هذه من الحكايات الرائعة والقيّمة، حيث تدور حول المطالبة وعدم الخشية إلا من الله سبحانه. وهي من إخراج الخطيب البغدادي، والحافظ ابن عساكر، والعلاّمة ابن الجوزي، ومن مرويات وكيع القاضي، حيث قال ذات مرّة: كنت أتقلد لأبي حازم، يعني: عبد الحميد بن عبد العزيزالقاضي. وقوفاً في أيّام الخليفة المعتضد العبّاسي، منها وقف الحسن بن سهل. قال: ولمّا استكثر المعتضد من عمارة القصر المعروف ب”الحسنى”، أدخل إليه بعض وقوف الحسن بن سهل التى كانت فى يدي، وكانت مجاورة للقصر، وبلغت السنة آخرها، وقد جبيت مالها إلا ما أخذه الخليفة المعتضد. قال: فجئت الى أبي حازم القاضي، فعرّفته اجتماع مال السنة، واستأذنته في قسمته فى سبله وعلى أهل الوقف. فقال لي: فهل جبيت ما على أمير المؤمنين؟ فقلت له: ومن يجسر على مطالبة الخليفة؟! فقال: والله لا قسمت أو تأخذ ما عليه، والله لئن لم يزح الغلة لا وليت له عملاً. ثمّ قال: امض إليه الساعة وطالبه، فقلت: ومن يوصلني؟ قال: امض إلى صافي،وقل له: إنّك رسول أنفذته فى مهمّ، فإذا وصلت فعرّفه ما قلت لك. قال: فجئت، فقلت لصافي ذلك، فأوصلني، وكان آخر النّهار، فلمّا مثلت بين يديْ الخليفة ظنّ أنّ أمرًا عظيمًا قد حدث. وقال لي: هيّا قلْ، كأنّك متسوّف! فقلت له: أتيت لي عبد الحميد قاضي أمير المؤمنين بوقوف الحسن بن سهل، وفيه ما قد أدخله أمير المؤمنين إلى قصره، ولمّا جبيت مال هذه السنة امتنع من تفرقته الى أن أجبي ما على أمير المؤمنين، وأنفذني الساعة قاصدًا بهذا السبب، وأمرني أن أقول: إنّي حضرت فى مهمّ. قال: فسكت ساعة مفكرًا، ثمّ قال: أصاب عبد الحميد، يا صافي هات الصندوق. قال: فأحضر صندوقاً لطيفاً، فقال: كم يجب علي؟ قلت: الذي جبيت عام أول من ارتفاع هذه العقارات أربمائة دينار. قال: كيف حذقك بالنّقد والوزن؟ قلت: أعرفهما. قال: هاتوا ميزاناً، فجاءوا بميزان، وأخرج من الصندوق دنانير، فوزن لي منها أربعمائة دينار، فقبضتها وانصرفت إلى أبي حازم بالخبر. فقال لي: أضفها إلى ما اجتمع للوقف عندك، وفرقه فى سبيله!!