يتوفر المغرب على مواقع أثرية مهمة، صنفت منهاتسعة مواقع في لائحة التراث العالمي، وكان للمدن العتيقة النصيب الأوفر من هذا التصنيف، وعلى اعتبار التراث أحد الركائز الأساسية التي يعتمد عليها المغرب في التنمية السياحية، قامت الجهات المسؤولة عن التراث بالمغرب بسن سياسات وقوانين جديدة من أجل النهوض بالمواقع الأثرية،إضافة إلى إنشاء مؤسسات ومصالح مختصة بالنسيج العتيق في مجال التدبير وإصلاح المشهد الحضري وذلك بإعادة تنظيم المجال والرفع من المستوى الاجتماعي لسكان المدن العتيقة. ويأتي اهتمامنا بموضوع: " واقع المدينة العتيقة بآزمور وآفاقها في ظل برنامج إعادة رد الاعتبار" في إطار محاولة التفكير في إشكالية المدن العتيقة الذي أضحى يفرض نفسه بإلحاح داخل المجال المغربي. لقد شهدت المدينة العتيقة بآزمور تحولات مجالية عارمة، أدت إلى تدهور إرثها التاريخي، ونسيجها العمراني. وأصبحت تعيش وضعا اجتماعيا هشا؛ يتمثل في ارتفاع الكثافة السكانية وتدني المستوى الاجتماعي والاقتصادي للسكان، وقد أسهم هذا الوضع في تكثيف الضغط على الإطار المبني الذي شهد في هذه المرحلة بداية مسلسل التدهور والتلاشي في غياب مبادرات الصيانة والترميم، إذ أن أعمال الصيانة التي باشرتها شركة العمران بتنسيق مع المجلس البلدي لمدينة آزمور، في إطار برنامج إعادة رد الاعتبار داخل المدن العتيقة تركزت بالخصوص على المؤسسات والبنايات العمومية
إن معاينة واقع المدينة العتيقة اليوم، يكشف عن مجال هش وهامشي، مجال تسجل به أعلى الكثافات السكانية500 نسمة في الهكتار. ويعرف أكبر عدد من الدور المتدهورة. وهو مايقارب 296 منزلا مهددا بالسقوط من أصل 739منزلا،. مما يعني نصف المساكن قد تدهورت على مدى ثلاثة عقود من الزمن . فما هو مصير باقي المساكن في العقود القادمة؟ إن لم تطل هذه المباني عمليات الترميم والإنقاذ اللازمة من لدن الجهات المسؤولة، وتتبع ملف إعادة رد الاعتبار ومراقبة وزجر كل عملية إصلاح أو هدم غير قانونية.وتفقد به الذاكرة التاريخية جزءا من تراثها، وتخدش في كثير من أجزائها عبر تخريب كل ما هو قديم، الشيء الذي يؤدي إلى تدهور الإرث المعماري وطمس التراث الثقافي. إن المدينة العتيقة بآزمور أصبحت محصنا للفقراء، وفق ما أبرزته نتائج أبحاث ميدانية. وهو ما يزيد من تعميق وتعقد أزمتها، إذ لا يمكن أن نتصور إنقاذ الإطار المادي للمدينة دون انقاد عمقها الاجتماعي. فالفقر والهشاشة الاجتماعية أصبحا ميزتين تتسم بهما المدينة العتيقة.إن أي تقييم لتجربة رد لاعتبار لمدينة آزمور لا بد وأن يستحضر العمق التاريخي لهذه المدينة والتراكم الذي حصل عليها على مر العصور والذي أسهم في تسارع مسلسل تدهور إطارها المبني وفي تدهور بيئتها الحضرية وفي خلق واقع اجتماعي يتسم بالفقر والهشاشة و تعود أسباب التدهور إلى مجموعة من العوامل؛ بعضها داخلي يتمثل أساسا في هشاشة الإطار المبني الذي أصبح متقادما، وغير قادر على الاستجابة لحاجيات