هلال يكشف لمجلس الأمن تزييف الجزائر للحقائق حول قضية الصحراء المغربية    البرلمان الكولومبي يجدد دعمه للوحدة الترابية للمملكة المغربية    خبير اقتصادي ل"رسالة 24″: القطار فائق السرعة القنيطرة مشروع استراتيجي يعزز رؤية 2035    استعادة التيار الكهربائي تنهي ساعات من العزلة والصمت في البرتغال    الأوقاف تحذر المواطنين من إعلانات متداولة بشأن تأشيرة الحج    البطولة.. أربعة فرق تحاول تجنب خوض مباراتي السد وفريقان يصارعان من أجل البقاء    عملية جراحية تنهي موسم روديغر مع الريال    الوداد يوضح رسميا بشأن وضع موكوينا ويؤجل فسخ عقده إلى نهاية الموسم    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    "كان" الشباب.. المنتخب الوطني المغربي يواصل تحضيراته استعدادا لمواجهة كينيا بعد غد الخميس    أرسنال يستضيف باريس سان جرمان في أولى مواجهتي نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    الحسيمة: إطلاق حملة واسعة لتحرير الملك العام استعدادًا لموسم الصيف    مهرجان كان السينمائي.. لجنة تحكيم دولية برئاسة جولييت بينوش وعضوية ليلى سليماني    مؤسسة المقريزي تسدل الستار على الأسبوع الثقافي الرابع تحت شعار: "مواطنة تراث إبداع وتميّز"    شباب خنيفرة يسقط "الكوكب" ويحيي الصراع على الصعود    المكتب الوطني للمطارات يعلن عن عودة الوضع إلى طبيعته في كافة مطارات المملكة    لقاء علمي بجامعة القاضي عياض بمراكش حول تاريخ النقود الموريتانية القديمة    عودة حمزة مون بيبي : فضيحة نصب تطيح بمؤثر شهير في بث مباشر وهمي    بعد انقطاع كهربائي غير مسبوق.. هكذا ساعد المغرب إسبانيا على الخروج من "الظلام"    السايح مدرب المنتخب النسوي للفوتسال: "التأهل للنهائي إنجاز تاريخي ونعدكم بالتتويج بلقب الكان.. والفضل يعود لهشام الدكيك"    عمر حجيرة يترأس الدورة العادية للمجلس الإقليمي بالجديدة    وزير التعليم يربط تفشي العنف المدرسي بالضغط النفسي    مراكش: تفاصيل توقيف أستاذ جامعي يشتغل سائق طاكسي أجرة بدون ترخيص    "الجمعية" تحذر من انفلات صحي واجتماعي بالفقيه بن صالح    كيوسك الثلاثاء | بنعلي تعلن قرب تحقيق الأهداف الطاقية قبل أربع سنوات من الموعد المحدد    "البيجدي" يدعو إلى ترسيخ مصداقية الاختيار الديموقراطي وإصلاح شامل للمنظومة الانتخابية    التيار الكهربائي يعود بشكل شبه تام في إسبانيا والبرتغال    منظمة العفو الدولية: "العالم يشاهد عبر شاشاته إبادة جماعية مباشرة في غزة"    الصين: تسليط الضوء على دور القطاع البنكي في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الصين والمغرب    طقس الثلاثاء .. أجواء حارة في عدد من المدن    تمارة.. اعتقال أب وابنه متورطين في النصب والاحتيال بطريقة "السماوي    وهبي: تعديل القانون الجنائي سيشدد العقوبات على حيازة الأسلحة البيضاء    كندا.. الحزب الليبرالي يتجه نحو ولاية جديدة بعد فوزه في الانتخابات