[email protected] هو ذا الحسين من قال فيه رسول الله (ص) : (حسين مني وانا من حسين أحب الله من أحب حسيناً) وقوله (ص) : (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) وقوله (ص) : (هما ريحانتاي من الدنيا) يعني الحسن والحسين وقوله (ص) : (هذان ابناي فمن أحبهما فقد أحبني) يعني الحسن والحسين .... ويروى أن كان الرسول يدخل في صلاته حتى إذا سجد جاء الحسين فركب ظهره وكان يطيل السجدة فيسأله بعض أصحابه انك يا رسول الله سجدت سجدة بين ظهراني صلاتك أطلتها حتى ظننا انه قد حدث أمر أو انه يوحى إليك فيقول النبي : (كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته). روى تلك الأحاديث المصادر الأسلامية وحفظها الصحابة والتابعين ودونها المحدثين والمؤرخين وغيرها بالمئات مدونة ومصححة ومشروحة وموضحة . هو ذا الحسين قتيلاً مسلوباً مطروحاً على الأرض ثلاثة أيام من دون غسل ولا كفن ... ومن دون رأس ... مسلوب العمامة والرداء ... على رمضاء كربلاء ... فبسبب تلك الأحاديث والكرامات قتلوه شر قتلة !! وأفظع قتلة !! وأذلوا بنات علي وفاطمة وأحفاد رسول الله (ص) كما لم يذلوا أحداً من قبل !! قتلوه لأن النبي قال فيه ذلك ، فلم يشفع له حديث جده بشيء ... بل على العكس فقد زاده مدح جده فيه قتلاً ، وزاده تبيان فضله تقريعاً وتجريحاً ، وزاده تكريم الرسول له تعذيباً وإيلاماً يوم عاشوراء ، فلو لم يقل فيه كذلك لما قتلوه !! لأنهم لم يقتلوا مجرماً أو لصاً أو سفاحاً أو قاطع طريق بهذا الشكل من قبل ولا من بعد ... فعرفت أن كلما أحب الله ورسوله شيئاً وقدسه فقد كرهه ومقته القوم من أمراء مؤمنين وخلفاء مسلمين والمنافقين السائرين حيث الهوى والشهوة والنفاق والسلطة ... يا حسين ... تعلمت منك وقوفي وحيداً ، ولا أستوحش الوقوف على مبدأ تعلمته منك ومن جدك رسول الله لمّا وضحت معالم رسالته في أرض كربلاء ... تعلمت منك أن أستأنس بطريق الحق رغم قلة سالكيه ، فصراخ الحق ملأ الطريق ، كل الطريق ، بعد أن أسس جدك محمداً لهذا الطريق الذي قال فيه أبوك علياً : (إستوحشت طريق الحق لقلة سالكيه) ... ولكن بفضلك أصبحنا نستأنس طريق الحق رغم قلة سالكيه ... تعلمت منك أن لا أخاف عندما أكون وحيداً ، رغم كثر الأعادي والظالمين فأنت كنت وحيداً يوم عاشوراء ولم تهن ولم تستكن ونصرت الله ورسوله بالدم النبوي الشريف ... تعلمت منك أن الموت حياة ، بل يبث الحياة ... تعلمت منك أن لا أخاف عندما تكون الحشود الظالمة كثيرة وكبيرة ، فالنصر حليف المظلومين لا الظالمين والنصر حليف الحق لا الباطل وإن حز رأس الحق من القفا ... تعلمت منك أن أكون أنا أنا ... وأن أكون ... فالحياة أن تكون أو لا تكون ... ولو وصموك بالسحر والجنون ... ولو حاربك المنافقين وقتلك الظالمين ، وزجوك في قعر السجون ... فهم سيتجاهلونك ، ثم يحقرونك ، ثم يستهزؤون بك ، ثم يزيفون الحقائق ضدك ، ثم يحاربونك ، ثم تنتصر !! تنتصر ، وما النصر إلا من عند الله ... تعلمت منك أن القائد إصرار وثبات وعقيدة لا قائد مذبذب لا إلى هذا ولا إلى ذاك ... فأنت القائل الصارخ يوم عاشوراء : (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم , فإذا مُحصوا بالبلاء قلّ الديانون) فعرفت أنك يا حسين حق مطاع ... رغم ألم الصراع ... رغم أننا لحبك تحملنا الصاع تلو الصاع ... تعلمت منك أن نواجه الفساد والظالمين ، وإن سكتنا فيكون سكوتنا سكوت حكمة وصبر وتريث لا سكوت جبن وذل وهوان ... تعلمت منك أن نقدس العقل والحكمة بالتصرف لا تقديس الشهوات والنزوات والسياسات ... كما خاطبت الالاف يوم عاشوراء ممن عدوا العدة لقتل ابن بنت نبيهم فصرخ بهم الحسين صرخة بثت الحياة في الموتى قبل الأحياء ولكن الحجارة من أمثالهم في الماضي والحاضر لا يعون ولا يدركون ويجهلون ويتجاهلون الحق والحقيقة ... خاطبهم (ع) قائلاً : (ألا وإنّ الدعي بن الدعي قدْ ركز بين اثنتين ، بين السلة والذلّة ، وهيهات منّا الذلّة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحُجور طابت وحجور طهرت ، وأُنوف حمية ، ونفوس أبية ، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ، ألا وإنّي زاحف بهذه الأسرة على قلّة العدد وخذلان الناصر) لم ينصروه بالأمس ولا باليوم الحاضر لأنهم كما قال الله تعالى فيهم وبأمثالهم : (لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم أذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) 179 الأنعام فأمةٌ فيها رسول كمحمد بحكمته وقيادته ، ووصي كعلي بثباته وشجاعته وبصيرته ، وامام كالحسين بثورته وتحديه الظالمين وشموخه ... فهي أمة لا تموت بل تبث الحياة ... وكيف لا ... فلقد جعلت من حياتنا كائناً قائماً بذاته ، ونصرت الله حينما حاول كثير من عباد الله حرق نهج الله القويم كما أحرقوا خيامك يوم عاشوراء ... فأضاءت نيران الخيام عالماً مليء بالقيح والدم لتمطر على أرض الدماء ... تمطر عليها معاني التضحية والأباء ... تمطر عليها كرامة وثبات الأقوياء ... وتسقي جراح كربلاء ، بماء الشهادة لينمو زرعها طوال مئات السنين ... وما كان لله ينمو ... فبذور الشهادة التي غرسها أنصار الحسين بأجسادهم قد نمت أشجاراً باسقةً أصلها ثابت وفرعها في السماء ... تعلمت منك أن الحق أحق أن يُتبّع ، وأن العباس كان بإستطاعته أن يشرب الماء لمّا وصل الفرات فتذكر أن الثورة نار ملتهبة لا يطفئها ماء الفرات ، وليخبرنا بأن عاشوراء درس للتاريخ ، فرمى الماء ليعطينا بل ليروينا من دماء الشهداء ويلهم الأجيال القادمة دروساً من الأجيال الماضية أن يا قوم من قتل دون ماله وعرضه ودينه وأرضه فهو شهيد ... وهيهات منّا الذلة ... ويا رب إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى ... فأنت القائل الصارخ يوم عز النداء والصراخ : (لم اخرج أشرا ولا بطرا، ولكن خرجت من اجل الإصلاح في امة جدي رسول الله) تعلمت منك أن كل صارخ بوجه الظلم هو حسيناً ، وكل أرض تنتهج نهجك فهي كربلاء وكل يوم يواجه فيه ظالم ويوقفه عند حده من مدير الى وزير الى حاكم ظالم من رئيس وامير وملك من دولة عظمى سياسة عظمى الى نظام عالمي جديد الى سياسة عوراء ترى بعين وتغمض بعين ... وكل من يوضح للناس فسادهم ويحول دون السكوت عن جرائمهم فهذا اليوم هو عاشوراء ... أرى الحسين يبكي على قومٍ سيدخلون النار بسببه ، فعلمت أي نفسٍ عظيمةٍ لديك تبكي الأعداء كبكاء الأصدقاء لا خوفاً ولا خشية ولكن بكيت لأنك تراهم لا تقوم لهم قائمة بعدك في دنيا ولا في أخرة ... لم ينصروك لأنهم جهلوك وتجاهلوك ، لذلك كان الجهل ظلام ، وكان الجهل حرام ، وكان العلم نور ففيه الحقيقة والسلام ... قتلوك بأمر لا إلهي ولا رباني ولا بسنة من نبي ولا وصي من خليفة المسلمين يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ... وبتنفيذ حرفي ليس لسنة الله ورسوله من والي الكوفة عبيد الله بن زياد ابن أبيه ... وبقيادة مباشرة لحرب كفر وظلال من عمر بن سعد بن أبي وقاص ... وهؤلاء كلهم أولاد صحابة لرسول الله –صحابة صحبة فقط – ... فيا لله من أصحاب رسول يقتلون أبناءه شر قتلة ، ويا لله من عباد ربٍ يأمرهم بمودة أهل بيت رسولهم فجاء ودهم له بالسهام والسيوف والرماح لتهرق دماءاً أذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيرا ... فيالله وللشورى ورأس الثورة ... أصحاب رسول تحرف نهج رسولهم الذي صحبوه ، فكل من رأى الرسول يسمى صحابياً حتى ولو لم يكلمه !! حتى ولو قتل الحسين (ع) !! تعلمت منك أن لا تختلط عليّ الأمور ، وأن لا أكون مع أيٍ كان ولا كائناً من كان فالمعيار الحق والعقل والعقيدة السليمة وكلها تأتي بالبحث والعلم والأخلاق والدراسة والأجتهاد ... لا بالنوم والسبات والعناد وقلة الأدب والكراهية والأحقاد ... تعلمت منك أن أحب الثورة ، وكيف لا يحب الحر ثورة !! وكيف لا يحب العاقل ثورة !! وأنت سيد الأحرار وسيد العاقلين وسيد الثائرين ... قتلوك وظنوا أنهم سيمحونك من الوجود أو يمحو ذكرك ، ونسوا أن زينب (ع) أخت الحسين