توضيح لقد كاتبني بعضُ الإخوة، الذين أحترمهم وأحترم آراءهم، وأقدّر الظروفَ والملابسات التي تؤثر فيهم وتضغط عليهم- كتبُوا إليّ يجادلونني في موضوع "الميثاق"، الذي تدعو إليه جماعة العدل والإحسان، والذي جعَلَتْه القطبَ الذي عليه مدارُ تدافعها السياسي في السنوات الأخيرة. لقد ذهب هؤلاء الإخوةُ في جدالهم، طبعا كلٌّ بأسلوبه الخاص، إلى أنني كنت "واهما" حينما ميزّت في الميثاق، الذي تقترحه الجماعةُ، بين نسختين، النسخة الأصلية كما هي مبسوطة في كتابات مرشد الجماعة، والنسخة الجديدة المعدّلة التي تعرضها الجماعة اليوم على "الفضلاء الديمقراطيين". وزعم هؤلاء الإخوة أن "الميثاق" الذي تدعو إليه الجماعة كان دائما واحدا، في "روحه وأهدافه"، وأنْ ليس في هذا الميثاق إلا نسخةٌ واحدةٌ هي النسخة التي تستمد روحَها من كتابات المرشد، التي هي، حسب هؤلاء الإخوة، كتاباتٌ لا تزال تجد فيها الجماعةُ أجوبة ضافيةً وشافيةً على جميع الأسئلة الملحة التي يطرحها واقعنا السياسي المضطرب. أما التعدّدُ في نعوت الميثاق(إسلامي، وطني، جامع، ميثاق شرف...)، فهو، عند بعض هؤلاء الإخوةِ، مسألةٌ شكلية لا أثر لها فيما يتعلق بالجوهر المقصود. وأنا أريد، منذ البداية، أن أقطعَ دابرَ الجدال الذي لا طائل وراءه، وذلك بتوضيح رأيي في المسألة مُعزَّزاً بنصوص من كتابات الأستاذ عبد السلام ياسين، وبيانات الجماعةِ وتصريحات مسؤوليها القياديين وحواراتهم. وسأكتفي، في هذه المقالة، بالحديث عن "الميثاق الإسلامي" كما هو معروض في "الأصل المنهاجي"، أي في اجتهاد الأستاذ مرشدِ الجماعة، على أن أخصّص المقالةَ القادمة، إن شاء الله، للحديث عن "الميثاق" في صورته التي تقترحها الجماعةُ اليوم على غرمائها السياسيين. وفي ختام هذا التوضيح، أقول للإخوة الذين كاتبوني، مشكورين، وجادلوني، مأجورين، بعفو الله وكرمه، وللذين يُفكرون في مكاتبتي ومحاورتي، إنني سأكون دائما مستعدا لنقاش وحوار جدّي ومسؤول، بعيدا عن أيّ شكل من أشكال التعصب والتشنج وسوء الظن. ومن الله، تعالى، التوفيقُ والسداد، وإلى نصّ المقالة. "الميثاق الإسلامي" في (الأصل المنهاجي) تقديم الميثاقُ تواثقٌ وتعاهدٌ، وهو مبنيّ أساسا على التوافق والتراضي والتشارك، وإلا فلا معنى له. ومن شروط الميثاق، حتى تصِحَّ تسميتُه ميثاقا، وجودُ طرفين أو أكثر، بينهم، ولو في الحدّ الأدنى، تعارفٌ وتقاربٌ وتفاهمٌ، وأن يكون التواثق بين المتواثقِين نابعا من رغبة ذاتية حقيقية عند جميع الأطراف من غير أن يحسّ أيُّ طرف بأي نوع من أنواع الإكراه أو الابتزاز، أو أن يُمَارَس عليه أي نوع من أنواع الترهيب أو الترغيب. بل المطلوب في المتواثقِين أن يكونوا جميعا متساوين فيما لهم وفيما عليهم، من غير أن يكون لأحدهم يدٌ أو امتياز على الآخر. ولا بد أن يكون كلُّ طرف في الميثاق معترِفا بالطرف أو الأطراف الأخرى المتواثقة معه، معترِفا بمرجعيته المخالفة، وقابلا به كما هو، ساعيا إلى التعاون معه في المشترك المتفق عليه بينهما، مجتهدا، ما وسعه الاجتهادُ، من