تحولت ال"فيلا" الفاخرة، مساحتها 400 متر مربع، الكائنة في شارع ابن تومرت بعاصمة دكالة، والتي يشغل المراقب العام عبد العزيز بومهدي، منذ تعيينه شهر أبريل 2014، رئيسا للأمن الإقليمي للجديدة، إلى مادة دسمة، تناولتها مواقع التواصل الاجتماعي. إذ أثارت جدلا واسعا في أوساط المتتبعين للشأن العام، والفاعلين الحقوقيين، فتح الباب على مصراعيه للقيل والقال. هيئة حقوقية على الخط: دخلت "الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب" على الخط في نازلة ال"فيلا" التي يشغلها رئيس الأمن الإقليمي للجديدة، والتي تعود ملكيتها للوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بالجديدة. حيث وجهت إلى محمد الكروج، عامل إقليمالجديدة، إرسالية ذات طابع خاص، تتوفر الجريدة على نسخة منها، لفتح تحقيق في الموضوع، تفعيلا لصلاحياته واختصاصاته وسلطه الدستورية والقانونية، ولمضامين خطاب العرش الذي ربط فيه الملك محمد السادس المسؤولية بالمحاسبة، من أجل تخليق المرفق العمومي والحياة العامة، وصيانة أملاك وممتلكات الدولة. وحسب الإرسالية الحقوقية المرجعية، التي استندت فيها الهيئة الحقوقية إلى ما أورده موقع إلكتروني في مقال صحفي تحت عنوان: "الأمن يحتل سكنا وظيفيا للوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بالجديدة"، فإن رئيس الأمن الإقليمي لا يحق له أن يستفيد من ال"فيلا"، لكون ملكيتها تعود للوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بالجديدة، ولكونه ليس إطارا تابعا للوكالة (لاراديج)، علما أن المديرية العامة تصرف له تعويضا عن السكن الوظيفي.. وبالتالي، فإن أطر الوكالة هم أحق وأولى من المسؤول الأمني، بالاستفادة من هذا السكن الوظيفي. وتحدثت الإرسالية التي توصل بها العامل محمد الكروج، عن كون الاستفادة تمت في إطار "صفقة رضائية" بين المدير العام للوكالة المستقلة، ورئيس الأمن الإقليمي. وأضافت أن الرأي العام والمجتمع الحقوقي بالجديدة يتساءل عن أحقية المدير العام للوكالة بتسليم ال"فيلا" إلى المسؤول الأمني، وعن سر صمت السلطات الإقليمية والمحلية، وعلى رأسها عامل إقليمالجديدة السابق. حقائق لكل غاية مفيدة: بالموازاة مع البحث الذي من المفترض والمفروض أن يكون محمد الكروج، عامل إقليمالجديدة، قد شرع مباشرته في موضوع الإرسالية الحقوقية المرجعية، في أفق اتخاذ ما يلزم قانونا على ضوء النتائج التي سيتوصل إليها، أجرت الجريدة، من جهتها، في إطار الصحافة الاستقصائية (le journalisme d'investigation)، تحريات ميدانية علاقة بال"الإقامة" المثيرة للجدل، والتي راسلت كذلك بشأنها "الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب" وزير الداخلية والمدير العام للأمن الوطني. 