يعد كتاب "لماذا تقتل يا زيد؟" لمؤلفه الخبير والإعلامي الألماني، "يورجن تودينهوفر"، مقدمة ضرورية لفهم أحداث و حقائق الاحتلال الأمريكي للعراق، و الذي يدخل عامه السادس. فالمؤلف يثير العديد من القضايا الهامة التي تلامس حقيقة وجهة النظر الأمريكية عن الاحتلال، و دور القوات الأمريكية في حجب واقع العراق اليومي، الذي يكتوي بناره المواطن العراقي . "" كتاب "يورجن تودينهوفر"، هو حصيلة زيارته لمدينة الرمادي، غربي بغداد، ومعايشته للمقاومين فيها ولقاءاته الحية معهم. كما يعد فرصة للتعرف عما نقله الكاتب من أحاديث، و معلومات مهمة عن حقيقة الحرب الجارية في المنطقة، لكن من وجهة نظر مغايرة لتلك التي تعبر عنها سلطات واشنطن. وتقول المصادر الألمانية، إن الترجمة العربية للكتاب هي في طور الإنجاز. ترى من هو "يورجن تودينهوفر"؟ وما هي مضامين كتابه عن معاناة العراقيين الحقيقية في ظل الاحتلال الأمريكي؟ "يورجن تودينهوفر" (67 عاما) ، يعمل مديرا تنفيذيا لمجموعة إعلامية أوروبية لأكثر من عشرين عاما. وكان قبل ذلك عضوا في البرلمان الألماني، لثمانية عشر عاما، ومتحدثا رسميا لشئون التنمية والحد من التسليح للإتحاد الديمقراطي المسيحي والإتحاد الاجتماعي المسيحي. كما قام بتأليف كتابين عن الحروب في أفغانستان والعراق، وصلا إلى قائمة أفضل المبيعات. وقد أقام من عائدات الكتابين مأوى للأطفال في أفغانستان، كما يقوم ببناء عيادة للأطفال في الكونغو. وسوف يقوم "يورجن تودينهوفر" من عائدات كتاب "لماذا تقتل يا زيد؟" بتمويل العديد من المشاريع كتقديم مساعدات طبية لأطفال اللاجئين العراقيين من خلال المنظمة الدولية للهجرة. الخفي في الحرب على العراق مؤلف "لماذا تقتل يا زيد؟" يبدأ ب"مقدّمة يعنونها ب"بحثا عن الحقيقة"، و كأنه يريد منذ البداية، أن يطرح أمامنا حقائق لا تراها العين، بسبب هيمنة القراءة الأمريكية للحرب في العراق. ويتحدث المؤلف في فصول كتابه، عن خلفية المقاومة الحالية من خلال صورة موجزة للعامل التاريخي العربي والإسلامي، لا سيما تداعيات وتأثير الاستعمار الغربي للعديد من البلدان العربية . كما يتحدّث عن رحلات الكاتب إلى عدد من البلدان، وخصوصا العراق التي يعتبر الكتاب حصيلة لها. وفي هذا السياق، علق المؤلف للصحافة الألمانية، عن حقيقة الوضع في العراق قائلا : "نحن لا نشاهد الحرب الحقيقية، حيث تقوم القوات الأمريكية في كلِّ يوم بنحو مائة عملية عسكرية ضدّ الشعب العراقي - من هجمات بالقنابل وحملات مداهمة وتبادل لإطلاق النار. نحن لا نشاهد هذه العمليات، لأنَّ وزارة الدفاع الأمريكية ستكون مضطرة لو خرجت هذه العمليات إلى شاشات التلفزة إلى الاعتراف، بأنَّها ما تزال تخوض حربًا ضدّ الشعب العراقي." و بأسلوب فيه تسلسل حكائي ممتع، يستخلص "تودينهوفر" ، بأنّ الجهل بالإسلام والمسلمين منتشر على نطاق واسع للغاية بين غالبية الغربيين، مقابل انتشار المعرفة بالغرب حتى على المستويات "الشعبية" بين العرب والمسلمين. وفي مقابل ذلك، يرى في تحليله للوضع الدولي الراهن، أنَّ سياسة الحرب على الإرهاب التي يتَّبعها الغرب سياسة فاشلة، لأن جل السياسيين الغربيين لم يتعاملوا بجدية مع ظاهرة الإرهاب، والسب في ذلك يعود حسب "تودنهوفر"، إلى أن "معظم السياسيين الغربيين يجهلون العالم الإسلامي، كما أنَّهم لم يقضوا على الإطلاق بضعة أيام لدى أسرة مسلمة، وهم لا يدركون أنَّ هذا العنف الذي يرتد إلينا حاليًا في شكل إرهاب هو في الواقع نتاج ممارساتنا العنيفة". العراق تحت نار الواقع المر الكتاب يضم كذلك استشهادات عديدة، من الإنجيل والقرآن، ويتناول بين طياته قضايا عدة كالعنف والنساء والرقيق. أما الفصل المحوري من الكتاب، فيؤكد على مشروعية المقاومة العراقية للاحتلال الأميركي، مع تبرئتها من الخلط بينها وبين عمليات إرهابية، إضافة إلى نقد التغييب الإعلامي لحقائق ما يشهده العراق. فالخوف الذي صنعته الاعتداءات والممارسات الأميركية مطروح من خلال مواقف عديدة، أحدها على لسان