-1-من الذي له مصلحة في إقصاء الدين عن لعب دوره في كبح جماح السياسة الميكيافيلية: إن الإسلام رقم عالمي صعب في معادلة التدافع الحضاري لبصم العالم بالإتجاه الإيجابي للمحافظة على صلاحه و توازنه.و إنه من المبكر لأوانه أن نعمل على تهميش الإسلام لوضعه فوق رفوف المتحف الفولكلوري.كما أنك قد تجد الدين مجرد تخريف متخلف لكن في ذهنية أشباه المثقفين المريضة فقط.كما لايمكن اعتبار المؤامرة العالمية المحاكة من طرف الغرب مجرد نكتة قابلة للسرد،لأن القوى الإستعمارية تجند إمكانيات مالية و بشرية هائلة لأجل غرس رفض أهمية الدين في الحياة في الأذهان حتى يصير أمرا مسلما به،وبالتالي يعلن العلمانيون انتصارهم بعد سحب البساط من تحت أقدام الدين للإنسحاب بهدوء من ميدان تدبير الشأن السياسي من منطلق أن الناس أدرى بأمور دنياهم .و إنه من الغباوة أن نغض الطرف عن خطورة نظرية المؤامرة الغربية ضد الإسلام كونه حقيقة وليس مجرد وسواس توهمي .مع العلم أن الإمبريالية العولمية الهمجية كرست بعض أشباه مثقفينا المرتزقة كطابور خامس للقيام بالنيابة عنها في تدمير منظومة القيم والمرجعية الإسلامية النقية عبر التبجح بضرور الفصل في مكونات الثنائية:السياسة/الدين. والسؤال المطروح على المصابين بفوبيا الأسلمة:أين يكمن العيب؟هل في أسلمة مظاهر الحياة لضبط الأخلاق والحفاظ على أصالة الثقافة الأم؟أم أن العيب يكمن في تمييع ماتبقى من سلوكات وتعهير كل المبادئ الفاضلة؟ إن الإسلام ماهو إلا رسالة عالمية شاملة تضم كل مظاهر الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية. ومن الصعب بمكان تجزيء وحدته بشكل مجاني مغرض.وبالتالي فإنه من المستحيل تشتيت بنيته التي جمعت بين ماهو عقدي وجداني مع ماهو سلوكي مع ماهو تشريعي.وهذه النزعة الإنفصالية لم تبرز إلى الوجود إلا بعد تغلغل الإستعمار الغربي الذي رأى عزة هذه الأمة في تمسكها بأصالة هويتها عبر قناة الإنتماء الحضاري للإسلام.مما دفعه إلى التسلل تحت عباءة العلمانيين اللادينيين إلى استدراج حمل الإيمان نحو السقوط في مذبحة الثعالب الميكيافيليين بعدما استقطبه بمغنطيس أحلام المشاريع الحداثية التي خرجت عن سياق الإبداع نحو تقليد الغرب للأسف في تمييع مفهوم الحرية الفردية.والعلمانية برفضها للدين وتدخله في السياسة،إنما تكرس اللادين مما يعني أنها بذلك تكرر السيناريو المرفوض من طرفها فتحشر أنفها في دين جديد إسمه اللادين/العلمانية.والسياسة في المفهوم الإسلامي هو الإهتمام بقضايا المجتمع والتطوع لتبني همومه لمعالجة مشاكل الناس اليومية على الصعيد المحلي والوطني.وهذا في حد ذاته تضحية نبيلة وعبادة تصب في طاعة الله. 2- جوهر الحقيقة الدينية بين ضيق أفق التحجر البشري العلموي وسعة المهمة الكونية التي أناطها الله بالإنسان:بعدما قرأت كتاب {روح الدين}لمؤلفه الفيلسوف المغربي {طه عبد الرحمان}،خرجت بخلاصة مجملها أن تداخل المرئي السياسي بالغيبي الديني ،إنما يشكل الرؤية الوجودية المتكاملة نحو الكون ويتجاوز كل نزعة انفصالية تشتيتية نحن في غنى عنها.