1/ معطيات تاريخية: تحمل ال"فيلا" التي يشغلها رئيس الأمن الإقليمي اسم الموسيقار الألماني (فاغنر/ wagner)، الذي يطلق اسمه على الزنقة الخلفية لشارع ابن تومرت، حيث تتواجد فيها "فيلا" ثانية، تحمل الاسم ذاته (فاغنر). وهاتان ال"فيلتان" اللصيقتان من الجهة الخلفية، هما إلى جانب "فيلا" في شارع المقاومة، غير بعيد من مقر عمالة الجديدة، يتخذها مدير الوكالة سكنا وظيفيا، تابعتان لأملاك الوكالة المستقلة، بعد أن خضعت لمسطرة التفويت أو التخصيص من قبل إدارة أملاك الدولة (الأملاك المخزنية سابقا). فال"فيلتان" اللتان تحملان اسم (فاغنر)، تعودان إلى حقبة الحماية الفرنسية، عندما كانت الإدارة التي تشرف على تدبير قطاع الماء والكهربا تعرف بوكالة الكهرباء والصناعة "REIP"، قبل أن تتحول في عهد الاستقلال إلى "REI".. وقد طرأ على اسمها تغييرات، واكبت التغييرات التي عرفها المغرب، قبل أن تحمل اسمها الحالي "الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بالجديدة"، والتي هي مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري، تتمتع بالشخصية المدنية وبالاستقلالية المالية والإدارية، وهي توجد تحت وصاية وزارة الداخلية. هذا، وتعاقب على سكن ال"فيلا" التي أصبح رئيس الأمن الإقليمي يشغلها، أطر ومسؤولون من "لاراديج"، كان آخرهم رئيس قسم بالوكالة، انتقل إلى إحدى المدن، حيث عينته وزارة الداخلية مديرا عاما للوكالة المستقلة . وقد كان أول ما قام به المسؤول الأمني، عند استفادته من السكن الوظيفي، التابع للوكالة المستقلة، إعادة ترميمها وتزيينها.. الأمر الذي عهد بالإشراف عليه وتتبعه وقتئذ إلى رئيس للمصلحة الإدارية الإقليمية بأمن الجديدة (SAP). 2/ "صفقة رضائية": مما جاء في الإرسالية المرجعية التي رفعتها الجمعية الحقوقية إلى السلطة الإقليمية الأولى، أن "المصادر تتحدث عن صفقة رضائية بين المدير العام للوكالة المستقلة، ورئيس الأمن الإقليمي.. وأن الرأي العام والمجتمع الحقوقي بالجديدة يتساءل عن أحقية المدير العام للوكالة تسليم الفيلا إلى المسؤول الأمني، وعن السر وراء صمت السلطات الإقليمية والمحلية، وعلى رأسها عامل إقليمالجديدة السابق، عن هذا التفويت المشبوه !!!". وهكذا، يكون الإرسالية الحقوقية قد لمحت إلى الأطراف المعنيين مباشرة بما اعتبر "صفقة رضائية"، وهم كالتالي: الطرف المستفيد، ممثلا في رئيس الأمن الإقليمي، والطرف الذي خول له الحق في الاستفادة، ممثلا في المدير العام للوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بالجديدة، والطرف الوصي، ممثلا في عامل إقليمالجديدة السابق، بصفته السلطة الإقليمية الأولى بالإقليم، ورئيس المجلس الإداري للوكالة المستقلة (لاراديج). وبالمناسبة، فقد كان تعيين المراقب العام عبد العزيز بومهدي، المستفيد من السكن الوظيفي الذي تعود ملكيته للوكالة المستقلة، على رأس الأمن الإقليمي، شهر أبريل 2014. فيما تم، شهر غشت 2014، بعد انتقال المدير العام السابق جمال بنفضول، تعيين المسؤول عبد الله إلهامي مديرا عاما للوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل بإقليميالجديدة وسيدي بنور، في إطار الحركة الانتقالية التي أجرتها وزارة الداخلية، والمتعلقة بتسمية مدراء عامين على رأس 13 وكالة في المغرب. أما معاذ الجامعي، عامل إقليمالجديدة السابق، والذي تمت في عهده ما اعتبر "صفقة" أو "تفويتا"، فقد كان تعيينه، شهر دجنبر 2010، على رأس السلطة الإقليمية الأولى بالجديدة، التي لم