في بداية مسيرتي المهنية كمحامي رسمي خلال نهاية التسعينات، كان من ضمن الملفات التي تعاطفت معها بشكل كبير، ملف فتاة صغيرة تعرضت للاغتصاب الثابت والمعترف به من قبل الفاعل، انتهى بافتضاض وحمل، نتج عنه ولادة أنثى، أدانت المحكمة المتهم وحكمت للمغتصبة، بتعويض بسيط، بعد أن أصبح القرار حائزا لقوة الشيء المقضي به، تقدمت بدعوى لقضاء الاسرة من أجل استجلاب رحمة المحكمة الأسرية وتشغيل ماكينة اجتهادها الذي يمكن أن تؤسس لتوجه عادل مطلوب أو يطفئ ضواء زائفا، أشعله فانوس يتغذى بزيت فاسد وطاقة غير منصفة ، وتقدمت بدعوى رامية إلى إثبات نسب هذه البنت الناتجة عن فعل جرمي متمثلا في فعل اغتصاب إلى المغتصب، حتى يمنحها نسبه ولا تكون مجهولة الأب لأنها معلومة النسب والأب ، وحتى يُلزم الاب المغتصب بأداء النفقة عن البنت التي تولدت عن فعله، لكن الحكم لم يفاجئني، لأنه وقتها لم تكن الظروف بعد قد تهيأت بشكل أكبر، والأصوات العقلانية التي ترفع صوتها قائلة اللهم إن هذا منكر ، والتي تجتهد بشكل كبير ومصلحي دون أن تخالف آية قرآنية صريحة وثابتة الدلالة، فقد كان الحكم هو رفض الطلب، استأنفناه فكان مصير هذا الحكم هو التأييد ، ولم أسعى لطلب النقض فيه ، لأنني كنت مقتنع بأن الغرفة الشرعية لا يمكنها أن تخرج عن توجه المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف ، لأن توجهاتها حافظة بشكل غير معقول ولا يمكن أن يتوافق مع ما يعرفه العالم من تغيرات وما تعرفه حقوق المرأة والرجل من تقدم وتغييرات جوهرية في كل وقت وحين ، وأعرف أن قضاتهم يحفظون قاعدة ، الولد للفراش وللعاهر الحجر ، وبعضهم القضاة منهم أو أغلبهم يعلمون ، أن الفقهاء الذين كانوا يعبدون هذا الحديث ، بعضهم ومنهم قدامة قال ( حتى لو أن امرأة أتت بولد وزوجها غائب عنها منذ عشرين سنة لحقه ولدها ). فلو أينينا برجل أو امرأة أمية في عصرنا الحالي ، وقلنا لأحدهما ، رجل غاب عن زوجته عشرين سنة ، وولدت ، هل ننسب الولد للزوج الغائب ، لقالوا لنا ما هذا العبث هل تتكلم بصدق أو تمازحنا ، نعم عشرات الاحكام حكمت بذلك منذ قرون ، ومع الأسف مازالت بعض محاكمنا تحكم بذلك ولن نذهب بعيدا ، ونذكر بقرار قضائي يعتبر وصمة عار على جبين القضاء المغربي ، ومن هذا المنبر أدعو المسؤولين إلى محاولة تدخل السيد وزير العدل أو الوكيل العام لمحكمة النقض للطعن في هذا القرار وإصلاح الزلة التي وقع فيها قضاتنا الاجلاء ، وهي حين اجتمعت غرف محكمة النقض جميعا في منتصف العشرية الاولى من القرن 21 ، لرفض طلب رجل مغربي مهاجر بفرنسا ، أثبت القضاء الفرنسي والخبرة المنجرة بفرنسا ، أن البنت الذي ادعت الزوجة أنها بنته وطلبت نفقتها بفرنسا ، وبعد أن أثبت الزوج أنهم مفترقان وأنكر نسب البنت ,ان المعاشرة الزوجية بينهما منعدمة ، وبعد أجراء تحليل الحمض النووي على الأطراف والولد، ثبت بالخبرة أنها ليست من صلبه ، فرضت المحكمة دعوى النفقة التي رفعتها الزوجة ضد زوجها، بعدما أثبت الخبرة أن الرجل ليس أب الولد المطلوب نفقته، كان هذا حكم النصارى ، ولكن الزوجة تم نصحها بالتوجه لمحكمة الجديدة ، ورفع دعوى