بحيث أن القاسم المشترك بينهما وحدة تتلاشى فيها الحدود بين التعبد الديني والتدبير السياسي بما أن السياسة هي نفسها عين الدين،خاصة عندما عرض خالق الكون جل وعلا على كل الموجودات مقترحا يتضمن القابلية لتحمل امانة المسؤولية لتدبير هذا الكون،فبادر الإنسان إلى تحمل المسؤولية قاطعا وعده في ترسيخ ثقافة الحق والعدل ومحاربة كل مظاهر الفساد التي تضر بالمصلحة العامة، ليشيع الأمن والسلام بين كل البشر والمخلوقات الأخرى.وبما أن تدبير الشأن العام والخاص لهذه الكوكب يعتبر من قبيل السياسة المتعارف عليها بالمصطلح الحديث,فإن السياسة في السياق الذي ذكرناه آنفا قد صارت بذلك عبادة عملية وهي امتداد طبيعي للشعائر التعبدية المعروفة كالصلاة والصيام والحج والزكاة والإلتزام بأوامر الله في التزام الخلق الطيب وتصفية القلوب من أدران الحقد والأنانية والشر مع التوقف عند حد نواهيه,مما يعني أن هذه الأخيرة كشعائر تعبدية غيبية قد أصبحت بدورها هي الأخرى أمانة في عنق المؤمن بالله. وبالتالي وجب نهج سياسة تدبيرية حكيمة للحفاظ أولا على الصلاة مثلا في وقتها وبخشوعها واحترام تفاصيل الصوم وشروط الحج والزكاة ومن لم تردعه صلاته عن ممارسة طقوس الفساد في حياته اليومية وعمله واحتكاكه بالآخرين عبر مزاولة إجراءات مسؤوليته التدبيرية لم تزده عن الله إلا بعدا .إذن فكلا الطرفين أصبحا مذابين في بعضهما البعض ولايمكن الفصل بينهما،فإذا نحن تعمدنا إلى فصلهما:أي المعتقد والسلوك فإننا بذلك سنصاب بانفصام الشخصية والتناقض المضحك.خاشع مخلص في عبادته ومتعجرف ينضح بالشر في مكتبه.وهذه المفارقة لايقبلها عاقل لأنها تؤدي إلى الجنون،لايمكن أن تكون ولاتكون في نفس الآن ,وثانيا وجب نهج سياسة تدبيرية حكيمة مع الذات لترجمة هذه الشعائر التعبدية إلى سلوكات متحركة على أرض الواقع وداخل دهاليز المجتمع مما سيساهم في إضفاء طابع المصداقية على هذه الشعائر التعبدية التي تصب في إطار تشكيل مشروع نقي فاضل يهدف إلى بناء صرح الخير و يناهض المشروع التدميري المنبني على القناعة الشريرة المنبثقة منذ القدم بين ثنائية الصراع بين القوة والحقيقة. واضعين نصب الأعين تحقيق الغاية الكبرى وهي إنسجام وتواصل العناصر الكونية في بنية الحياة الدنيا،ثم الفوز بالسعادة المطلقة بعد بوار الجسد تحت التراب وتلاشي كل الطموحات المادية في بوتقة العالم الغيبي الأخروي طبقا لحتمية الموت .ولكن بسبب انغماس الإنسان مؤخرا في أتون الماديات والجشع البشري الضعيف ،أخذت تتلاشى روحانيته شيئا فشيئا،وبدأ يخلق الأعذار الإنفصالية الواهية بين الدين والسياسة للفصل بين عنصري ثنائية التعبد والتدبير كي يتخلص من عقدة الذنب في منح حريته الشبقة قدرة لامحدودة في إشاعة الفساد.