أجل الوفاء ببنود العهد المكتوب. والخروج من الميثاق، كالدخول فيه، يكون له شروط واضحة، تُبيّن أسبابه وموجباته، وتشير إلى ما يمكن أن يترتب على هذا الخروج من تبعات ومسؤوليات، طبعا إن كان هناك تبعاتٌ ومسؤوليات وقع الاتفاقُ عليها بين المتعاهدِين. وواضحٌ أني أتحدث هنا عن ميثاق هو ثمرة تعاهد وتعاقد بين أطراف أنداد، ليس فيهم لا غالبٌ ولا مغلوب، وذلك حين لا تكون موازينُ القوى مائلة لحساب طرف على حسب الطرف الآخر. وهناك من المواثيق ما يكون ناتجا عن ميل موازين القوى لصالح طرف على الطرف الآخر، وهو ما يمكن تسميته ب"ميثاق الغالب"، وهو يتسم بالإخضاع والإكراه الذي يمارسه طرفٌ أو أكثر من المتواثقِين على أطراف أخرى، أي أن هناك من بين أطراف هذا الميثاق منْ يفرض إرادَته مستندا إلى غلبته، وهناك من يذعن بحكم مغلوبيته. ولْنَنْظرِ الآنَ في طبيعة وخصائص الميثاق الذي تحدث عنه الأستاذُ ياسين في كتاباته، ثم نقارن بالميثاق الذي تدعو إليه الجماعة اليومَ. "الميثاق الإسلامي" في الأصل المنهاجي ما المقصود بالأصل بالمنهاجي؟ أقصد بالأصل المنهاجيّ ما سطّره مرشدُ الجماعة الأستاذُ عبد السلام ياسين من أفكار ونظريات، وما وضعه من تخطيطات ومعالم وأهداف، و ما تميّز به في قراءاته وفهمه وفقهه واجتهاده، مما أصبح بمثابة المرجعية التي على الجماعة أن تتقيد بها فيما يصدرُ عنها من قرارات، وفيما تجتهد فيه من مواقف واختيارات. فما تزال قيادات الجماعة، في مختلف مستوياتها، تذكرُ ما يصدر من المرشد، وأساسا كتاباته الكثيرة ، على أنه الأصلُ الذي ترجع إليه كلُّ أمور الجماعة، في الشؤون التربوبة وهي الأساس وأيضا في الشؤون التنظيمية والسياسية. وأوّلُ ما يلفت نظرنا ونحن نستعرض ما كتبه الأستاذُ ياسين عن "الميثاق الإسلامي" أو "ميثاق جماعة المسلمين" أن الرجل يتحدث عن زمن "ما بعد الطوفان"، أي بعد نجاح القومة الإسلامية وزوال نظام العض والجبر، واستلام الإسلاميين الغالبين مقاليدَ الحكم. يقول الأستاذ ياسين في كتاب (العدل، ص681): "يَندَكُّ ما كان يظنه الغافلون عن الله الجاهلون بسنّته في القرى الظالم أهلُها حصونا منيعة وقِلاعا حصينة، وتندثِر، وتغرَق. ولِما بعد الطوفان، ولخواء ما بعد الطوفان، وخيبة ما بعد الطوفان نكتب." إذن، فالميثاق الإسلامي الذي يقترحه الأستاذ ياسين هو ميثاق ناتجٌ عن انتصار وغلبة، ومشروعٌ يطرحه الإسلاميون في ظلّ القوة والنفوذ الذي سيكون لهم بعد نجاحهم في إسقاط دولة الظلم والاستبداد. هذا هو ما نقرأه واضحا فيما نظّر له مرشدُ جماعة العدل والإحسان وبسَطه في كتاباته، وخاصة ما تعلق منها بالقومة الإسلامية وما بعد القومة، وما تعلق بترتيبات دولة القرآن بعد أن يجرف الطوفانُ دولةَ الطغيان. سأورد، فيما يلي، مقتطفاتٍ من كلام الأستاذ ياسين، وسأركِّز على كتاب "العدل"، لأنه، في نظري، يمثل نضجَ فكرة الميثاق الإسلامي وزبدَتها في تفكير الأستاذ ياسين طيلة ما يقرب من ثلاثين سنة، وهو كتاب ظهر في طبعته الأولى سنة2000. ميثاق جماعة المسلمين، كما ذكرت، هو ميثاق إسلامي قلبا وقالبا. و""جماعة المسلمين" التي مَنْ خرج عنها خلع رِبْقةَ الإسلام من عنقه ليست هذا الفرعَ أو ذاك من هذه الفروع المباركة المنتظمة في جماعات عاملة مجاهدة. بل هي تكوينٌ جماعي يقرُب من المطلوب شرعا كلما كان أقرب إلى توحيد الأمة في القطر، ثم توحيدها في الأرض."