النفقة فقط بالاعتماد على عقد الزواج ونسخة من عقد ولادة البنت ، فتقدت الزوجة بدعوى النفقة أمام لمحكمة الابتدائية بالجديدة ، وبعد توصل الزوج أجاب الزوج عن الدعوى، وطلب رفض طلب الزوجة وأدلى بأحكام رفض طلبها بفرنسا، وبالخبرة الجينية التي أجراها مختبر فرنسي بأمر من المحكمة التي تؤكد أن الولد ليس له، وطلب أساسا رفض طلبها واحتياطيا إجراء خبرة جينية للتأكد من أن الولد ليس من صلبه، فما كان من محكمة الدرجة الأولى إلا أن حكمت عليه بنفقة الولد، مرتكزة على القاعدة الفقهية المشهورة الولد للفراش وللعاهر الحجر، فاستأنف الحكم وأرغد وأزبد في مقال استئنافه داعيا العدالة إلى أن تفتح عيونها المغمضة وترى الحق الذي يتراقص أمامها وهو عاري شفاف لا ملابس تحجب لحمه وشحمه، فغضت محكمة الاستئناف الطرف عن منطقه السليم والمعقول والقانوني واتكأت على أقوال السلف وقضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم الابتدائي فاستشاط الرجل غضبا، مناجيا سواكنه وناقلا حرقته واحتجاجه للأصدقاء والمعارف، هل يمكن لعدالة البلد أن ترى الحق متلألأ بين أوراق الملف، وتنحرف عنه وترتمي في حضن الباطل الصُراح وتعلل حكمها هذا بحديث، لا يمكن أن يتم اعتماده في عصر الخبرات الجينية والتطور العلمي الذي يعطي كل صاحب حق، حقه، ويزهق كل باطل، فقال لا بأس سأتوجه إلى أعلى مؤسسة قضائية بالبلد، لأطعن في قرار محكمة الاستئناف، وكله أمل في أن هذه المحكمة وهي محكمة قانون ومؤسسة قضائية وظيفتها تفسير ما استشكل على قضاة الموضوع وما انتاب النصوص القانونية من غموض، وتجتهد في حل النوازل التي لا نصوص قانونية تنظمها وتحددها، معتقدا أنها سترجع الأمور إلى نصابها، وتحكم بالحق وتُزهق الباطل، لكن هذه المحكمة كان لها رأي آخر، وفي ثقة كبيرة بتوجهها، ورسالة واضحة لكل من يريد أن يخرج عن توجه السلف الذي تم تسطيره قبل قرون وسار على طريقه السلف، حتى ولو أثبتت الدنيا كلها والعلم بكل تقنياته أنه توجه خاطئ، وعوض أن تبث محكمة النقض في هذه القضية بغرفة واحدة، ويمكن أن نقول أن قضاة هذه الغرفة قضاة يمكن أن يخطؤوا، ويمكن للمتضرر أن يطعن في حكمهم بإعادة النظر، ويطلب أن تعرض قضيته على غرفتين أو مجموع غرف محكمة النقض، فوجئ هذا الزوج المسكين الذي يحمل بين يديه حكما فرنسيا رفض نفقة الولد لأنه ليس من صلبه بالخبرة الجينية التي أثبتت ذلك، وأبدى استعداده ليجري خبرة جينية أخرى ببلده المغرب، بأن كل غرف محكمة النقض الستة تجتمع لتقول له هذا الحكم الفرنسي وتلك الخبرة الجينية العلمية التي يمكنها أن تخطأ بنسبة صفر فاصلة صفر.... في المائة لا تساوي جناح بعوضة أمام قاعدة الولد للفراش....