فتم تغييب الدور الديني قسرا في بعض الأوساط باسم العلم بهتانا. لأن اللاتدين المريض نفسيا فضل جعل أصل الإنسان قردا وذئبا أو أي مخلوق أرضي زاحف عوض التسامي بمقامه ليصير موجودا ملائكيا مجنحا يطير في العلالي.يقول علاء الدين عبد الهادي في إحدى مقالاته:{ تعلمون جيدا أن الإسلام لم يكن في يوم من الأيام مجرد رقم في معادلة الصراع بين الشرك والإيمان، خلال مرحلة الدعوة، أو بين العدل والاستبداد،.... أو بين الاستعمار والاستقلال، وإنما كان هو المعادلة الصعبة بعينها التي كلما دخلت على أي صراع إلا وكان لها فيه النصر المبين والغلبة، ذلك لأن الإسلام دين الله الذي أكمله وأتم نعمته على الناس وارتضاه لهم دينا.}و إذا تصادف وجود حكومة ذات طابع إسلامي قد فشلت أو وجود عناصر متدينين فهموا التدين خطأ فزاغوا بذلك عن جوهره أثناء ممارستهم لتدبير الأمانة عبر القناة السياسة. فشوهوا بذلك سمعة الدين المقدسة ليدنسوها بسلوكاتهم التافهة. وباعوا دينهم بدنياهم، فذلك شأنهم الخاص، وكل شاة معلقة برجلها،ولاتزر وازرة وزر أخرى.وتبقى هذه الحالة استثناءا لانقيس عليها قاعدة الأغلبية. وفساد نموذج بشري ما لا يشوش على استمرارية نقاء المنهج الأصلي. لأن النقاء في صورة جبل جليد بكر، ليس في حاجة لمن يصبو إلى تقزيم حجمه المعهود أو تلويث صفائه. فيتعمد البعض إلى وطئه بأحذية آثمة ويحاول الاخرون طيه قسرا في حقيبة الرحلة الإستهتارية باسم مغامرة مؤقتة لا تحمل من المصداقية سوى رغبة محمومة في تمرير موقف التسلية واللعب في وقت الجد وتحمل المسؤولية.وفي مرآة هذه المقارنة المجازية يرن صدى خطوات مزارعين تائهين أرهقتهم الإختيارات الماراطونية في مفترق الطرق المتأزمة. فضاعت بوصلة تسابقهم على سفح عجلة التاريخ المنتهي الصلاحية،لأنهم بكل بساطة أصروا أن يمكثوا لاهثين في محراب العناد يعبدون شيطان الإنتظارات الواهمة. وبقوا خارج سياق المستجدات الإيجابية ليبيضوا بيض السلبية العدمية.كما أنهم مازالوا مشدودين مجانا إلى بقايا شظايا أحلام منكسرة يقارعون من خلالها طواحين الوهم الدونكيشوطي ،ويتسلقون في ظلالها جدران المستحيل مثل العنكبوت والذي بسبب ارتباطه القوي بخيوطه لا يستطيع التحليق عاليا في سماء السمو باستثناء قدرته الخارقة على حياكة نسيج مفخخ قابل لاصطياد ما تبقى من حشرات. إن عشاق الظلام يتحايلون على أشعة الشمس لتحويل اتجاهها في خط معاكس كي تخلد للخفوت وذلك بواسطة محاولة تغطية هالتها بغربال يائس. لكن مع ذلك يتسلل جرثوم العطب ليعطل أدوات إنتاجهم المهترئة ووسائل تغذيتهم المادية و إمكانيات بسط السيطرة لنمطهم الخاص بهم وكل آلات نياتهم المبيتة العازمة على عرقلة المسار الطبيعي لأشعة الشمس الدافئة. فيستقيل طاقم الوعي من مقرات قرارهم العقيمة ،خاصة عندما تتضخم فيهم نرجسية المراهقة التمردية التي أقسمت أن تستمر في عنادها الصبياني حتى لا تنخرط في لعبة النضج