافة والمهنية وإثراء النقاش السياسي وتعزيز البناء الديمقراطي، وتوفير المناخ لصحافة متطورة وتكريس تعددية، تعكس مختلف الآراء والمواقف. هذا المنظور الإعلامي الذي ارتبط بالاتجاه العام نحو حماية الحريات العامة والخاصة وتطوير ثقافة حقوق الإنسان، قاد من وجهة أخرى-في اعتقادنا- إلى العناية الرمزية والمادية بالصحفي كعنصر فاعل ووسيط في عمليات التحول التي تشهدها بلادنا. وهذا ماجاء مع ظاهرة تكريم الصحفي والاعتراف بدوره الاجتماعي والسياسي في تطوير الديمقراطية المغربية، تجلى ذلك في الجائزة الوطنية الكبرى للصحافة وكذا في العقد البرنامج لتطوير وعصرنة المقاولات الصحفية وحماية الصحفيين، وبطاقة الفنان وتعاضدية وطنية للفانين كمجال لها علاقة بالإنتاج الفني والإبداعي في وسائل الإعلام، إضافة إلى جهود مهمة في مجال حماية الملكية الفكرية. إضافة إلى ذلك، مثل قانون الصحافة لسنة 2002 في هذه المرحلة وثيقة متقدمة على سابقه / وهو القانون الذي تبذل جهود من أجل إصدار صيغة متقدمة له مواقف عليها بين كل الفاعلين المعنيين. لكن هذا كله، لا ينفي أنه ثمة تجاوزات عديدة في ميما يخص حرية التعبير في الآونة الأخيرة، الأمر الذي تعكسه بجلاء التقارير الدولية التي حذرت من التراجعات الكثيرة التي بات يعرفها المغرب في مجال حرية التعبير، إن محاكمة الصحفيين والزج بهم في غياهب السجن، يعد-في تقديرنا-، خرقا خطيرا للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تكفل لصحافي ممارسة عمله بمنأى عن التضييقات، لقد أمسى الصحافي بهذا المنطق السوريالي، أخطر من المجرم، كيف أن الأستاذ إدريس شحتان الذي لازال يقبع في السجن، بعد أن حكمت عليه محكمتنا "الموقرة" بسنة كاملة، والتاريخ يشهد أن المجرمين الذين يعيثون فسادا في الأرض يحكم عليهم ب 6 أو 8 اشهر في معظم الحالات. إن الدولة-مطالبة بمراجعة حساباتها، فهناك منظمات تراقب عن كثب ما يجري داخل المغرب، الشيء الذي ينعكس بصورة سلبية على سمعة المغرب، ولقد رأينا كيف أن ورقة حقوق الإنسان وحرية التعبير أضحت ورقة رابحة في يد أعداء وحدتنا الترابية، ورأينا كيف أن الاتحاد الأوربي يشرط دعمه المالي للمغرب بإلزامية ضمان حرية التعبير التي تتجسد في الصحافة بشكل خاص. تحدثتم عن الاتفاقية الجماعية التي تضمن الكثير من الحقوق للصحافيين، لكن الملاحظ أن هذه الاتفاقية أثيرت بشأنها الكثير من علامات الاستفهام، ولم يتم الاتفاق فيما بين مكونات الجسم الصحافي حولها، بماذا تفسرون ذلك؟ فعلا هذا موضوع مطروح بحدة ، لكن، لا بد من الإقرار أن الاتفاقية الجماعية التي تم توقيعها في دجنبر 2005 بين الفيدرالية المغربية للناشرين والنقابة الوطنية للصحافة المغربية تحت إشراف وزارة الاتصال، جاءت في روحها في نطاق رؤية شمولية للإصلاحات التي طالت الصحفي كفاعل أساسي في مجمل المنظومة الصحفية (عقد - برنامج ). وبالتالي، فهي تشكل مكسبا كبيرا بالنسبة للصحافيين المغاربة وكذا بالنسبة للمقاولات الصحفية العصرية. أما عن مدى احترامها وتطبيقها والالتزام بها، فالأمر يتعلق بمستويات أخرى، وبالتالي فالأمر يتعلق بمدى قدرة سائر الأطراف المعنية على تنفيذ الالتزامات المشتركة وإدارة الأزمات المرتبطة بالعمل اليومي لبعض المؤسسات و المقاولات الإعلامية والموارد البشرية على نحو إيجابي يوازن بين الحقوق والواجبات، واحترام التوجه العام للنهوض بأوضاع الصحفيين، وتنمية وتطوير المقاولات الصحفية. وماذا عن القطاع السمعي البصري الذي توجه إليه انتقادات لاذعة، خاصة فيما يتعلق بطريقة تدبير القطب العمومي؟ هذا المجال ذاته حفل بالعديد من التحولات يمكن وصف بعضها بالجذرية مقارنة مع المرحلة السابقة. وهنا يمكن القول إن تحرير القطاع السمعي البصري وإنهاء احتكار الدولة للمجال السمعي البصري شكل نقلة نوعية أخرى، وهو ما أدى إلى تنويع العرض العمومي وبروز الجيل الأول والجيل الثاني من الإذاعات الخاصة منذ سنة 2006 ، ومشاريع تلفزيونية خاصة ينتظر أن ترى النو. هذا دون أن نقف على التحولات التي عرفها القطب العمومي وظهور الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون التي جعلت المجال ينتقل من العمل بمنطق الإدارة إلى منطق الشركة، ودفاتر التحملات وغير ذلك، ورفع مستوى الدعم العمومي للإنتاج السمعي البصري، والأمر الذي مكن المغرب من باقة من القنوات تستعمل مختلف تقنيات البث وتلبي حاجيات شرائح واسعة من المواطنين، دون أن ننسى دخول المغرب زمن البث الرقمي الأرضي عبر التلفزة الأرضية الرقمية والذي يعتبر أول بلد عربي إفريقي يستعمل هذه التقنية، ومشروع القناة الأمازيغية التي تدخل ضمن ورش أوسع لتوسيع نطاق التعددية الثقافية إعلاميا. كما أن إحداث الهيأة العليا للسمعي البصري بموجب ظهير 31 غشت 2002 يمكن اعتباره إنجازا جريئا مكن المغرب من آلية للحكامة السمعية البصرية وترسيخ سياسة ديمقراطية لضمان متكافئ للتعددية ولولوج الأحزاب، وفي هذا السياق، تم منح الرخص ودفاتر التحملات لمختلف الفاعلين في المجال وهي الهيأة التي أصبحت تلعب دورا هاما في مراقبة احترام دفاتر التحملات، و في فرض احترام الجودة، و في تطوير التعددية، وتمثل رصيد تجربة فريدة في محيطنا الجهوي والإقليمي. وضمن المجال السمعي البصري، يمثل القطاع السينمائي جزء من هذه الحركية العامة سواء من حيث الدعم العمومي الذي حظي به خلال هذه الفترة أو المهرجانات التي تنظم ببلادنا وخاصة المهرجان الدولي للسينما بمراكش وكذا تنامي حجم الإنتاج وتنوع العروض والتجارب. وفيما يرتبط بتدبير القطب العمومي في هذه المرحلة، فإن التقاطبات الإيديولوجية، وعودة منطق الحزازات السياسية إلى التلفزة، جعلها تتقوقع من جديد، وهذا ما يؤدي حتما إلى هجرة المغاربة إلى قنوات أجنبية أخرى، والتي من خلالها يتشبع المغاربة بقيم لا تمت بصلة إلى فرادة الثقافة المغربية، لندع هذا الأمر لسوسيولوجيا الإعلام، لست لأدري أي لعنة أصابت مهندسي القطب العمومي، حين يعرضون أكثر من 5 مسلسلات مدبلجة يوميا.... لنعد إلى النقطة المتعلقة بالتنوع في المجال السمعي البصري، كيف تنظرون إلى افتتاح قناة"تمازيغت"؟ لابد من التأكيد أن افتتاح القناة الأمازيغية يمثل ،ولا شك، خطوة في الطريق الصحيح، لكن لا نبغي أن تكون هذه القناة قناة فلكلورية، نحن نريد قناة تكشف النقاب عن عمق الهوية الأمازيغية، وعن التجذر التاريخي لهذه الثقافة المتميزة التي قدر لها أن تهمش لعقود خلت. ونحن ننتظر من الإعلامي الكبير الأستاذ مماد أن يصوغ رؤية إعلامية تتماشى مع المتغيرات الإعلامية الجديدة... كنتم من الأوائل الذين قاموا بإنجاز دراسات حول الصحافة الريفية، كيف تقيمون هذه التجربة الإعلامية الفتية؟ -يبتسم-أنا أتنبأ بمستقبل واعد للصحافة الريفية شريطة التخلص من بعض الأحكام النمطية والجاهزة، وكذا محاولة التخلص من بعض الهواجس السياسية، وأعتقد أن الجهوية الموسعة التي دعا إليها جلالة الملك، ستكون وعاء مناسبا للمضي قدما لتطوير الإعلامي على صعيد منطقة الريف، لكن لن أخفيك سرا أن احتجاب جريدة "تيفراز ناريف"،عن الصدور يشكل انتكاسة في الإعلام الريفي المسؤول، ليس لأنها كانت الجريدة الوحيدة التي استطاعت ن تصمد أما شح الموارد المادية، لكن بسبب الرؤية الإعلامية المتميزة التي أبانت عليها في أكثر من موضع، لكن ظهور جرائد مثل"جريدة الريف المغربية" في الناظور قد يساهم في تطوير الصحافة بالريف، ولعل إنشاء الإذاعة الريفية هو بمثابة إضافة نوعية للإعلام بهذه المنطقة. ماهي الخلاصات التي يمكن أن نخرج بها عن 10 عشر سنوات من حكم جلالة الملك محمد السادس فيما يخص الصحافة؟ فعلا، هناك بعض الخلاصات يمكن ذكرها على نحو سريع منها أن العقد الأخير الذي لا يمكن فصله عن تجربة التناوب شهد اهتماما فعليا بقطاع الإعلام والاتصال على نحو لا يمكن مقارنته بالفترة السابقة سواء على المستوى الكمي أو النوعي، وهنا يجب أن لا ننسى التحولات التي عرفتها الخطاطة المنظمة لوزارة الاتصال، وتكلفها بمهمة الناطق الرسمي، و كذا برامج الإدارة الإلكترونية، مما يجعلنا نستنتج من مجمل هذه العناصر أن هناك إشارات قوية من السلطات العليا للبلاد تعبر عن الرغبة وإرادة قوية في تطوير نظامنا الاتصالي الإعلامي. لكننا نتطلع أن تشكل مكتسبات هذه المرحلة أرضية صلبة لتطوير المضامين وتعزيز مسار الحريات وتطوير التعددية السياسية والثقافية. كما أنه خلال هذه الفترة برز ما يمكن أن نسميه بمفهوم جديد للسلطة الرابعة يتوازى والمفهوم الجديد للسلطة الذي عبر عنه الملك محمد السادس في 12 اكتوبر 1999 بمدينة الدارالبيضاء، وهو مفهوم يقوم على حفظ الحريات وصيانة الحقوق وأداء الواجبات وتأهيل دولة الحق والقانون، وهو على مستوى آخر مفهوم يشكل حجر الزاوية بين تقاطعات السياسي والقضائي والثقافي والمدني. من جهة اخرى، يمكن القول إن التحولات الداخلية على مستوى الإعلام والاتصال تتوافق - وإن كانت بوتيرة لا تستجيب لتطلعاتنا العميقة في مدى سرعة الإنجازات - مع العديد من المعايير الدولية على نحو يشرف المغرب ويضعه ضمن الدول العربية والإفريقية التي حققت مكتسبات هامة في مجال الاتصال والإعلام وتكنولوجيا المعلومات. في الأخير لا بد من الإقرار أن التطلعات المعبر عنها في بداية عهد الملك محمد السادس تطلعات تعبر عن رغبة عميقة في أن يساهم الإعلام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأمة المغربية وأن سنوات من تاريخ أمة لا تمثل سوى فترة قصيرة نأمل أن نشكل مكتسباتها عوامل إيجابية لتعزيز مسيرة المغرب نحو بناء المجتمع الديمقراطي. كلمة أخيرة يساورني نوع من اليقين من أن الجهوية الموسعة التي من المزمع أن يخوض المغرب غمارها، بعد تنصيب جلالة الملك للجنة الاستشارية حول الجهوية، ستشكل أرضية صلبة للارتقاء بجودة الإعلام المغربي، وذلك بفسح المجال أمام الصحافة الجهوية التي نراهن عليها كثيرا لتحقيق طفرة إعلامية منشودة ولابد من التأكيد-والحالة هاته-، أن الإعلان عن تأسيس الهيئة العليا للسمعي البصري في خريف سنة 2002، قد شكل بالفعل منعطفا حاسما في تاريخ الصحافة المغربية، سيما وانه سمح بظهور موجة جديدة من الإذاعات الخاصة المواكبة للمستجدات السياسية والسوسيوثقافية التي بات يعرفها المجتمع المغربي على جميع الصعد، بالرغم من المؤاخذات الكثيرة عليها، خاصة تلك المتعلقة بعد منح رخص لإنشاء قنوات تليفزيونية خاصة من شأنها أن تدخل كمنافس فعال للقنوات العمومية التي أبانت عن عتاقة أسلوبها الإعلامي، الذي لم يعد بمستطاعه معانقة هموم المغاربة التي تتسع يوما بعد يوم