، ولو غاب الزوج عن الزوجة في سفر أو مرض، ويصدر قرار بغرف المجلس الأعلى مجتمعة رافضة طلبه، وتُقر، حُكم النفقة التي تلزمه بالنفقة، أحكام القضاء المغربي، عن ولد أثبتت الخبرة الجينية الفرنسية والقضاء الفرنسي، أنه ليس من صلبه، ولكن أعتقد أن التوجه الجديد الذي عبر عنه السيد رئيس محكمة النقض الدكتور عبد النباوي محمد أخيرا، تشي بأن أمورا كثيرة تجري وستجري تحت الجسر، وبأن محكمة النقض ستبدأ في الاعتماد مستقبلا على الوسائل العلمية وهي رسالة واضحة تعني بأن توجه الولد للفراش وغيرها من التوجهات التي تكون معارضة ومختلفة مع الوسائل العلمية الحديثة في الإثبات لن يكون لها مستقبلا مكان في قرارات محكمة النقض والمحاكم المغربية، فقضاتنا بمختلف المحاكم يجب أن يحكموا بأدوات اليوم ومفاتيح العلم الحديث، ويستبعدوا كل قاعدة أو مبدأ فقهي قد يتعارض معها، لأن ذلك سيصيب الدين في مقتل، ويجعل إيمان من يسلب حقه بمثل هذه القواعد التي يثبت ضعفها وباطلها هشا وضعيفا. فخدمة الدين والموروث الثقافي الإسلامي يكون بالحكم بالحق ورد الباطل كلما ثبت بأي وسيلة كانت وأوثقها وأَأمَنِها هي الوسيلة العلمية، ولا يكون بالتشبث بقواعد يظهر للقاضي أنها لا تعكس الحق ولا تعكس عدالة ومع ذلك يتمسك بها، لأنه وجد شيوخه من القضاة عليها يسيرون على ديدنها. ولنرجع الى خرافنا كما يقول الفرنسيون، مجموعة من الفتيات المغتصبات ، وينتج عن الاغتصاب حمل لا يعترف القانون المغربي ولا يجتهد القضاء المغربي في نسبة المولود الناتج عنه للأب المغتصب ، ولا يبقى الولد الناتج عن فعل إجرامي بدون نسب وبدون نفقة ، فهل هذه الوضعية عادلة لا تحتاج منا إلى تدخل تشريعي عاجل في مدونة الاسرة، لجعل نسب هؤلاء ثابت بعد إجراء خبرة جينية في حالة إنكار المغتصب للفعل ، وإلزامه بعد ذلك بواجبات نفقة وحضانة وسكنى هذا الولد، أم أن المشرع سيستمر في غض الطرف عن هذا المشكل الحقيقي الذي يسلط الضوء على ظلم كبير وخطير يقع على هؤلاء المغتصبات فهم من جهة يغتصبن وقد تفتض بكارتهم بالقوة أو بدون رغبة منهم ، وقد ينتج عن فعل الاغتصاب حمل قد تكون نتيجته ولادة ولد، وهذه المغتصبة كل ما ستغنمه من هذه الجريمة تعويض بسيط وسجن للمغتصب لا يمكن أن يحل مشاكلها المستقبلية من خلال نظرة المجتمع لها كفاقدة لبكارتها، وأم لولد بدون نسب وبدون زواج ، ولا يمكن أن يجد لها حلا مع نفقتها اليومية مع الولد الذي نتج عن حمل كان بفعل الاغتصاب ولم يكن بإرادتها، فالنتائج الكارثية المترتبة عن الفتاة التي تعرضت للاغتصاب من فقدان البكارة وانتشر خبر اغتصابها بين العامة والخاصة ، والذي يمكن أن يقلل لها من فرص زواجها، لأنها ستُلصق بها علامة مغتصبة وأم لولد بدون نسب، عكس المُغتصب الذي وإن كان المشرع الجنائي يحكم عليه بالسجن والتعويض الذي يكون بسيطا في الغالب ، فإن النوص القانونية لم الأخرة ومنها الأسرية لم قاسية معه ، فلم تحمله مسؤولية فعله المجرم الغير القانوني، وما نتج عنه من ولد ، وأعفته من نسبة نطفته المنوية التي زرعها في رحم مغتصبه بالقوة وبدون إرادتها لن تنسب إليه بعد أن يكتمل نموها وتخرج للوجود ، ولن ينفق على ولد هو من صلبه يراه يكبر أمامه دون أن يلزمه القانون ولا اجتهاد القضاة بالنفقة عليه ، وبهذا يظهر لي أن القانون الجنائي إدا كان يعاقب هذا الفاعل على فعله الجرمي، فإن عدم تمام أو نقصان النص الجنائي أو غياب النص القانوني في مدونة الاسرة مثلا ، التي ستُلزم المُغتصب سواء بإقراره أو بعد حكم قضائي يعتمد على خبرة جينية ، بنسب الولد الناتج عن اغتصاب للأب