الشاب المقاوم زيد، عندما رفض في البداية أن يتحدث بالتفصيل عن قصته وسبب انخراطه في المقاومة . وحسب المهتمين الألمان بالصراع في الشرق الأوسط، الكتاب هو شهادة حية على حقيقة جميع التعليلات والذرائع التي صرح بها الأميركيون، لشن حرب الاحتلال والتي كانت في حقيقة الأمر، كاذبة من البداية، وأنّ كل كلام عن إرهاب تواجهه القوات الأميركية، هو كلام معكوس، والقليل من الأنشطة الإرهابية ظهرت فجأة في العراق ولم يكن لها أي وجود قبل دخول البطش العسكري الأميركي إلى العراق. أما عن أجواء الانتخابات و دور الحكومة العراقية في زرع بذور الأمل في الواقع العراقي، " تودنهوفر" له رأي مخالف و تحليل مغاير. فهو يقول في حوار أجرته معه جريدة "تاتس" الصادرة في برلين، "إن حقيقة الأمر هو أن العراقيين خلال السنوات الأخيرة وتحت حماية ضخمة من الشرطة، يقومون بإلقاء ورقة الانتخاب في مكان يُسمى صندوق الاقتراع، ويسمح لهم بالانتخاب من قائمة لأسماء لا يعرفون عنها شيئاً، إضافة لذلك فإنهم لا يفيدونهم في شيء ". ويواكب واقع التجاهل و الجهل في عراق اليوم، ماساة أخرى تتعلق بفقر كبير تشهده العديد من المجالات الحيوية. فمؤلف " تودنهوفر" يعري عن حقيقة "توفر أدوية أقل اليوم مما كان عليه قبل الحرب التي شنتها الولاياتالمتحدة و المنافية للقانون الدولي، وكذلك القليل من المياه النظيفة الصالحة للشرب، و المواد الغذائية ذو المواصفات الصحية، و لم يستتب الأمن في معظم مناطق العراق" . ويضيف " تودنهوفر"، مقدما مثالا حيا عن واقع البؤس العراقي : "إن الأب الذي يفقد أطفاله جراء القصف بالقنابل الأمريكية لن يقول: "شكراً، لأجل هذا ينبغي علي الانتخاب". ويأتي مؤلف " تودنهوفر"، في سياق فضح و تعرية ما يقع على ارض الميدان. ففصول الكتاب تشير إلى أن المقاومة العراقية تنفذ في كلِّ يوم نحو مائة عملية عسكرية ضدّ قوات الاحتلال. ويقول الكاتب ، "نحن لا نشاهد هذه العمليات أيضًا، وإلا فلا مناص أمام الإدارة الأمريكية سوى الاعتراف بوجود مقاومة عسكرية قوية ضدّ وجودها في العراق، هذه المقاومة التي تلقى دعما قويا من قبل غالبية الشعب العراقي. وعين " تودنهوفر" اللاقطة لكل ما هو جزئي و كبير في واقع العراق، تتحدث عن معطيات لا تنقلها وسائل الإعلام الغربية . "فكل يوم تنفذ ما بين عمليتين إلى ثلاث عمليات انتحارية إجرامية، يقوم بها إرهابيو تنظيم القاعدة الأجانب المتبقين في العراق، والذين يبلغ عددهم أقل من ألف إرهابي. لكن على الرغم من أنَّ تنظيم القاعدة لم يعد تقريبًا يلعب أي دور عسكري في العراق، إلاَّ أنَّنا نشاهده في كلِّ يوم تقريبًا، لأنَّ الإدارة الأمريكية بحاجة له لكي تدّعي أنَّها تخوض في العراق حربًا ضدّ هذا التنظيم". لكن مصالح واشنطن تظل متعلقة بشكل أساسي بالذهب الأسود. وفي هذا الصدد قال "تودنهوفر " للصحافيين، " في الحقيقة لا تزال الولاياتالمتحدةالأمريكية تحارب مثل ذي قبل من أجل النفط، في حين تعتبر القاعدة مجرّد ذريعة "مفيدة". الكاتب يدعو وبصراحة إلى ضرورة مغادرة القوات العسكرية الغربية العراق وأفغانستان وكذلك الصومال، لأنَّ "الحرب على الإرهاب لن تحسم عسكريًا، بل في قلوب المليار وربع المليار مسلم". "تودنهوفر " لا يتردد في التصريح للصحافة و ووسائل الإعلام في ألمانيا، "بأنه يجب علينا أن نتعامل مع العالم الإسلامي مثلما نريد أن يتعامل معنا الآخرون - باحترام وعدالة ونزاهة. وعندما نتعامل مع العالم الإسلامي كتعاملنا مع إسرائيل بكل سخاء ورحابة صدر، فعندئذ لن يكون في المستقبل إرهاب يتقنّع بقناع إسلامي". كتاب "تودنهوفر" هو كذلك توطئة مهمة لتوضيح أبعاد رؤية الغرب للآخر العربي و المسلم، لكن أية رؤية في نظر المؤلف؟. " إنها نوع من العنصرية الخفية، تتمثل في عقدة التفوق التي لا يقر بها الغرب، فيعتقد كثير من الغربيين في دواخلهم، إن حياة الإنسان الأوروبي أكثر قيمة من حياة أي مسلم. وهذا التفكير ليس غير أخلاقي فقط، ولكنه تفكير أحمق أيضا". http://falsafa.maktoobblog.com