أسقطت محكمة النقض حكما صادرا عن المحكمة الابتدائية بمدينة طنجة، أقر نسب طفلة لوالدها بعد أن كانت ثمرة علاقة "غير شرعية". فبعد مرور حوالي ثلاث سنوات من صدور أول حكم على صدور أول حكم قضائي بالمغرب يقر ببنوة الابنة لأبيها البيولوجي، ويلزمه بدفع تعويض لأمها، حسمت محكمة النقض المغربية موقفها من هذه القضية حيث أيدت قرارا استئنافيا قضى بإلغاء الحكم الابتدائي. وتعود تفاصيل القضية لسنة 2016، حيث تقدمت امرأة بدعوة أمام قسم قضاء الأسرة بطنجة تؤكد فيها أنها أنجبت من المدعى عليه بنتا بتاريخ 27/11/2014 وأنه يماطل في الاعتراف بنسبها، رغم ثبوته بمقتضى خبرة جينية. والتمست المدعية من المحكمة الحكم ببنوة الطفلة لأبيها، والحكم عليه بأداء نفقتها وأداء تعويض مالي، معززة طلبها بعقد ازدياد البنت، وتقرير خبرة طبية صادر عن الشرطة العلمية. من جهته، أكد المدعى عليه أن الحمل الذي تدعيه السيدة ناتج عن علاقة فساد، وأن المحكمة الابتدائية قد أدانته من أجل جنحة الفساد بشهر موقوف التنفيذ وأن طلبها غير مؤسس قانونا، على اعتبار الخبرة الطبية المدلى بها في الملف، وإن أثبتت العلاقة البيولوجية بينه وبين البنت، فإنها لا تثبت العلاقة الشرعية، وأضاف بأن النسب في مدونة الأسرة يثبت بالزواج الشرعي، وبأن البنوة غير الشرعية ملغاة للأب، ولا يترتب عليها أي أثر. وبتاريخ 30/01/2017، قضت المحكمة الابتدائية بطنجة بقبول طلب المدعية، والحكم بثبوت بنوة الطفلة لأبيها البيولوجي، وإلزامه بأداء تعويض للأم قدره 100.000 درهم، معتمدة في قرارها على الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، ناهيك عن اختبار الحمض النووي الذي قطع الشك باليقين بأن البنت من صلب المدعى عليه. وبتاريخ 09/10/2017 أصدرت محكمة الاستئناف بطنجة، قرارا قضى بإلغاء الحكم الابتدائي بعد استئنافه من طرف الأب البيولوجي، الذي أشار في مذكرته الاستئنافية إلى أن الحكم الابتدائي خرق مقتضيات مدوّنة الأسرة، التي تنصّ أن البنوة غير الشرعية ملغاة بالنسبة للأب. وتقدمت المدعية بعد ذلك بطلب نقض قرار محكمة الاستئناف الذي ألغى حكم البنوة، معتبرة أن ما اعتمد عليه المدعى عليه يعد خرقا لمبدأ المساواة المنصوص عليه في الدستور وفي الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، إضافة لاتفاقيات حقوق الطفل. وقضت محكمة النقض بتأييد الحكم الاستئنافي الصادر عن محكمة الاستئناف بطنجة والذي ألغى أول حكم يقضي ببنوة الابن الطبيعي وبتعويض لأمه، معتمدة في قرارها على الفصل 32 من الدستور ينص على أن "الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع"، والفصل 148 من مدونة الأسرة ينص على أنه: "لا يترتب عن البنوة غير الشرعية بالنسبة للأب أي أثر من آثار البنوة الشرعية". واعتبرت محكمة النقض أن الحكم ببنوة الطفلة المولودة خارج إطار الزواج لأبيها البيولوجي، حكم غير مبرر لا شرعا ولا قانونا، مشيرة إلى أن محكمة الاستئناف طبقت قواعد القانون وقواعد الفقه الإسلامي التي تعد بدورها بمثابة قانون. وأثارت هذه القضية نقاشا عموميا حول وضعية الأطفال خارج مؤسسة الزواج، حيث طالبت مجموعة من الفعاليات الحقوقية بضرورة تعديل مدونة الأسرة التي صدرت قبل 17 سنة، ودعم حقوق الأطفال والأمهات العزبات.