المغتصب، وإلزامه بالنفقة عليه ، يفاقم من هذه المشكلة التي أصبح إيجاد حل تشريعي لها واجبا وطنيا، وذلك من خلال التنصيص على هذه المقتضيات في القانون الجنائي ، مع السماح للقاضي الجنائي استثناء بالحكم في هكذا حالات بنسب الولد للمغتصب و تحديد واجبات النفقة والحضانة والسكنى على الأب المغتصب. لأن القضاء الجنائي تكون أحكامه أسرع، وإن تعذر ذلك التنصيص عليها في مقتضيات في مدونة الأسرة. وللتذكير فقط فإن قانون الالتزامات والعقود المغربي، نص في الباب الثالث المتعلق بالالتزامات الناشئة عن الجرائم وشبه الجرائم في الفصلين 77 و78 يتكلم عن التعويض الذي يمكن الحكم به للمتضرر من جرائم الاغتصاب التي يمكن أن ينتج عنها ولادة ولد ، وتكلمت عن إمكانية استفادة المتضرر من التعويض المادي والمعنوي، وفيما قبل كان بإمكان القضاة أو حتى الآن، أن يجتهدوا ويعتبروا أن نفقة الولد وواجبات سكناه وحضانته تدخل في باب التعويض، ويعتبرون أن التعويض يمكن أن يكون واحدا ونهائيا أو يمكن أن يكون مقسما على شكل دفعات شهرية أو ربع سنوية أو نصف سنوية، ويقيسون في استنباط اجتهادهم من بعض التعويضات التي يحكم بها لضحايا حوادث الشغل مثلا، وتكون مستمرة وعلى شكل إيراد، وهنا يجب أن لا ننسى الحكم الابتدائي الصادر عن المحكمة الابتدائية بطنجة في الملف عدد 1391/1620/2016، بتاريخ 30/01/2017 حكم عدد 320 ، الذي تتلخص وقائعه في كون امرأة تقدمت سنة 2016 بدعوى أمام قسم قضاء الأسرة بطنجة ،عرضت فيها أنها أنجبت بنتا من المدعى عليه، خارج إطار الزواج، وأن الأب رفض الاعتراف بها، رغم أن الخبرة الطبية أثبتت نسبها إليه، ملتمسة من المحكمة، الحكم ببنوة البنت لأبيها، وطلبت أن يؤدي لها نفقتها من تاريخ ولادتها. وأجاب المدعى عليه بكون طلب المدعية غير مؤسس قانونا، معتبرا أن الخبرة الطبية المدلى بها في الملف، وان أثبتت العلاقة البيولوجية بينه وبين البنت، فإنها لا تثبت العلاقة الشرعية، وبأن النسب في مدونة الأسرة يثبت بالزواج الشرعي، وبأن البنوة غير الشرعية ملغاة للأب، ولا يترتب عنها أي أثر. وقد أدلى بحكم جنحي قضى بإدانته من أجل جنحة الفساد مع المدعية ملتمسا رفض الطلب. ولكن الهيئة التي حكمت في الملف وهي هيئة مكونة من قضاة شباب، حكمت بثبوت نسب البنت للأب البيولوجي، وحكمت للولد بتعويض قدره مائة ألف درهم، معتبرة أن النفقة لا يحكم بها إلا إن كانت هناك علاقة شرعية، وارتكز تعليلها على ما يلي: ارتكز على الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب مع العلم أن الدستور المغربي يجعل هذه الاتفاقيات في رتبة أعلى من القوانين المغربية: وعللت ذلك بقولها يؤخذ من الفقرة الأولى من المادة الثانية من اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب بتاريخ 21/6/1993 أن القضاء يتوجب عليه إيلاء الاعتبار الأول لمصالح الأطفال الفضلى عند النظر في النزاعات المتعلقة بهم. وعللت كذلك بلتنصيص على أن المادة 7 من نفس الاتفاقية على أن الطفل يسجل بعد ولادته فورا ويكون له قدر الإمكان الحق في معرفة والديه وتلقي رعايتهما. وتنص الاتفاقية الأوروبية بشأن