هذا الكتاب هو الأكثر جرأة وموضوعية وإنصافا مما نشر في السنين الأخيرة حول علاقة الغرب بالعالم الإسلامي. وهذا يفسر إنتشاره الواسع وبقائه على قائمة الكتب الأكثر مبيعا في المانيا.. إن رسالة الكاتب تودنهوفر الأساسية التي أراد إيصالها من خلال هذا الكتاب هي أن حروب الغرب الإستعمارية والإستباقية ضد الدول الإسلامية جلبت الدمار للإنسانية وعرقلت الإندماج الثقافي والحضاري بين الغرب والشرق وأعطت المبرر لظهور العنف والإرهاب في البلدان التي تتعرض لعدوان الغرب، وأن على الغرب أن يحترم ثقافة الشعوب الإسلامية وأن يتخلص من نزعة التفوق العنصري وينبذ الحرب ووسائل قسر الشعوب الأخرى كالعقوبات الإقتصادية والهيمنة الثقافية، وأن يحترم حق الشعوب في تقرير المصير ويبدأ بحوار وتفاعل جدي مع العالم الإسلامي لخلق عالم مبني على قيم العدل والمساواة. ولكي يعطي تودنهوفر المصداقية لطروحاته إبتدأ بمعالجة القضية الأكثر سخونة في علاقة الغرب بالعالمين العربي والإسلامي وهي الإحتلال الأمريكي للعراق. ولم يستند في معالجة هذه القضية الى ما ينشره الإعلام الغربي عن الوضع في العراق المحتل، بل ذهب الى معاقل المقاومة في العراق ورأى الحقيقة بأم عينيه. فقد سافرالى مدينة الرمادي في غربي العراق بدون علم القوات الأمريكية أو مخبريها، وهناك قضى خمسة ايام مع المقاومين وتحاور معهم، ووثّق حقيقة أن هناك مقاومة عراقية للإحتلال، وأن هذه المقاومة لا علاقة لها بالإرهاب، بل هي تحارب الإرهاب وتحرّم إستهداف المدنيين، وأن المقاومين العراقيين هم من كل مكونات شعب العراق: مسلمين ومسيحيين، عربا وكردا، سنة وشيعة، وأن المرأة العراقية تلعب دورا فاعلا في المقاومة، وأن هذه المقاومة تعمل وفق برنامج عسكري وسياسي محدد لتحقيق أهداف وطنية يأتي في مقدمتها إيقاع الهزيمة المطلقة بالمحتل وتحرير العراق وإقامة حكومة وطنية عراقية ديمقراطية تحفظ وحدة العراق أرضا وشعبا وتحفظ هويته العربية والإسلامية.وقدّم الكاتب تودنهوفر عرضا مفصلا لحالة شاب عراقي إسمه زيد دفعته جرائم أمريكا بحق وطنه وأسرته الى الإنضمام للمقاومة، وجعل قضية زيد عنوانا لكتابه (لماذا تقتل يا زيد؟) ليصل بالقاريء في آخر المطاف الى السؤال الحقيقي وهو (لماذا تقتل يا بوش؟).. . . ثم إنتقل الكاتب تودنهوفر الى دراسة وتحليل العلاقة التاريخية بين الغرب والعالم الإسلامي، وبالذات خلال القرنين الماضيين، وخَلصَ إلى أن عنف الغرب وليس عنف المسلمين هو مشكلة عصرنا الحالي، فخلال المائتي سنة الأخيرة، لم يقمْ بلد إسلامي بالهجوم على الغرب ولو لمرة واحدة؛ بل إن القوى من أوروبا الغربية والولايات المتحدةالأمريكية كانت دائمًا هى المعتدية، وأكّد أن الغرب لم يكترث يومًا بحقوق الإنسان ولا بالديمقراطية في الشرق الأوسط.. وإنه كان وما زال يحارب من أجل النفط، وتساءل : كيف يمكن للعالم الإسلامي أن يؤمن بقيمنا حول كرامة الإنسان ودولة القانون