التشريعية    فاطمة الزهراء المنصوري: عدد الطلبات الاستفادة من الدعم المباشر بلغ 128 ألف و528    لبؤات القاعة يبلغن النهائي على حساب أنغولا ويتأهلن للمونديال    انقطاع كهربائي واسع في إسبانيا والبرتغال يربك خدمات الإنترنت في المغرب    الصين: الحكومات المحلية تصدر سندات بحوالي 172 مليار دولار في الربع الأول    الصين تتوقع زيادة بنسبة 27 في المائة في السفر عبر الحدود خلال عطلة عيد العمال    التيار الكهربائي يعود إلى معظم مناطق إسبانيا    جسر جوي جديد بين تشنغدو ودبي.. دفعة قوية لحركة التجارة العالمية    حصاد وفير في مشروع تطوير الأرز الهجين بجيهانغا في بوروندي بدعم صيني    لماذا يستحق أخنوش ولاية ثانية على رأس الحكومة المغربية؟    سانشيز يشيد بتعاون المغرب لإعادة الكهرباء    البوليساريو تنهار… وتصنيفها حركة ارهابية هو لها رصاصة رحمة    حصيلة الدورة 30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب    ‪بنسعيد يشارك في قمة أبوظبي ‬    منظمة الصحة العالمية: التلقيح ينقذ 1.8 مليون شخص بإفريقيا في عام واحد    أزيد من 403 آلاف زائر… معرض الكتاب بالرباط يختتم دورته الثلاثين بنجاح لافت    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    بريطانيا .. آلاف الوفيات سنويا مرتبطة بتناول الأغذية فائقة المعالجة    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    العرائش: عزفٌ جنائزي على أوتار الخراب !    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشترك المجتمعي .. من بناء الحوار إلى حوار من أجل البناء
نشر في الجديدة 24 يوم 16 - 07 - 2017

من المواضيع الأكثر أهمية و راهنية، والمتداولة بشكل كبير على ألسنة الراغبين في التغيير السلمي الحقيقي الرافض لفلسفة العنف ، والتي تشابكت فيها أقلام و أفهام الباحثين الإجتماعيين و السياسيين ، موضوع الحوار المجتمعي من أجل بناء مجتمع ينبعث بداخله نور الحرية و يعيش أفراده في حياة الكرامة الإنسانية على معالم العدالة الاجتماعية ، يرى أحد الباحثين أنه يتطلب التأسيس لحوار مجتمعي وسياسي جاد وهادف وعيا شاملا ومعرفة دقيقة بالآخر؛ بأدبياته ومفاهيمه، بمواقفه ومرجعياته، بحجمه وحضوره في الساحة المجتمعية ، إضافة إلى ضرورة اعتبار هذا الآخر مصدر قوة وغنى فكري واقتراحي يساهم في بناء الذات الجامعة، والهوية المشتركة . و من ثمرات الحوار المجتمعي بين الأطراف المختلفة أنه ] يفضي مع مرور الزمن إلى تقلص شقة الخلاف بينهم ، و ذلك لدخول هذه الأطراف في استفادة بعضها من بعض 1[، كما أن الحوار المجتمعي يسهم في تعميق مدارك كل طرف ، إذ إنه ] بمنزلة نظر من جانبين اثنين ، و ليس من جانب واحد ، فمعلوم أن العقل يتقلب بتقلب النظر في الأشياء و أنه على قدر تقلبه ، يكون توسعه و تعمقه ، و العقل الذي لا يتقلب ليس بعقل حي على الإطلاق ، و العقل الذي يبلغ النهاية في التقلب ، فذلكم هو العقل الحي الكامل2[.
