من الخلاصات التي وردت في كتاب لقائد عسكري إسرائيلي مترجم عن العبرية أن الحرب تشبه لعبة أطفال وهذه اللعبة لن تنتهي. ومما استخلصه باحث كبير وخبير في الشؤون العسكرية هو رون تيرا في كتابه ما ورد تحت عنوان هو “هذا لن ينتهي أبدا” حيث قال “الحرب تماثل في حالات كثيرة لعبة الاطفال التي يطلق عليها “حجرة ورقة مقصّ” فعندما نستخدم خاصية الحجر يستخدم العدو خاصية الورق وعندئذ نضطر لاستخدام خاصية المقصّ فيردّ العدو باستخدام خاصية الحجر وهلمّ جرّا.” اضاف “وفعلا فبنفس طريقة هذه اللعبة لا يوجد اجراء استحواذي ومهيمن يخلق تفوقا تاما ونهائيا على العدو. ففي الحرب توجد تغيرات دائمة من الوزن الثقيل بين المناورة والنيران والاخفاء والدفاع بين التحركات وبين اشباع ميدان القتال بقوات وعوائق وبين افضليات الدفاع والهجوم وبين قوة الصمود وقوة الانقضاض وقالب جديد يحل محل قالب قديم وهلمّ جرّا. “ومفهوم طفرة الشؤون العسكرية أوجد تفوقا واضحا في مجال تدمير اهداف بمشاركة ميدانية بدنية عالية في مجالات مفتوحة ومع ذلك لم تجلب نهاية لتاريخ الحروب.” الكتاب الذي ترجمه كاتب مصري هو ثروت محمد حسن حسنين حمل عنوانا مركبا هو “النضال حول سجية الحرب.. من كلاوزفيتس الى سيبيو الافريكانوس وأنور السادات وحتى العدو النظامي والمتكيف لحرب ضد طفرة الشؤون العسكرية.” وقد ورد في 159 صفحة كبيرة القطع وصدر عن “الدار العربية للعلوم ناشرون” في بيروت ومركز الجزيرة للدراسات في الدوحة في قطر. ومع الجهد الجيد الذي بذل في الترجمة دون شك ومع النجاح فيها فقد لا يتمالك القارىء نفسه من أن يحول أحيانا دون الشعور بأن العمل مترجم حيث يلتقي ولو في صورة قليلة التكرر بكلام يشعر فيه بأنه كلام مترجم وأنه كقارىء لم يستطع ان يصل تماما الى المقصود منه ودون ان يكون ذلك نتيجة مصطلحات عسكرية صعبة على القارىء العادي. إذن فالكتاب يقوم بجولة على مفاهيم ونظريات عسكرية مختلفة بدءا بالبافاري كارل فون كلاوزفيتس “1780-1831′′ الذي حارب نابليون بونابرت وكان مدير المعهد الحربي في برلين 1818 واشتهر بنظريته وكتابه عن الحرب الذي أحدث وقعا كبيرا في المفاهيم الحربية الالمانية. وينتقل العنوان الى سيبيو افريكانوس او شيبيو الافريقي القائد الروماني الشهير الذي انتصر على هانيبعل احد كبار العبقريات الحربية في التاريخ. وتناول ايضا نمط الفكر العسكري الامريكي. ويتحدث الكتاب عن العبور المصري لقناة السويس في عهد الرئيس الراحل انور السادات كما يتناول الحرب بين اسرائيل وحزب الله في لبنان. ولا بد من البدء بالمقدمة – الخلاصة المهمة التي كتبها مترجم الكتاب ثروت محمد حسن حسنين حيث يقول “ان فهم الاخر الذي يضرب بجميع القرارات الدولية الشرعية عرض الحائط ويفعل ما يحلو له دون رقيب او حسيب كما ان نمط تفكيره وما يدور في مخيلته خاصة في المجالات العسكرية حيث يبدو هو الاقوى في منطقة الشرق الاوسط هو الذي دفعني الى ترجمة هذا الكتاب القيّم والثري من العبرية الى العربية. “اقصد بهذا الجهد اطلاع صانعي القرارات والقادة العسكريين والقارىء في العالمين العربي والاسلامي على الاساليب الحربية والقتالية التي تنتهجها اسرائيل في حروبها خاصة وان مؤلف هذا الكتاب استعان بقادة عسكريين سابقين وحاليين في اعداده كما ان المركز الذي اصدره مقرب جدا من دوائر صانعي القرارات ومؤلفه متخصص وخبير في الشؤون العسكرية. “فهذا الكتاب اصدره معهد دراسات الامن القومي الاسرائيلي تحت عنوان “النضال حول سجية الحرب” في سبتمبر/ ايلول 2008 وقام بتأليفه رون تيرا وهو