تعتبر مقابر المسلمين من المرافق العمومية ذات الأهمية الإنسانية حيث تجسد احترام الإنسان الميت وصيانة كرامته وحقوقه، كما تشكل جزءا من الفضاء العمومي مما يستدعي تنظيمها على النحو الأمثل حتى تساهم في تعزيز جمالية المدن والبوادي. وأمام حركة التمدن السريعة واتساع المجال الحضري الذي تشهده مدينة الجديدة كباقي المدن المغربية، أصبحت المقابر تطرح مجموعة من الإشكاليات تتعلق بطرق تدبير شأنها والمحافظة عليها.
وإذا كان سوء حالة المقابر ظاهرة تتقاسمها غالبية المدن والبوادي فإن الجديدة تعيش حالة الاستثناء،إذ تعاني من ضيق مساحة المقابر حيث من المتوقع أن تصل إلى حدها الأقصى في ما يتعلق بطاقتها الاستيعابية بعد سنة أو سنتين على أكثر تقدير، بعد عجز المجلس البلدي في إيجاد أرض تحتضن الموتى إكراما لهم ، بل إن بعض مقابر عاصمة دكالة قد أغلقت بسبب عدم قدرتها على استقبال مزيد من أموات المسلمين كمقبرة سيدي موسى التي مازالت تعيش العشوائية في دفن الموتى دون احترام لحرمتها في ظل التجاهل التام للجهات المسؤولة،ومن المنتظر أن تلقى مقابر أخرى نفس المصير كمقبرة "سيدي بوزيد أو سيدي بووافي" حيث أنه لا يمكن لهذه المقابر أن تصمد لأكثر أمام التدفق الكبير للأموات حيث تستقبل خمسة عشر نعشا يوميا،أنه لا يعقل بأي حال من الأحوال اعتبار المقابر مجالا " ميتا " لمجرد أنه يأوي "الموتى"، بل جزءا "حيا" من المشهد العام داخل المدينة.
هذه الوضعية الكارثية مازالت تعيش التجاهل من طرف المجلس البلدي على الخصوص من أجل البحث عن حلول عاجلة للاستجابة للطلب المتزايد على أماكن الدفن في ظروف إنسانية تليق بحرمات المقابر.
ولعل إهمال صيانة مقابر المسلمين في ظل غياب الأمن وتفشي حالة من التسيب والفوضى شكل ظاهرة ملفتة، ينتقدها زوار المدافن معبرين عن عدم الرضى جراء الوضع العام الذي تعانيه. كما قالت احدى السيدات في حديث مع " الجديدة24 " "كندخلوا للمقبرة بحال ايلا داخلين لمزبلة".
كما أن مقابر بالجديدة لا تتوفر على أبوب أو حتى أسوار عالية تحفظها من عبث المتشردين. أعمال يصفها المواطنون بالبشعة لكونها تصب جميعها في خانة انتهاك حرمة المقابر، في خرق سافر لمبدأ الحفاظ عليها وصيانتها. رغم أنها تندرج في إطار المقدسات الإسلامية، فعدم الاهتمام الذي يطالها من طرف المسؤولين يجعل التساؤلات مطروحة حول السبب وراء التنصل من أداء مهامهم، خاصة أن وزارة الأوقاف بدورها تعتبر وصية من الناحية الروحية على ملف المقابر بالمغرب، كما أن الحفاظ عليها وصيانتها يدخل في إطار المهام المسنودة للمجالس الجماعية المنتخبة والتي ترصد ميزانيات جد ضئيلة لا تتجاوز 0.5%.
القانون الجنائي يجب تفعيله: يعاقب القانون الجنائي المغربي كل من تسبب في انتهاك حرمات المقابر، حسب الفصل 268 "يعاقب بالحبس من سنة لسنتين وغرامة مالية من 200 إلى 500 درهم كل من لوث المقابر بأي وسيلة أو قام بالتغوط أو التبول". أما الفصل 271 فالعقوبة تصل إلى 5 سنوات بالنسبة لكل شخص لوث أو مثل بجثة أو ارتكب عليها عملا وحشيا".كرد صريح للاعتبار إلى مقابر المسلمين والتي هي في وضعية جد كارثية والتحسيس بضرورة الحفاظ على حرمتها.
هذه جملة من الواقع المر الذي تعيشه مقابر المسلمين بالجديدة والتي ترتبت عنها انعكاسات سلبية في الواقع أهمها تلكؤ الجهات المسؤولة عن إحداث وتجهيز وتسييج وصيانة المقابر الإسلامية.