والديمقراطية، بينما لا يرى منا إلا الاضطهاد والإذلال والاستغلال؟. . . وبشأن ظاهرة الإرهاب يؤكد الكاتب بالوقائع والأرقام بإن سببه الرئيسي هو الطريقة غير الإنسانية التي يتعامل بها الغرب مع العالم الإسلامي، بدءا من العنصرية الخفية التي تجعل الساسة الغربيين يعتقدون أن المسلم هو من طبقة أدنى من البشر، مرورا بحروب الغرب الإستعمارية ونهبه ثروات البلدان الإسلامية، ويخلص في النهاية الى القول : لن نتغلب على الإرهاب إلا إذا تعاملنا مع الدول الإسلامية بعدل وإنصاف، مثلما نريد ونحب أن يُعاملنا الآخر تمامًا.. . . . إن كتاب تودنهوفر هو صرخة ضمير يطلقها مواطن غربي يؤمن بالإنسانية ويدعو فيها ساسة الغرب ومنظّريه الى نبذ أوهام التفوق والعنصرية والإنفتاح والتفاعل الإيجابي مع شعوب العالم.. . . . – لقد جازف الدكتور تودنهوفر بحياته في السفر الى العراق دون علم قوات الإحتلال، وإلتقى بقادة المقاومة العراقية ونقل مواقفهم وعملياتهم القتالية، وهو أمر عجز عنه كثير من الكتاب (القوميون) العرب. وإستطاع تودنهوفر بهذا الكتاب أن يكسر الحصار الإعلامي في الغرب على المقاومة العراقية، ومطلوب من محبي الحرية وأنصار المقاومة العمل على توزيع هذا الكتاب على أوسع نطاق ممكن، مع التذكير أن ريع الكتاب، أسوة بريع الطبعتين الألمانية والإنجليزية سيذهب الى أهداف إنسانية في مقدمتها معالجة أطفال العراق ضحايا الغزو والإحتلال الأمريكي.. . . بالإضافة : – سبق وأن أصدر الدكتور تودنهوفر كتابين. الأول صدر عام 2003 وعنوانه (من يبكي حقا على عبدول وتانيا) وهو عن نضال الشعب الأفغاني ضد الغزاة وعن معاناة المدنيين العراقيين تحت الحصار. والثاني صدر عام 2005 وعنوانه (أندي ومروة : طفلان والحرب) وهو قصة واقعية عن (أندي) الجندي الأمريكي الشاب الذي دخل الجيش من أجل تحسين وضعه المادي وكان عمره ثمانية عشر عاما وفجأة وجد نفسه ضمن الجيش الذي غزا العراق، وقتل آندي على أطراف بغداد يوم 7/4/2003 وهو لا يعلم لماذا جيء به الى العراق. أمّا مروة فهي فتاة عراقية تسكن احد أحياء بغداد الفقيرة إستهدفت منزلها الطائرات الأمريكية بقنابلها العنقودية، فقتلت أختها الصغيرة وبترت ساق مروة، وكان ذلك يوم 7/4/2003 أيضا. ولتوثيق هاتين الحالتين، كنموذج لجرائم حرب الإدارة الأمريكية، زار الدكتور تودنهوفر مروة وعائلتها وقضى معهم أياما كما ارسل مروة الى ألمانيا للعلاج، وكذلك زار عائلة الجندي أندي في مدينة تامبا الأمريكية وقضى معهم أياما أيضا، ونقل لنا بإسلوب أدبي رفيع ولغة سلسة تفيض إنسانية تفاصيل المأساة الإنسانية للعائلتين نتيجة حرب عبثية قام بها بوش وبلير ضد العراق.. . . . – تحية للكاتب المنصف والمفكر الإنساني الدكتور تودنهوفر بمناسبة صدور الطبعة العربية من كتابه، وتحية لمؤسسة النشر (الدار المصرية اللبنانية) التي بذلا جهدا كبيرا في تدقيق النص وطبع الكتاب وإيصاله الى القاريء العربي..