(العدل، ص277) و"الرابطة المستحِقّةُ أن تُسمَّى "جماعة المسلمين" هي المتألفة على أساس المحبة الوَلائية، ووضوح الأهداف والطرائق، وجَلاء الأفق التعاوني، وضبط الحركة، ووحدة القيادة، وشرط التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، وحرية الأفراد في اختيار السِّرْبِ الذي يهاجرون إليه."(نفسه، ص279) جماعةُ المسلمين هاته هي النواة الصّلبة للطليعة المجاهدة التي يُناط بها، حسب الأستاذ ياسين، الإعدادُ للقومة الإسلامية وقيادةُ زحفها على دولة الباطل. ثم تصبح، بعد انتصار القومة، الجبهةَ الإسلامية التي يُعوَّلُ عليها في التصدي لشؤون الدولة الإسلامية القطرية الوليدة. يُراجعُ ما كتبه الأستاذ ياسين عن "تأليف جماعة المسلمين القطرية وتربية رجالها وتنظيمهم" في "المنهاج النبويّ"(ط3،ص24-25). فالفضلاء الديمقراطيون ومَنْ في دائرتهم ممن يختلفون مع الإسلاميين في مرجعيتهم وأطروحاتهم واجتهاداتهم السياسية مَدْعوّون، بعد نجاح القومة الإسلامية، للانضمام إلى "جماعة المسلمين"، التي ستتسع لتشمل إلى جانب الإسلاميين الأحزابَ والتيارات الأخرى التي لم تخلع ربقَة الإسلام من عنقها؛ يقول الأستاذ ياسين، داعيا هؤلاء الفضلاء: "هلمّوا إلى مجتمع أخوي قاعدُته جماعةُ المسلمين المتآلفةُ من أحزاب سياسية، ونقاباتٍ تتآزر مع الأحزاب على كلمة العدل، وجمعيات، ومؤسسات، وشخصيات، وما شئتُم من تنظيمات،كلُّ ذلك ينبض بروح الإسلام، وينطق بكلمة الإسلام، ويخدم أهداف الإسلام." (العدل،ص694) إذن، فالإسلاميون الأقوياءُ بالنصر على باطل الدولة الجبرية هم المالكون لزمام المبادرة في دعوتهم الآخرين للانضمام لجماعة المسلمين والمشاركة في ميثاق إسلامي في معناه ومبناه، ما دام هؤلاء الآخرون المدعوّون لا يفتأون يُعلنون أنهم جميعا مسلمون. يقول الأستاذ ياسين وهو يخاطب الآخرَ الديمقراطي: "وما دمتم، معشرَ الديمقراطيين، تتمسكون بإسلاميّتكم وتحتجّون على من يحتكر الدينَ من دونكم، فالكلمةُ السواءُ بين فصائل النخبة السياسية، من الْتحَى منها واحْتجَب ومن لم يَفْعل، هي ميثاقٌ واضح المنطلقات والأهداف، ندخل به جميعا في عهد جديد، إلا أن يعشَق عاشِقٌ قرعَ الأبواب المقْفَلَة، وطرقَ المسالك المسدودة، والانتحارَ السياسي."(العدل،ص691) وتسبق الصياغةَ النهائية لميثاق جماعة المسلمين مناقشاتٌ واسعة ومفتوحة على الملأ، تطرح كلَّ الموضوعات بلا تحفظ ولا خطوط حُمْر، يُدلي فيها كلّ طرف بما عنده، يعرض رأيَه ومشروعه أمام الناس، ويشرح وجهة نظره، ويدافع عن موقفه. يقول الأستاذ عبد السلام ياسين: "لا بد من كتابة ميثاق إسلامي بعد مناقشة عميقة طويلة على ملَإ من الأمة، وبعد نقْد صريح صادق لحاضر الناس وماضيهم وكفاءتهم، وعرضِ الأفكار والاقتراحات والبرامج بين يدَيْ الناس في الصحف والتلفزيون ليحكمَ الناسُ على صلاحية من يصلح للناس، وليرفضَ الناسُ ما لا يليق بالناس ومن لا يمثل الناس."