هذا المقال لا يعدو تقريب الموضوع، وجمع وتلخيص أطرافه، وعرض لفيف من زبد الأفكار، وفصوص من الأقوال و الإستشهادات . المجتمع فضاء يسع الجميع ، فضاء للتلاقح الفكري و الحوار و قبول الاختلاف
و كذلك بوابة للإنفتاح على التجارب المجتمعية الاجتماعية لا من حيث الثقافة أو الفكر أو الممارسة ، فعندما نتحدث عن الحوار من أجل بناء المشترك المجتمعي ، فإننا نتحدث عن اختيار و مسار بما أنه إفشال لسياسة المخزن " فرق تسد " . إننا في أي حال من الأحوال محكومون بالاختلاف نظرا لطبيعة الوسط و حساسيته و كذلك ضمه كل التلاوين المجتمعية و السياسية ، هذا كله ما يجعلنا نقوم بممارسة عملية المساءلة حول :
ما هي أهم التحديات التي تقف حاجزا أمام العمل المجتمعي على أرضية مشتركة ؟
و ما هي المنطلقات التأسيسية للحوار المجتمعي ؟
و ما هي أهمية هذا الحوار ؟
و ما هي أهداف الحوار المجتمعي على الفرد و المجتمع و الدولة ؟
إن الاهتمام اليوم بالمشترك المجتمعي هو دافع بمواجهة الثقافة النرجيسية و المتعالية التي تصنع المسافات بين الأطراف و تذكي الخصومات ، لكن من باب المسؤولية و خدمة للجسم الجامع يجب أن نتعاون و نوحد الجهود في سياساتنا بدل التصارع و التسابق في اتجاه تدمير المشترك ، يقول فرانسوا ليوني ] :إن من واجبنا أن نكون إخوة ، و هي أخوة أكثر منها تضامنا ، إنها مفتاح الألفية القادمة ، من أجل سياسة حقيقية للحضارة 3[. من بين التحديات التي تحول دون بلوغ الهدف المتوخى من الحوار الذي هو العمل المجتمعي المشترك ، وجود فئتين مجتمعيتين لا تقبل بناء مجتمع ديمقراطي ينشد التغيير لإعتباراتها ، الفئة الأولى : فئة إقصائية ترى أن الواقع يتكون من لونين أبيض و أسود تقول أنها هي من تحمل اللون الأبيض و ما دونها أسود ظلامي ، الفئة الثانية : فئة برغماتية تتعايش مع المخزن و هي مستعدة للتحالف مع الشيطان لتحقيق مصالحها الشخصية . بالإضافة إلى ذلك الخلاف الأيديولوجي ، فعندما يطغى هذا الخلاف ، فمن الطبيعي ألا نخلص لأي نتيجة ، يقول الباحث حسن بناجح : " أعتقد أن المدخل الوحيد لتجاوز الصراع و الخلاف الأيديولوجي هو العمل السياسي ، لأن الحوار حول القضايا السياسية يجعلنا نبدع آليات ديمقراطية تحتضن كل المشاريع . و أيضا نجد صعوبة الوصول إلى سقف مشترك مجتمعي يقوم على العمل الوظيفي لكل طرف و ليس الانصهار في طرف واحد و مرجعية واحدة ، و عوض السعي الجماعي لتنظيم تعايش و تنافس المشاريع السياسية و المجتمعية نجد التعصب للأيديولوجيا التي يعتنقها الشخص و لرأيه و إدعان أنه الوحيد من يحمل مشروع البديل للتغيير الديمقراطي الشامل ، ] إن التعصب للرأي والتفكير الأحادي وادعاء امتلاك الحقيقة أو الركون إلى رصيد فكري أو ماض نضالي غالبا يكون عائقا أمام التواصل والتفاعل بحيث يبقي الإنسان سجين شرنقة إيديولوجية 4[، و الخطير في الأمر هو أن يتم سجن العقل في مرجعية معينة
و خاصة بأفكار تقصي الآخر ، يقول محمد سبيلا ]:إن محاصرة الفرد في قمقم إيديولوجي معين، وتقليم قدراته التجديدية والإبداعية وخنق روح المبادرة فيه، لن يؤدي إلا إلى تكرار الواقع واجترار الماضي، دون أن يستطيع التاريخ أن يخطو قيد أنملة 5[ . و كذلك نجد من أهم عقبات الحوار المجتمعي عدم التجاوب الجدي مع المبادرات التي يطلقها أحد الأطراف و هذه المسألة تكتسي صعوبة كبيرة ، فرغم كل الصراعات
و الخلافات كانت مع ذلك تطلق مبادرات بين الفينة و الأخرى على سبيل المثال أطروحة المثاق الإسلامي ، أطروحة القطب الديمقراطي ، أطروحة الجبهة الوطنية الديمقراطية ... رغم ذلك لم يكن هناك تجاوب ، حيث يقول الباحث حسن بناجح : " ... و هذا يرجع بالأساس إلى غياب ثقة متبادلة بين الأطراف جميعا لذلك فنحن نحتاج إلى بناء الثقة بيننا قبل بناء مجتمع الحرية و الكرامة . و أخيرا فكثرت الانقسامات و الانشقاقات ،
و ظهور تعددية سياسية ومدنية شكلية ، و احتواء النخب و شراء الذمم و إقصاء المعارضين لن يؤدي ذلك إلا إلى التفرقة و التباعد .