القادرة على ولوج ديناميكية الحرث عبر حقل الوضوح الذي يضع نقط السلوك على حروف الأقوال . قد يتبجح أحد هؤلاء المهرولين الذين تعطلت لديهم ميكانيزمات التفكير السليم بأن اللعنة ستلحق كل من يستغل الميراث الروحي لأجل مصالحه الشخصية ،فتجدهم للأسف هم أنفسهم منهمكين في عملية الإقتيات على أدمغة الأجيال الطرية العود يلحسونها بملعقة الدعاية الرياضية أو البروباكاندا الفنية أو الجمعوية بشكل تسييسي تخديري متعمد .وذلك لأجل صناعة هالة من الدعاية المفرغة من كل محتوى لإيديولوجيتهم الديماغوجية المنتهية الصلاحية . في الوقت الذي يرفض فيه هؤلاء استثمار الآخرين لهدى الدين في تزويدهم بمكابح أخلاقية تساهم في ترتيب فوضى بيتهم الداخلي واستجماع شتات هويتهم المتناثرة يضحك عليها الآخر بكل شماتة ودعم الشخصية المحلية بشحنة من الطاقة الروحية وعناصر الزاد الوجداني للحفاظ على خط التوازن والإستمرارية في درب الإستقامة المعقولة. 3-لماذا يعتبر إقصاء الإسلام أكبر خطأ تاريخي وتراجيدي على وجه الأرض؟ كثيرا مايجذبني بريق بعض العناوين الملهمة على الكتب التي ولجت أرشيف تاريخي الشخصي. ومن بين هذه العناوين:عنوان لكتاب ألفه العالم الهندي أبو الحسن الندوي رحمه الله:{ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟}.لقد كان المسلمون يحملون مشعل حضارة راقية جدا،استفاد منها جل أجناس العالم،و أصبحت شمس الحقيقة والتربية الصالحة ساطعة وواضحة .ولكن بعدما تقهقرت للأسف غرق العالم في ظلام القرون الوسطى،واستفاقت الحضارة العالمية من جديد على ضوء أشعة العلوم الموروثة عن المسلمين.فما كان بد من مطاردة فلول الظلام الذين يستفيدون من مواكب الجهل،وذلك بفضل جيوش النور الطلائعية للعلم المنبثق عبر خط امتدادي و إثر عملية تلاقح حضاري أخذ فيها الغرب الحكمة عن الإرث الإسلامي الذي لخص ويلخص حكمة الشرق. إن الإسلام باعتراف كبار المستشرقين الغربيين دين ليس كمثله دين لأنه قام على احترام العقل والدعوة إلى تأمل أبعاد الكون الخارجي و أبعاد الكون النفسي بحيث سخر الله كل الموجودات لخدمة البرنامج الإنساني الخير كون الإنسان مخلوق كرمه الله وفضله على باقي الكائنات لامتلاكه عدة قابليات تجعل منه كائنا متطورا ومتحركا في الزمان والمكان والسياق.لقد أمر الإسلام باستثمار القوى العقلية لبلورة كنوز العلم النافع وعدم الإيمان بالخرافة بحيث أنه حرم الإيمان بالله عن جهل ولمجرد تقليد الآباء وبأن الله يعبده المؤمن عن علم وبرهان.ولهذا كانت الحكمة منشودة مطلوبة من طرف المؤمن بالله يلتقطها من كل مكان حتى لو كان لادينيا ملوثا مادامت أنها تصب في مصلحة المجتمع في آخر المطاف.