من كبار الباحثين العسكريين في مجال العلوم العسكرية.” ويختصر المترجم بوضوح وجلاء مواد فصول الكتاب فيتحدث في هذه المجالات عن “حرب لبنان الثانية” محور الفصل السادس حيث اعتبر الكاتب ان قالب الحرب التي خاضها حزب الله تمثل في مهاجمة قدرة الصمود السياسية/المدنية الاسرائيلية “مركز ثقل استراتيجي” بطريقين بديلين.. “طريق مباشر – بنيران القذائف وطريق غير مباشر – تشغيل قوة العصابات ضد جيش الدفاع الاسرائيلي في جنوب لبنان. فقد سمحت مخططات حزب الله لاسرائيل ظاهريا فقط باختيار اي جوف هشّ لها يجب الكشف عنه. وقد اوضح الكاتب ان اسرائيل عملت وفقا لقالب حزب الله خاصة لدى تمركزها لحرب متوازية تبادلت فيها ضربات نيرانية لفترة زمنية اختبرت فيها قدرة الصمود لدى الطرفين. “كما عملت اسرائيل وفقا للنمط الامريكي من اجل وقف الاستنزاف عن طريق الامتناع عن التنافسات البرية في ميدان القتال التكتيكي دون ان تدرك انه وفقا للظروف الجيو-استراتيجية الاسرائيلية ما زال العدو يمتلك قدرة تكتيكية تمكنه من تحقيق هجوم استراتيجي متبادل... ان قدرة حزب الله على الاستمرار ومهاجمة قدرة الصمود الاسرائيلية عن طريق المقاومة الثابتة الى جانب اخفاء مراكز ثقل اساسية تعتبر القاعدة التي اعتمد عليها حزب الله لتحقيق “انتصار عن طريق عدم الخسارة”.” اما الفصل السابع والاخير الذي خصصه الكاتب للحرب المستقبلية فقد قال فيه عن هذه الحرب انها “حرب متوازية ضد عدو نظامي قادر على التكيف مع اوضاع مختلفة وفي الوقت نفسه يتبنى قالب حرب العصابات.” ورأى ان تبني العبر المستخلصة “من حربي الخليج لرسم نموذج لحرب مستقبلية ضد جيش نظامي قد يكون فرضية خاطئة فالجيش العراقي لم يتكيف بما فيه الكفاية لمواجهة القدرات الامريكية ولم يعرض قالب حرب بديل لمهاجمة قالب الحرب الامريكي. ومن جهة اخرى فان قدرة المواجهة العالية والناجحة لحزب الله امام جيش الدفاع الاسرائيلي عام 2006 من شأنها دفع جيوش نظامية لتبني قالب حرب العصابات.” وفرّق الكاتب بين المناورة اي العملية البرية التي وصفها بانها “وسيلة اساسية من وسائل حرب الحسم وتقود لتعجيل وتعظيم اختبار الفعاليات العسكرية للاطراف المتحاربة وبين المناورة السريعة تجاه مركز ثقل استراتيجي بهدف سلب العدو من قدرته على مواصلة حرب الاستنزاف لمدة طويلة وبين المناورة الصحيحة التي تفرض على العدو ردا من شأنه زعزعة قالب حرب العصابات لصالحه.” وفي هذا المجال ايضا قال المؤلف “حنكة تجارب صيف 2006 قد تقود جيوشا نظامية الى تبني قالب حرب حزب الله. وتطور كهذا يضع امام تطورنا تحديات جديدة وخاصة صعوبة تعريف الحسم ومركز الثقل الذي سيهاجم وكيف نفرض بكل ذلك القتال الاساسي الكبير بدلا من الانجرار الى حرب استنزاف ليس لها خط نهاية. “فصعوبة المساس بقدرة العدو للعمل ضدنا بشكل بناء تتمثل في اعتماد العدو على منظومة خفية ضعيفة المشاركة ولكنها ثرية التفوقات تحقق جدواها طالما بقيت لها قدرة مقاومة دائمة. وكلما بدت الحرب غير متوازية قد تختفي تجمعات الكتلة العسكرية للعدو او على الاقل تتقلص مشاركتها... ولهذا يجب في هذه الحالة رصد مراكز ثقل بديلة اكثر تعقيدا لانها قد تكون الخطوط العريضة لاستراتيجيات وفعاليات العدو.” وقال “وتلزمنا التعقيدات الاخذة في التزايد للحرب بالعمل على هزيمة مخططات الحرب لدى العدو ليس اقل – بل ربما اكثر – من مهاجمة الكتلة والارث القيم للعدو لانه لا يوجد انجاز للقائد العسكري اكبر من ان يكتشف العدو على حين غرة ان الحرب التي تدار عمليا تختلف مطلقا عن التي خطط لها.”