إن وجود هذه التحديات و العقبات ينبغي ألا تمنع الفرقاء من الإلتقاء على أرضية مجتمعية مشتركة لمصلحة المجتمع ، إذن فعلى أي أرضية يتأسس الحوار المجتمعي ؟ و ما هي أبرز المنطلقات التأسيسية لبناء المشترك المجتمعي ؟
يرى أحد الباحثين أن أم الأرضيات الجامعة هي أرضية الإسلام الجامع لأطياف المجتمع ، ليكون حوارا بعيد النظر واسع الأفق ، و غيرها من الأرضيات . و الوعي الحقيقي الذي يجب أن يسري بين كل الفرقاء و التلاوين المجتمعية و السياسية الديمقراطية التي تطالب بالحرية ، الكرامة و العدالة الاجتماعية ، و تناهض الفساد و الإستبداد، يقوم على عدة منطلقات تأسس للحوار من أجل بناء مشترك مجتمعي ، و يمكن إدراجها على الشكل التالي :
- أولا : يجب تجاوز حالة الصراع بين الأطياف الديمقراطية الحية التي صنعها المخزن بأوهام تاريخية لا يعلم حقيقتها إلا هو و ذلك من أجل تقريب وجهات النظر في أصول المشترك المجتمعي الذي يسعى إلى بناء مجتمع حر يقوم على دعامات الديمقراطية من حيث كيفها و ليس من حيث المعنى ، مجتمع يستوعب الجميع يدافع عن المصلحة العامة من خلال البحث عن نقط الالتقاء من أجل تجاوز الخلاف .
- ثانيا : و من أهم المنطلقات لإنجاح الحوار المجتمعي التعاون في مساحة المشترك لتحقيق الروح الجماعية، إذ وجب على كل طرف من جهته أن يبحث على مشترك يضمن من خلاله جميع الأطراف ، لأنه ] لا ينتظم شأن مجتمع أو دولة إلا بوجود مشترك للجماعة ، و إذا وجدت الدولة ، و لم يوجد المشترك ، يجب على أهل الدولة العمل على إيجاده و اختراعه6[ من خلال الحوار المسؤول و الجاد بين كل الفاعلين ، يقول طه عبد الرحمن ] :الذي يغلق باب الحوار أو يخل بأدبه يميت في نفسه روح العقلانية النافعة...ومن يميت هذه الروح يقطع الأوردة التي تحمل إليه هذه المعرفة الممتحنة، فيحرم نفسه من إمكان تصحيح وتوسيع مداركه، فيضيق نطاق عقله ويتسع نطاق هواه ... وليس هذا فحسب، بل إنه يميت في نفسه وفي غيره روح الجماعة الصالحة ... ومن يميت هذه الروح يسد المسالك التي تنقل إليه العمل المشترك، فيحرم نفسه، من تقويم أفعاله وتهذيب أخلاقه، فتقوى دواعي الاستئثار في نفسه وتضعف دواعي التعاون فيها7[
- ثالثا : الاعتماد على ثقافة الحوار ، ] كما أن إرساء ثقافة الحوار والتعاون يجب أن تنبني على قاعدة الربح المشترك 8[، و بالضبط الحوار البناء عوض الجدل الأيديولوجي الذي يقوم على قبول الاختلاف ، و هذا الحوار يجب أن يخرجنا من عقود التدبير الإنفرادي إلى التدبير التشاركي و من دائرة التدبير النخبوي
و السلطوي إلى دائرة إشراك الجميع ، و طبيعة هذا الحوار يجب أن يكون تأسيسي أي أنه يطرح الأسئلة التأسيسية أي مغرب نريد ؟ طبيعة الدولة ، طبيعة النظام ... و كذلك يجب علي الحوار أن يقوم على أسس جماعية مبنية على ديمقراطية تشاورية ، ] و لتجاوز أزمات العالم المعاصر ونواقص الديمقراطية التمثيلية، يسعى هابرماس إلى " تأسيس ديمقراطية على أسس جماعية مثالية للتواصل، خالية من أية هيمنة أو سيطرة، ما عدا أفضل حجة. كما أنه يطرح مفهوم التشاور الذي يعتبره جوهريا في ديمقراطيته التشاورية، لأنه في التشاور يعطي للآخرين الحق في الكلام والنقد ورفع ادعاءات الصلاحية وتقديم اقتراحات جديدة بخصوص القضايا المطروحة للنقاش في الفضاء العمومي9[