حماية حقوق الطفل الموقعة بستراسبورغ بتاريخ 25/1/1996 والتي صادق عليها المغرب بتاريخ 27/3/2014، في الفقرة الأولى من المادة السادسة على ما يلي: "في الإجراءات التي تشمل الطفل – تقوم السلطة القضائية – قبل اتخاذ القرار: 1. بدراسة هل لديها معلومات كافية تحت يدها من أجل اتخاذ قرار في صالح الطفل، وعند الضرورة – الحصول على معلومات إضافية ". وتنص المادة السابعة من نفس الاتفاقية والمتعلقة بواجب العمل بسرعة على أن " في الإجراءات التى تشمل الطفل، تعمل السلطة القضائية بسرعة لتجنب أي تأخير غير لازم، وتكون الإجراءات مناسبة لضمان تنفيذها على وجه السرعة، وفي الحالات العاجلة تكون للسلطة القضائية الصلاحية، متى كان ذلك مناسباً، لاتخاذ القرارات التي تنفذ على الفور". وعللت كذلك حكمها بالاعتماد على الدستور المغربي: فعللت بأن الفقرة الثالثة من المادة 32 من دستور 2011 تنص على أن: "الدولة تسعى لتوفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية بصرف النظر عن وضعهم العائلي". وانطلاقا من هذه النصوص، قضت المحكمة: 1- بخصوص النسب قضت المحكمة بثبوت البنوة بين الطفلة وبين المدعى عليه اعتمادا على نتائج الخبرة الطبية التي أثبتت العلاقة البيولوجية بينهما، مميزة في هذا الصدد بين البنوة والنسب الذي لا يؤخذ به وبمفاعيله إلا في حال البنوة الشرعي. 2- بخصوص النفقة رفضت المحكمة طلب المدعية بتحميل المدعى نفقة البنت، وعللت المحكمة قرارها بكون النفقة من آثار النسب الشرعي. لكنها وفي سابقة أعملت قواعد المسؤولية التقصيرية لتلزم الأب البيولوجي بدفع تعويض للمدعية نتيجة مساهمته في إنجاب طفلة خارج إطار مؤسسة الزواج. وقد جاء في حكم المحكمة: "حيث يؤخذ من الحكم الجنحي عدد 4345 بتاريخ 2016/03/16 في الملف 278/16/2012 الصادر عن هذه المحكمة أن المدعى عليه توبع من أجل جنحة الفساد، وأدين بشهر واحد موقوف التنفيذ، وهو الحكم الذي أصبح نهائيا بعد تأييده استئنافيا. وحيث لما ثبتت المسؤولية الجنائية للمدعى عليه بارتكابه للفعل الجرمي المذكور والذي نتج عنه ولادة الطفلة تكون العناصر القانونية لقيام المسؤولية المدنية ثابتة في نازلة الحال، وفقا لما ينص عليه الفصل 77 من قانون الالتزامات والعقود الذي جاء فيه: كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار ومن غير أن يسمح به القانون، وأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، ألزم مرتكبه بتعويض عن الضرر، اذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر". وهكذا ارتأت المحكمة بعد ثبوت علاقة البنوة بين البنت والمدعى عليه، وما يستلزمه ذلك من رعايتها والقيام بشؤونها ماديا ومعنويا والحفاظ على مصالحها كمحضونة، وما يتطلبه ذلك من مصاريف أن تمنح المدعية تعويضا يحدد في مائة ألف درهم". وإذا كان هذا الحكم الذي اجتهد فيه قضاته، في نسب طفل ثبت نسبه للأب بخبرة جينية لا تقبل الشك، وكان هدفهم تشوف جيل من القضاة الشباب لنسب الأطفال حتى ولو كانوا نتيجة علاقة فساد لآبائهم ، ومؤمنين بأن هذا الولد ليس له أي ذنب أن يُحرم من نسبه عن فعل هو في نظر الشرع