الساكنة المحلية المتزايدة باستمرار، وأخرى خارجية لها علاقة بسلوكات وعادات المهاجر القروي الذي يتراجع عنده الإحساس بتملك المجال وبالتالي التكفل به،. فارتفاع عدد السكان خاصة في فترة السبعينات أدى إلى المزيد من الضغط على المجال المبني، الشيء الذي أدى إلى تدهوره . كما ساهمت الهجرة القروية في تنامي ظاهرة التساكن مما أدى إلى تدهور السكن القديم، ليفسح المجال أمام تنامي السكن العصري، وبالتالي فقدان المدينة لأهم معالمها الحضارية. كما ترجع اسباب التدهورإلى ضعف البنية التحتية وتقادمها وخاصة شبكة الماء الصالح للشربى الذييرجع تاريخ إنشائها الى 1948، إد أصبحت متلاشية ومتآكلة مما جعلها عرضة لأعطاب متكررة، وهذا ما وقع مؤخرا ؛ حيث سقطت ثلاثة مساكن بدرب الفوقاني من جراء تسرب المياه لمدة طويلة تحت الجدران،وتسبب أيضا في تشققات لجدران المنازل المجاورة له مما اضطر السكان لإخلاء منازلهم
فإلى جانب الوظائف التقليدية التي انقرضت، أصبحت المدينة العتيقة منتوجا سياحيا يتم تفويت مساكنها التاريخية ورياضاتها إلى أجانب من جميع أنحاء العالم تقريبا، عملوا على ترميمها وتحويلها إلى مساكن ثانوية أو دورا للضيافة. هذه الوضعية جعلت المدينة تحمل في طياتها كل مؤشرات عدم التوازن على جميع الأصعدة، وهي مرشحة للتفاقم أكثر، إن لم تستوعب كل الأطراف المعنية عواقبها وتعمل بشكل تضامني للحد منها.
ولإنقاذ المدينة العتيقة بآزمور من هذا الوضع المتأزم، تم وضع برنامج إعادة رد الاعتبار على أساس مقاربة تشاركية بين عمالة إقليمالجديدة، وبلدية آزمور، وشركة العمران وإغفال الجمعيات المحلية والجهوية. وهو مشروع سوسيو اقتصادي مندمج يهدف إلى إعادة ترميم المدينة، واستغلالها سياحيا عبر إحياء الحرف التقليدية العتيقة.وتضمن برنامج إعادة رد الاعتبار الذي بدأ العمل به مند سنة2001عدة مشاريع منها ما تم إنجازه مثل:
هدم البنايات الفارغة إلى تشكل خطرا على الساكنة . إنجاز التجهيزات الأساسية وتهيئة الهوامش . رد الاعتبار للمعالم ذات الأهمية المعمارية مثل القبطنة التاريخية. تدعيم وإصلاح أسوار المدينة العتيقة تهيئة المحيط المجاور للساحات. تهيئة المسار السياحي. و مشاريع أخرى تم الاستغناء عنها لأسباب وعوامل، سنتطرق إليها في مقال لاحق.
لكن ورغم أهمية مشروع إعادة رد الاعتبار وماتم أنجازه على مدى إثنى عشر سنة؛ فواقع المدينة العتيقة مازال ينطق بكل عبارات التدهور والتلاشي، وهو ما يفرض تكثيف الجهود لمواكبة مسلسل التدهور والسعي إلى معاكسته."لكن أية جهود تبدل وتكثف لمعاكسة القدر المحتم على هذه المدينة التي ذاقت مرارات التهميش؛ ومرارات مشاهد؛ ومسلسلات التدهور الناجمة عن أزمة أفكار من يدبرون أمورها. أولئك الذين لم يفوا بالعهود التي نسجوها لهذه المدينة المؤرقة،.فأزمة أفكارهم جعلتهم يقبعون على كراسي التسيير دون الاكتراث بالأبعاد الجمالية والحضارية والجغرافية لهذه المدينة. إدريس ديباحي باحث جغرافي