(الشورى والديمقراطية، ص346) "ميثاق إسلامي يساهم فيه الشعب والكتَلُ السياسية وَضْعا ونقاشا ونقدا. يُقصي نفسَهُ من شاء من ساحة المكاشفة والوضوح. ما نحن نحكُم ونُحاكم ونشنُق المخالفَ. بل دعْه يشنُقْ نفسه بحبل إلحاده ونفاقه، ويزعمْ للأمة أن شيئاً آخر غير طاعة الله ورسوله يَجمعُنا."(نفسه، ص347) يقول الأستاذ ياسين مخاطبا الأعزاءَ الديمقراطيين: "هدفُنا هو أن نصارح، نحن وأنتم، الشعبَ بما ننوي وتنوُون، وأن نخرجه من "دين الانقياد" الذي عاش عليه قرونا، وأن نوقظه من وَسَنِ "الذهنية الرعوية" التي طبعتها عليه تقاليدُ الاستسلام و"البعد عما لا يعني"، لكيْ يفهمَ ويختار ويشارك ويفعل. لا يكونُ مفعولا. لا يكون رهينة بيننا وبينكم."(العدل، ص628) ويضيف في السياق نفسه: "لكيلا تكونَ فتنةٌ ويكونَ الدين كلُّه لله ندعوكم إلى ميثاق نطرحُه على الأمة للنقاش الواسع، تقبله الأمة أو ترفضُه، تدخلون فيه أنتم معنا أو نترككم أحرارا في انقساماتكم. هذا الميثاقُ يقترح على الأمة أن يكونَ لها، أن يكونَ منها، قاعدةٌ سياسية متعددة التنظيمات الحزبية والنقابية والمهنية إلخ. قاعدة تسمى "جماعة المسلمين" تكون لنا فيها رابطتُنا الإسلامية تضم تنظيمات الإسلاميين في جبهة إسلامية، وتكون لكم فيها وبمقتضى ميثاقها وبالتزامكم ببُنوده أحزابُكم وتنظيماتُكم."(نفسه) ولا يُخفي الأستاذ ياسين الاختلافَ الكبير الموجود بين الإسلاميين وبين منافسيهم المدعوّين للدخول في "الميثاق الإسلامي" من الفضلاء الديمقراطيين والنخب المثقفة. يقول وهو يخاطبهم: "منهاجنا ونوايانا مناقضة تماما لمنهجكم ونواياكم، فنحن نقترح عليكم ميثاقاً إسلاميا يُلزمنا جميعا بالانضمام إلى الحقيقة الإسلامية بثقة ووضوح، إخوانا متضامنين، خاضعين جميعا لله، باذلين جميعا أنفسَنا وأموالَنا في سبيل الله."(الإسلام والحداثة، ط1، 2000، ص252) "ميثاق جماعة المسلمين لن يكون غُلا في الأعناق يلزم أحدا ما لا يحب أن يلتزم به، بل هو اختيار ضروري ترسم به الطبقة السياسية الواعية المتصارعة مواقعَها، وتعرف باستراتيجيتها داخل أو خارج المشروع الإسلامي".(حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، ط1، 1994، ص90) "متى نعْلنها صريحة صادقة مع الله ومع المسلمين الخاشعين لله ميثاقا إسلاميا يُحَوِّلنا من عهد لعهد، من كذب لصدق، من نفاق لإسلام ؟"(الشورى والديمقراطية، ط1، 1996، ص345) ميثاق واضح المنطلقات والأهداف، لحْمَته وسَدَاه الإسلامُ. وهذا ما يفسر لنا أكثر لماذا يدعو الأستاذُ ياسين الفضلاءَ الديمقراطيين إلى الدخول في الميثاق المقترح بشرط الإسلاميين. إن الرجل يتكلم من موقع القوي المنتصر، وإلا لَما خاطب خصومه من الفضلاء الديمقراطيين بقوله: "مشروعنا أيها الأعزاء أن تدخلوا الميدانَ على شرطنا." (العدل، ص628) الرجلُ يتكلم من موقع القومة الإسلامية الناجحة الواثقة من نفسها، وإلا لَما خاطب مُنافسيه من غير الإسلاميين بقوله: "ندعوكم أن تدخلوا معنا الميدان على شرطنا وهو شرط الإسلام. هذه هي الوسيلة الوحيدة للتفاهم، حتى لا تكونَ فتنةٌ ويكونَ الدين كله لله. حتى لا يزورَ هاجسُ العنفِ رُبوعَنا."