وصرخته خاطبت يزيد بقصره في الشام لمّا رأته يتفاخر بقتله الحسين ويستهزأ بالرسالة النبوية ويعبث بالدين عبث القردة ، فخاطبته قائلة : (فلقد جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك ، وإني أستصغر قدرك وأستعظم تقريعك وأستكثر توبيخك ، لكن العيون عبرى ، والصدور حرى ... فكد كيدك واسع سعيك وانصب جهدك يا يزيد ، فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا يسقط عنك عار ما فعلت ، فما رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وما جمعك إلا بدد يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين) وبعد اللتيا والتي ، وبعد هذا وذاك فيكتب القوم اليوم أن عاشوراء يوم فرح وسرور !! وكرروا فعلة العام الماضي فهم يفرحون لحدث أبكى رسول الله كما نصت بذلك أسانيدهم ونصوصهم ... ولكن الذي يكره ويحقد لا يرى ولا يسمع ولا يعقل فهم غافلون !! إي والله إنه يوم فرح وسرور بإنتصار الدم على السيف ، وبإنتصار المظلوم على الظالم ، وبإنتصار الحق على الباطل لا كما رمتم بكتاباتكم أن تستهزؤون بحرائر رسول الله وبناته وعرضه وبالحسين وتحطون من شأنه وشأن من ينصره ويحزن لحزنه اليوم كما حزن الرسول وبكى عليه قبل أن يُقتل وتقتلوه ... ليأتي اليوم قومٌ ختم الله على قلوبهم وأبصارهم وأسماعهم لا يعقلون حقاً ولا يدركون صدقاً ... قتلة جدد بأسماء جديدة كالحاكم والرئيس والسلطان والملك والأمير والوزير والسياسي والمتملق والمنافق والانتهازي والحاقد والعالم والمفتي والشيخ ممن تسيرهم الشهوات والملذات والأحقاد ، لا العقل والحقيقة والحكمة ... والعقل زينة ورأس الحكمة مخافة الله ... بحث التاريخ ومؤرخوه عن غراب ليغطي لهم سوأة قتل الحسين فلم يجدوا ... إجتهدوا فلم يجدوا ... زوروا وزيفوا الحقائق فتجمدت الحقائق وغربان الفلاة عن تغطية نور ثورة الحسين فلم يجدوا ... أطلقوا سرب غربان سوداء لتحجب نور الله ، ونسوا أن الله نور السماوات والأرض ولا يغطيه سرب غربان ... وصرخة الحق لا يغطيها غراب ينعب ... فولدت يا حسين يوم مقتلك كما لم تولد من قبل ، وهذه هي المرة الأولى التي يولد فيها بشر يوم مقتله ... ظنوا بأن قتل الحسين يزيدهم ... لكنما قتل الحسين يزيداً ما الذي منع الحسين من المبايعة ليزيد ويكون ملك زمانه ، كما أغراه بذلك يزيد ... ولكن الحسين لا تغريه المغريات كما يحصل مع الكثيرين اليوم ... فمثل الحسين لا يبايع يزيد وهو الصارخ يوم إسدلت الحُجب وكممت الأفواه وأخرست الألسن وجفت الصحف ، فبعد بعد وفاة والده- معاوية بن أبي سفيان- سارع يزيد، بإرسال مبعوثه الى المدينة، محمّلاً إيّاه خبر وفاة معاوية الى أهل المدينة ، ويطلب من واليه- الوليد- في المدينة ، أن يستدعي الحسين ويأخذ البيعة منه عنوة وقسرا، وإنْ رفض ذلك فلا خيار له إلا القتل : (خذ الحسين بالبيعة أخذا شديدا) فدعا الوليد الحسين في منتصف تلك الليلة وقال له : (يا حسين آجرك الله في معاوية ، وليس هناك اليوم من أبناء رسول الله غيرك ، ولست تجهل مقامك بين الناس، فعليك أن تبايع يزيد قبل الجميع، وتسلك مسلك الوفاء، فتكون قدوةً للغير، فأنت ابن بنت رسول هذه الأمّة، وعليك أن تسعى لما فيه خير وصلاح المسلمين) التفت الحسين إلى الوليد قائلاً : (أيّها الأمير، إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم، و”يزيد” رجل فاسق، شارب خمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله) يا حسين ... السلام عليك يوم ولدت في بيت طهره الله من الرجس ، وحباه الله بجد كخير البشر وسيد الأنبياء والمرسلين وأبو كعلي الذي حبه إيمان وبغضه نفاق وبأم كفاطمة سيدة نساء العالمين ... والسلام عليك يوم تجاهل القوم فيما مضى واليوم وحتى في المستقبل حقك وقتلوك بالأيدي والألسن ... والسلام عليك يوم لم تهن ولم تحزن وناصرت الله بالدماء الزكية ... والسلام عليك يوم تبعث حيا ... السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى نساء الحسين وعلى أنصار الحسين ...