-رابعا : تحديد أهداف الحوار أثناءه و ليس قبله التي تدور في خانة ما هو تصوري تعاقدي و ما هو ميداني نضالي ، فيما يخص التصوري و التعاقدي يجب الإتفاق على ميثاق جماعي ، ] فمن أجل قطع الطريق على التأويلات المغرضة التي يفرضها واقع التقاطع و التدابر ، و من أجل التوقف عن توليد الخيالات المريضة
و توسيع دائرة الخلاف لا بد من التواجه لابد من الميثاق 10[ ، و كذلك لابد من التواصل في الضوء ، ] البديل لميثاق يعرض على الأمة و يناقش طويلا هو البقاء في الغموض و الإبهام و النزاع في الظلام 11[ ،
و الهدف الأسمى للميثاق هو معالجة الأزمات الاجتماعية و السياسية و لا مخرج من هذه الأزمات إلا ] نقاش يشارك فيه الجميع دون استثناء أو إقصاء بدل المؤامرات السرية التي يحيكها في الدهاليز السادة الأسياد 12[، و ذلك لأن مشروع التغيير الشامل يقوم على مثاق جماعي تسطره كل التلاوين و الأطياف السياسية الحاملة للمشاريع التغييرية ، فكل مكون من مكونات المجتمع له حظ من التغيير و مكون واحد لا يمكن أن يقود عجلة التغيير مهما كانت قوته الفكرية و الممارساتية ، ] و من المغامرة أن يزعم زاعم أن مكونا وحيدا من مكونات الشعب يستطيع مهما بلغ من قوة عددية وعُددية أن يحمل على كتفه أوزار الماضي وكوارث الحاضر وآمال المستقبل 13[ ، و هذا المثاق هو الأرضية التي ستشتغل عليها كل القوى الحية من أجل إرساء المشترك و كسر شوكة الاستبداد ، أما الميداني النضالي يجب من خلاله تغيير ميزان القوة لفائدة روح الشعب ، ففي ] الميثاق الوطني لا بد إذن من مراعاة أمرين بلغة هيجل : روح الشعب ) أصالته و مبادئه ( و روح العصر ) حداثته و تطلعاته 14[( ، و روح الشعب تبدأ من إشراك الشعب ، يقول ] : صياغة ميثاق ، و مناقشة ميثاق ، و إشراك الشعب في النقاش لتستنير الطريق ، و ينكشف الزيف ، و يعرف الحق ، و تختار الأمة 15[
- خامسا : عندما نتفق على هذا المثاق الجماعي يجب الوعي بمراحل التغيير و لكل مرحل مقتضياتها ، أولا مرحلة الإستبداد مقتضاها مناهضة و اسقاط الإستبداد و معرفة كل المشوشات ، ثانيا مرحلة اسقاط الإستبداد مقتضاها التوافق و العمل الجاد ، ثالثا مرحلة الإستقرار مقتضاها التنافس بين المكونات الحاملة للمشاريع التغييرية الديمقراطية .
و يمكن أن نتطرق إلى خلاصات تأسيسية حول أفكار أحد المفكرين المعاصرين الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، ] قد نعتبرها منطلقا لحوار صريح وجدي لبناء مجتمع متماسك يعرف ما له و ما عليه :
- لابد من حوار على أساس الإسلام الجامع.
- لابد من تحرير الديمقراطية من لائكيتها لكي تكون صالحة في تربتنا.
- لابد من تصحيح العلاقة بين الدولة/الحاكم والمجتمع من علاقة عقد إكراهي "البيعة"، إلى عقد اختياري "المبايعة"، ومن علاقة ظلم وجور على المجتمع إلى علاقة رد المظالم إليه والعدل فيه.
- لابد من وجود علماء صادقين ناصحين للحاكم متحملين عبء الدعوة وإصلاح المجتمع.
- لابد من فاعلية المجتمع عبر إشاعة قيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بداخله بضوابطها المقررة شرعا 16[.