علاقة غير شرعية وفي نظر القانون مجرم ، ارتكبه رجل وامرأة، متى تأكد من نسبه، وبالتالي فلا يمكن لطفل أن يحرم من نسبه متى تأكد وعُرف الأب بيقين، لأن الطفل لا يمكن أن يعاقب بجرم لم تكن له يد فيه ، ولا أن يواجه بنتيجة فعل جرمي لم تكن له يد فيه. ولكن مع الأسف هذا التوجه الذي رفع الراية التي تُشهر قاعدة ( إن الشرع متشوف لإثبات النسب )، تم إلغاؤه وفقط اعتمادا، على الحديث المشهور بين قضاة الأحوال الشخصية، والذي يقول : ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) مكتفين بأخذ هذا الحديث على إطلاقيته دون معرفة إطاره التاريخي الذي خرج فيه ، والذي يجعل تطبيقه على كل الحالات المتعلقة بالنسب زلم في الطفل الذي يريد الأب أن ينكر نسبه له ، قبل أن يكون ظلما في حق المرأة ، فنص هذا الحديث جاء فيه : عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( اخْتَصَمَ سعد بن أبي وقاص، وعبد بن زَمْعَةَ في غلام: فقال سعد: يا رسول الله، هذا ابن أخي عتبة بن أبي وقاص، عهد إلي أنه ابنه، انظر إلى شبهه، وقال عبد بن زمعة: هذا أخي يا رسول الله، وُلِدَ على فِرَاشِ أبي من وَلِيدَتِهِ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شَبَهِهِ، فرأى شَبَهًا بَيِّنًا بعتبة، فقال: هو لك يا عبد بن زمعة، الولدُ لِلْفِرَاشِ ولِلْعَاهِرِ الحَجَرُ. واحْتَجِبِي منه يا سَوْدَةُ. فلم يَرَ سَوْدَةَ قَطُّ ). فالواقعة كانت هي تنازع شخصان أمام الرسول صلى الله عليه وسلكم حول، نسب ولد، صاحب الفراش يدعي أنه ابن الزوج، والأخر يدعي أن أخوه قال له بأنه ابنه، مُزكيا ذلك بشَبَهِه لأخيه، ولكن الرسول حين نظرا إلى الولد ونظر للمتنازعين ووجد شبها للولد بمن ولد على فراشه، فنسبه إليه، وقال قولته هذه ، التي أصبحت مشجبا يُعتمد عليها لحرمان عشرات الألاف من الأطفال من نسبهم، حتى بعد ثبوت الخبرة واعتمادا فقط على هذه القولة التي كانت بين شخصين، واعتمدت بالإضافة على الفراش ( الزواج ) على الشبة الذي كان يتم فيه التخمين فقط عكس الخبرة الجينية التي أصبحت يقينية في إثبات النسب. مسك الختام أن استمرار في إدارة الظهر من طرف المشرع المغربي، أو القضاء المغربي، للأبناء الذين يولدون نتيجة اغتصاب وقع على أمهاتهم، وعدم نسبة هؤلاء الأطفال إلى المُغتصب، وإلزامه بمنحهم نسب الأب وإلزامه بالإنفاق عليهم، كالولد الذي كان نتيجة علاقة عادية، سيعتبر ظلما نلحقه بهؤلاء الأطفال الذين لا يد لهم في ما وقع من جريمة اغتصاب اتجاه أمهم ، وسيكون ورقة مكافأة منحها المشرع المغربي سابقا لهؤلاء المجرمين ، في عدم نسبة الولد الذي كان بسبب اغتصابهم لأنثى ، وإعفائهم من نفقة هذا الابن الذي كان نتيجة لعمل إجرامي للوالد. وحتى يستدرك المشرع المغربي الظلم الذي لحق بالأولاد الذي ولدوا بعد تعرضت أمهاتهم لاغتصاب، على المشرع المغربي، أن يجعل حق نسبتهم للأب المغتصب وحقهم في الحصول على هذه النفقة يكون بأثر رجعي، حتى يكفر المشرع المغربي عن عشرات الأطفال الذي حرمهم فراغ تسريعي وتحفظ أو خوف قضائي من النسب والنفقة. الأستاذ رشيد وهابي المحامي بهيئة الجديدة. .