يغادرها إلا شهر يونيو 2017، بعد أن لم تشمله لمدة حوالي 7 سنوات، في حالة استثنائية مثيرة، حركات الانتقالات والتعيينات التي همت الولاة والعمال في جهات وأقاليم المملكة. والجدير بالذكر أن "الصفقة الرضائية" قد جرت، حسب المتتبعين للشأن العام، خارج الضوابط القانونية والمساطر الإدارية الجاري بها العمل. فلو كانت تلك "الصفقة" حقا "قانونية"، وتدخل في نطاق اختصاصات وصلاحيات الوكالة المستقلة، لكان تم عرضها في إحدى الدورات العادية أو الاستثنائية، على أعضاء مجلسها الإداري، الذي كان يترأسه العامل السابق، معاذ الجامعي، للمصادقة عليها واتخاذ القرار بشأنها. هذا، فإن تلك "الصفقة" المثيرة للجدل، والتي فتحت الباب على مصراعيه للقيل والقال، تعتبر خرقا صارخا للقانون، لكونها غير مبررة من الوجهتين الواقعية والقانونية. فالمستفيد منها يعمل إطارا لدى المديرية العامة للأمن الوطني، ولا تربطه من ثمة أية علاقة مع الوكالة المستقلة، التي تحظى بالشخصية المعنوية، وبالاستقلالية المالية والإدارية.. ولكون من لهم الأحقية والأولوية في الاستفادة من تلك ال"فيلا" التي تندرج في إطار السكن الوظيفي، هم الأطر التابعة للوكالة، دون غيرهم، سيما أن مسؤولين لدى الوكالة يشغلون على وجه الكراء منازل غير تابعة ل(لاراديج). هذا، وقد تنم تلك "الصفقة" عن المحاباة، وعن قرارات انفرادية، مشوبة بالشطط في استعمال السلطة التي يخولها القانون في إطار مقيد ومحدود. إلى ذلك، وفي إطار البحث الذي أجرته الجريدة (le journalisme d'enquête)، أفاد مسؤول أمني في حديث خص به الجريدة، أن المديرية العامة للأمن الوطني لم تعد تتكلف بإيجاد السكن الوظيفي لأطرها وموظفيها لدى المصالح الشرطية اللاممركزة. حيث باتت تصرف لهم بالمقابل، تعويضات مالية هامة. فمثلا والي الأمن يتقاضى شهريا في حدود 15000 درهم، كتعويض عن السكن، ورئيس الأمن الإقليمي للأمن الوطني قد يناهز تعويضه الشهري عن السكن، 12000 درهم. ومن المفترض أن يجدوا لأنفسهم من ثمة، باعتبارهم أشخاصا ذاتيين، وليس معنويين، سكنيات يكترونها أو يقتنوها من مالهم الخاص. وهكذا، يكون رئيس الأمن الإقليميبالجديدة، الذي يكون استفاد بالمجان ودون مقابل من ال"فيلا" التي تعود الأحقية والأولوية فيها، باعتبارها سكنا وظيفيا تابعا للوكالة المستقلة، إلى أطر وموظفي (لاراديج)، (يكون) قد ادخر، منذ سريان "الصفقة الرضائية"، وإلى حدود الساعة، ما يزيد عن 200000 درهم، التي كان من المفترض والمفروض أن يسديها كمستحقات للكراء، الذي تصرف المديرية العامة من أجله للمسؤول الأمني، حوالي 12000 درهم في الشهر. إلى ذلك، فإن الأسئلة العريضة التي تطرح نفسها بقوة، هي كالتالي: 1/ كيف للوكالة المستقلة التي لا تتوفر إلا على 3 سكنيات وظيفية بالجديدة، أن تحرم أطرها الذين لهم الحق والأولوية، دون غيرهم، في تلك ال"فيلا"..؟! 2/ كيف للوكالة المستقلة، باعتبارها شخصا معنويا يحظى بالاستقلالية المالية والإدارية، أن تتخلى بشكل من الأشكال، وفي خرق صارخ للقانون، عن السكن الوظيفي المخصص لأطرها وموظفيها، لفائدة المسؤول الأمني الذي لا تربطه أية علاقة بالوكالة، والذي تصرف له المديرية العامة للأمن الوطني تعويضا ماليا عن السكن الوظيفي، بقيمة 12000 درهم شهريا ؟! 