(نفسه) بل وجدنا الأستاذ ياسين، ومن هذا الموقع القوي دائما، يتكلم عن الاتجاه الذي ينبغي أن يسير فيه "الميثاق الإسلامي" المُقترَح، وعن المضمون الذي يجب أن تعالجه بنودُه، وهو كلام يؤكد أن "الميثاق الإسلامي"، الذي يُدعَى إليه الآخرون من غير الإسلاميين، ينبغي أن يكون انعكاسا لانتصار قومة الإسلاميين، وناطقا بالروح الإسلامية في كل مفرداته. في كتاب"العدل"، الذي أعتبره مرجعا تفصيليا في التنظير لمرحلة ما بعد الطوفان، أيْ مرحلةِ سقوط دولة الجبر والانتقال إلى بناء دولة القرآن – في هذا الكتاب يقترح الأستاذ ياسين أربعة عشر بندا من بنود الميثاق المنشود مثالاً يُمكن النسجُ على منواله في صياغة جميع بنود الميثاق. ثم يقول الأستاذ ياسين، بعد أن يسرد البنود الأربعة عشر المُقترحَة: "هذا نحوٌ مما يمكن أن يتضمّنه ميثاقُ "جماعة المسلمين"، تنقصه الصياغة القانونية والتدقيق، ننزل به للساحة متى قدرنا لتنطلِقَ كلُّ مكونات الأمة وخلاياها الحية في منافسة شريفة آمنة داخل سياج الإسلام. ولمن شاء أن يَشْرُدَ ويشُذَّ كاملُ الحرية. والله بما تعملون عليم."(العدل، ص643) وتكفي قراءةُ البنود الأربعة الأولى من البنود المُقترحَة حتى نتبيّنَ الروحَ الإسلامية المُهيمنة. وهذه البنودُ الأربعة هي، كما يقترح الأستاذ ياسين: "1- أساس الحكم وسنده العبودية لله وحده لا شريك له، والمسؤوليةُ بمعيار الشرع. "2- كل القوانين الصادرة عن الدولة لا وزنَ لها إن خالفت الكتاب والسنة. ويحدَّدُ برنامج عمل للتدرج إلى إلغاء ما كان نافذا من القوانين الموروثة المخالفة للشرع. "3- على الدولة أن تقيم المعروف وتزيل المنكر في كل مرافق الحياة بميزان الشرع. "4- عليها أن ترفع شعائر الدين ليسود الدينُ في التعليم والإعلام والأمن وكُلِّ ما أمر الله به ورسوله من قضايا المجتمع.) (العدل، ص641) فواضح من النصوص التي أوردتها من كتابات الأستاذ ياسين في شأن فكرة أو مُقتَرح "الميثاق الإسلامي"، أن الأمر يتعلق بميثاق يقترحه الإسلاميُّ الغالبُ، الذي يدعو الآخرين إليه بشرطه، كما قرأنا في عبارات الأستاذ ياسين. ولهؤلاء الآخرين الحريّةُ في قبوله أو رفضه، لكن بشرط أن يعلنوا ذلك الرفضَ. يقول الأستاذ ياسين مخاطبا نظراءه الديمقراطيّين: "شرطُنا الوحيد أن تعلنوا رفضَكم لذلك الميثاق، وأن تنتقدوه ليعرف الشعب، وليهلِكَ من هلَك عن بيّنة، ويَحْيى من حَيِيَ عن بيّنة."(العدل، ص629) وبعد، فهل هذا هو الميثاقُ الذي تدعو إليه اليوم جماعةُ العدل والإحسان؟ الجواب عن هذا السؤال في المقالة القادمة إن شاء الله. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين. مراكش: 8 يونيو2011