مع اقتراب موعد الاستحقاقات المقبلة لسابع أكتوبر 2016، يبدو أن مسألة تدبير التزكيات الانتخابية هي موضوع الساعة بين مختلف الكائنات الحزبية التواقة إلى الكراسي والامتيازات البرلمانية والحفاظ على مصالحها، على الرغم من أن حصيلتها التشريعية هي "زيرو ميكا وأطنان زبل"، وهي التي صوتت على القوانين التنظيمية الجديدة التي بموجبها تم الغاء شرط المستوى الدراسي والثقافي لنواب الأمة مما فتح الباب أمام من هب ودب لولوج المؤسسة التشريعية، لكنها طرحت بعض الأمور المرتبطة بالالتزام السياسي للمنتخبين وضبط الانتماء السياسي للمرشحين المكبلين بمقتضياته، بعدما أن ترشحوا باسم حزب معين خلال الانتخابات الجماعات الترابية السابقة، والتي تعرض محترفي الترحال السياسي للطرد من المسؤولية بالمجالس الترابية إذا ما تم تغيير اليافطة الحزبية خلال الاستحقاقات التشريعية المقبلة. هنالك صيغ كثيرة لحروب التزكيات، وتعكس الوقائع الحية كيف يمكن لشخص أن يغادر حزبه بسبب عدم حصوله على تزكية، أو كيف يمكن أن تشعل خلافات في هياكل بعض الأحزاب وقيادييها وأعضائها البارزين بعد حرمانهم من فرصة نيل التزكية. وهنالك أحزاب تقدم «حالات استثنائية» لهذه الحروب، فبعضهم يزكون ويفرضون أنفسهم على الهياكل الإقليمية للأحزاب ويمارسون وصايتهم على أعضائها، والبعض الآخر لازالوا يؤمنون بأحقية توريث المقعد الانتخابي، وآخرون يختلقون متابعات قضائية لمنافسيهم ويلفقون لهم تهما وهمية لثنيهم عن الترشح أو خلال الحملات الانتخابية. هناك صيغ أخرى في هذه الحروب تفرز رابحين من وسط الخسارة، يدعون سماسرة الانتخابات همهم الوحيد هو ابتزاز بعض مسؤولي الأحزاب، لتقوية أرصدتهم البنكية مقابل تقديم خدمات ولو على حساب أحزابهم، كعرقلة إعداد لوائح مرشحيهم أو التقصير والتنصل من أداء مهامهم بالمكاتب الإقليمية. صعوبة تدبير هذه المحطة المفصلية من طرف الأحزاب السياسية التي تعتبر نفسها "كبيرة" وذات تمثيلية في الغرفتين وتستفيد من مليارات ميزانية الدولة لتأطير المواطنين، يمكن تفسيره بعجزها عن تكوين وإنتاج نخبها وفعالياتها لترشيحها باسم أحزابها، وبانتقالها الإرادي من الاعتماد على "المناضل الحزبي" إن وجد بطبيعة الحال، إلى الاعتماد على "كائنات انتخابوية" تتقن أساليب المراوغة بكل الطرق المتاحة (الأعيان، المال الحرام، النعرات القبلية، استغلال الدين، قفة رمضان…) لضمان فوز الحزب بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية وبالتالي المشاركة في تقسيم غنائم الحقائب الوزارية، والغريب في الأمر وصلت الوقاحة الحزبية ببعضهم إلى توهيم جنودهم الشعبويين بالميدان وجيوشهم الإلكترونية بعقد مؤتمرات إقليمية لتطبيق ما يدعى مسطرة اختيار مرشحي الحزب وترتيبهم، لكن من حضر مثل هذه اللقاءات يؤكد أن هدفها هو المصادقة فقط على ما تمت كولسته من وراء الستار وفي تجمعات ليلية وظلامية، لأنهم يمتلكون دهاء تنظيميا ولا يمتلكون رأسمالا فكريا وتدبيريا. التسويق السياسي لمحطة 7 أكتوبر بدرعة تافيلالت يتخذ أشكالا متنوعة كاقتناص حضور ملتقيات وجنائز وتدشينات لبنايات تحتية بالجهة مولت من طرف دول أخرى، وتبليط لبعض الأزقة، وتوزيع لقفة رمضان، والإعلان عن توقيع بعض الاتفاقيات على الورق، وغرس بعض الشجيرات بالحدائق العمومية المحظوظة، وتخصيص جوائز تحفيزية للتلاميذ المتفوقين وتقديمها للآباء في غشاء سيلوفان سياسي لترطيب الخواطر، وإعدادهم كأكباش فداء ليوم افتتاح صناديق الاقتراع، واعتماد خطابات مزدوجة خطابا يتزلف للسلطة وخطابا ثوريا استهلاكيا يوجه للقواعد الحزبية، يا ليت الأحزاب المسيرة للمجالس الترابية تعمل طيلة مدة انتدابها كالأشهر القليلة قبيل الانتخابات التشريعية. إنما يجري خلال حرب التزكيات فهو دليل ملموس (وستتوالى دلائل أخرى مع اقتراب إعداد اللوائح) على ضعف تأدية الأحزاب المهيمنة على المشهد السياسي لأدوارها الدستورية في التكوين والتأطير السياسي، وغياب أو عدم نضج آلية فرز مرشحيها وطغيان المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، مما يفسر الحاجة الملحة إلى تخليق العمل الحزبي عبر المساهمة في انجاح تجربة سياسية ديمقراطية جديدة تهدف إلى تحقيق مصالحة بين المعرفة والسياسة عبر إقناع وتشجيع الكفاءات والفعاليات والأطر لتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام بقليل من الأيديولوجيا وبكثير من النجاعة والفعالية.