و هذه المنطلقات التي تؤسس للحوار من أجل البناء لها أهمية كبيرة ، يرى الباحث رشيد الوهابي أن الحوار المجتمعي على أرضية المشترك يكتسي أهمية بالغة، تتجلى في كونه مسلك كل عاقل، ومفزع كل فاضل، ومنهج كل فرد يسيد قيم التواصل، وكل مؤسسة ترنو إلى النجاح والتألق . كونه كذلك واجبا شرعيا، وضرورة سياسية، وعنوان نضج الفاعل السياسي والاجتماعي والمدني . و الحوار حسب نفس الباحث انتقالا من التصامم إلى التسامع، ومن التصادم إلى التصادق و وسيلة التقرب والتقارب، وآلية التفهم والتفاهم ، كما أنه أداة بناء المجتمع، وسبيل تطويره والنهوض به.
يعد الحوار المجتمعي إنجازا تاريخيا كبيرا، خاصة إذا انخرط فيه الجميع، وشمل كل القضايا المجتمعية مرتبة وفق سلم الأولويات، فمن شأن إنجازه تأسيسا ومأسسة، وترسيخا وتعميما، تحقيق أهداف كبرى ذات أثر إيجابي على الفرد والمجتمع والدولة:
– إزالة الجفوة بين الفرقاء، وردم الفجوة بينهم.
– النقد المشترك للماضي، وتشخيص الحاضر، والإعداد المشترك للمستقبل.
– إحباط سياسة التفرقة التي يتقوى بها الاستبداد، إضعافا للفاعلين السياسيين والاجتماعيين والمدنيين.
– تجنيب البلد معضلة المواجهة الداخلية، وحقن دماء أبنائه، فمن نقاط القوة نبذ العنف وتبني نهج السلمية في التغيير .
أخيرا، إذا كانت لمسألة الوعي – كما سبق – أهمية بالغة ومحورية في إرساء أسس حوار مجتمعي مسؤول يؤمن بالاختلاف والتنوع ويؤسس لبناء ومستقبل مشترك وجامع يحقق الحرية والكرامة والمواطنة الحقيقية للجميع، فإن الاستمرار في هدر الزمن السياسي و المجتمعي من شأنه أن يفوت فرصا تاريخية حاسمة للفعل والمبادرة قد يتطلب تداركها في المستقبل مجهودات مضاعفة وتكاليف باهظة ستمتد آثارها لعقود وأجيال .
==============================================
[1] طه عبد الرحمن ، حوارات من أجل المستقبل، منشورات الزمن، عدد 13، أبريل 2000، ص 8 :
[2] نفس المرجع
[3] من مقدمة كتاب : إدغار موران ، إلي أين يسير العالم ؟، ترجمة أحمد العلمي . ص 7:
[4] مولاي أحمد حبرشيد ، مقال : " الحوار المجتمعي وبناء الوعي " .
[5] محمد سبيلا : للسياسة بالسياسة ، ص 101 :
[6] شلق الفضل . في مهب الثورة ، ص 58 :
[7] طه عبد الرحمن ، حوارات من أجل المستقبل، منشورات الزمن، عدد 13، أبريل 2000، ص 6-7:
[8] حسن محمد وجيه، م. س. ص 16:
[9] محمد الأشهب، الفلسفة والسياسة عند هابرماس، دفاتر سياسية مطبعة النجاح المغرب 2006 ص : 196- 195
[10] إدريس مقبول ، ما وراء السياسة : الموقف الأخلاقي في فكر عبد السلام ياسين ،ص : 347
[11] عبد السلام ياسين ، العدل : الإسلاميون و الحكم ، ص : 641
[12] عبد السلام ياسين ، الإسلام و الحداثة ، ص 306 :
[13] عبد السلام ياسين، العدل الإسلاميون والحكم ، ص 576 :
[14] إدريس مقبول ، ما وراء السياسة : الموقف الأخلاقي في فكر عبد السلام ياسين ، ص : 346
[15] عبد السلام ياسين ، حوار مع الفضلاء الديمقراطيين ، ص : 6
[16] نفس المرجع

طالب سوسيولوجيا :يوسف القرشي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.