3/ لماذا لزم العامل السابق، معاذ الجامعي، بصفته السلطة الإقليمية الأولى، ورئيس المجلس الإداري للوكالة المستقلة، الصمت حيال هذه " الصفقة غير القانونية" ، رغم علمه في حينه بتفاصيلها، وعلمه لاحقا بها عن طريق الصحافة النزيهة، ذات المصداقية.. ؟! 4/ لماذا لم يستفد من تلك ال"فيلا" من سبقوا المراقب العام عبد العزيز بومهدي، على رأس الأمن الإقليميبالجديدة، مثل والي الأمن مصطفى الرواني، والمراقب العام الحسن بومدين، ووالي الأمن نورالدين السنوني ؟! 5/ كيف أمكن لرئيس الأمن الإقليميبالجديدة، بصفته هذه، وبصفته رجل القانون، يشرف ويسهر، في إطار مهامه واختصاصاته القانونية، على تطبيق القانون، وعلى احترام سيادة القانون في المجتمع، (كيف أمكنه) تحت أي مبرر كيفما كانت طبيعته، قبول هذه "الصفقة غير القانونية"، والحصول على "منفعة"، ليست البتة من حقه.. رغم أنه يعرف ويعلم ذلك..؟! وبالمناسبة، فإن رئيس الأمن الإقليمي كان استفاد بمعية أسرته من قضاء شهر غشت من صيف 2016، في "إقامة خاصة" بمنتجع الحوزية، حوالي 13 كيلومترا شمال عاصمة دكالة. وقد كان يرحل إلى المنتجع السياحي، زوال كل يوم، بعد الانتهاء من عمله في مكاتبه بالطابق الثالث بمقر أمن الجديدة. العامل.. "المحك العسير": طالبت "الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب" في الإرسالية المرجعية التي رفعتها إلى محمد الكروج، عامل إقليمالجديدة، بفتح تحقيق في موضوع ما نشره الموقع الإخباري حول ال"فيلا".. الذي إذا ما تأكدت صحته وواقعيته، قد يرقى إلى أفعال يجرمها ويعاقب عليها القانون الجنائي، حيث يكون البحث فيها من اختصاص النيابة العامة المختصة. هذا، ويتعين على عامل الجديدة الذي من المفترض والمفروض أن يكون قد شرع في إجراء التحقيق، أن يستحضر مبدأ "القاعدة القانونية عامة ومجردة"، وكذا، مضامين خطاب العرش، الذي كان فيه الملك محمد السادس واضحا وحازما وصارما فيما يخص تفعيل "مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة". حيث قال جلالته: "وهنا أشدد على ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية، من الفصل الأول من الدستور، التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة. لقد حان الوقت للتفعيل الكامل لهذا المبدأ. فكما يطبق القانون على جميع المغاربة، يجب ان يطبق أولا على كل المسؤولين بدون استثناء أو تمييز، وبكافة مناطق المملكة. إننا في مرحلة جديدة لا فرق فيها بين المسؤول والمواطن، في حقوق وواجبات المواطنة، ولا مجال فيها للتهرب من المسؤولية أو الإفلات من العقاب.". وبالمناسبة، فعلى عامل الجديدة الذي ينتظر أن يتخذ إجراءات وقرارات جريئة، تكون بمثابة "زلزال مزلزل"، أن لا يستعين في البحث الذي يجريه، من أجل نزاهته ومصداقيته، ب"جهة معينة"، وبتقاريرها المغلوطة، والمغالطة للحقيقة والواقع. وللجريدة عودة للموضوع، ومواكبة إجراءات التحقيق العاملي، ونتائجه التي ستضعها بالدراسة والتحليل تحت المجهر.