وفي هذا السياق تم تهييئ المناخ الفعال من طرف الدين الإسلامي لصياغة أدمغة ذهبية في إطار نفسي واحتماعي ملائم عمل على تحفيز ازدهار منهج التفكير العلمي الذي أدى إلى نشوء حضارة عالمية راقية،جمعت بين مقومات العلوم الحقة ومقتضيات الإيمان بالغيب،كما مزجت بين توابل الدنيا المادية أشواق الإيمان الروحانية. وأوروبا نفسها في عصر أنوارها لم تكن بمنجاة من التأثر عميقا بروح الدين الإسلامي في منهجه العلمي فقامت لنهضتها قائمة بعدما مسها قبس من نور الشمس الساطعة المنبثقة عن الدين الإسلامي الذي أوقف دورانها في حلقة التبعية الكلاسيكية للمنهج المادي الأرسطي الساذج ،ويخرجها من شرنقة المنطق الشكلي المنكمش على نفسه ليخرج بها نحو ميدان الإستنباط والإستقراء والتجربة والملاحظة والإستنتاج بعد البرهنة الملموسةعلى الظاهرة المدروسة .لقد تأثر العلماء الغربيون الاوائل بروح الدين الإسلامي وسلوكات علمائه قبل أن يتأثروا بمنهجه العلمي.والمسلمون لم يكونوا ليبدعوا هكذا منهج علمي لولم يتأثروا بإشراقات إيمانهم الخالص بالله وتعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم.وليس غريبا إن قال المفكر{ ليوبولد فايس} وهو شاهد من ضمن شهود غربيين كثيرين:{لسنا نبالغ إن قلنا أن العصر العلمي الذهبي الحديث الذي ننعم بثماره اليوم لم يدشن في مدن أوروبا بقدرما أنه انطلق من مراكز علمية إسلامية }.لقد كنا نسمع قديما بأن العلماء والمستشرقين الغربيين كانوا يحجون إلى جوامع العلم العربية بمافيها الأندلس وكانوا يقلدون المسلمين في لباسهم أولا ثم يتعلمون اللغة العربية ليلجوا أسرار العلم المأخوذ عن المسلمين.بل قد بلغ ببعضهم درجة التقمص والإعجاب أنه حفظ القرآن كاملا و أسلم بعد ذلك.و أجمل ماقرأته من أقوال وشهادات الغربيين قولة المؤرخ الإنجليزي {ويلز}:{إن كل دين لايواكب الحضارة المدنية في كل أطوارها فاضرب به عرض الحائط.و إن الدين الوحيد الذي وجدته يساير المدنية أينما سارت عبر التاريخ هو الإسلام.ومن أراد الدليل فليقرأ القرآن ومافيه من نظرات ومناهج علمية وقوانين اجتماعية فهو كتاب دين وعلم واجتماع وخلق وتاريخ.و إذا طلب مني أن أحدد معنى الإسلام سأحدده بهذه العبارة :الإسلام هو المدنية }هذا اعتراف أحد المثقفين والعلماء الغربيين الذي يأمرنا بقراءة القرآن إذا أردنا أن نكون فعلا موضوعيين وعقلانيين حينما نصدر أحكاما ومواقفا حول الإسلام فما بالك بملحد من أبناء جلدتنا شبه أمي .بل ما يزيد الطين بلة ويثير الشفقة أنه يؤسسس لجمعية ما لأغراض خبزوية ذاتية تافهة،كما أنه يدعي العلم والثقافة وهو من أشباه المثقفين للأسف،لأنه يتقزز ويمتعض من قراءة القرآن أو أي كتاب آخر يتحدث عن حقيقة الإسلام.هذا هو حا ل الخفاش الذي يقبع في الظلام لمدة طويلة فلايستطيع أن يفتح عينيه ويحدق تأمليا في نور الشمس الساطع. هذا هو حال المثقف الذي يرزح تحت درجة الصفر في الثقافة والتثقف يغض طرفه ولايريد أن يقرأ عن الإسلام كي لايعرف الحقيقة ويظل قابعا في جهله المرعب.أود إضافة قولة عالم التاريخ والإجتماع والفلسفة {غوستاف لوبون}:{ إن المسلمين هم الذين علموا العالم كيف تنسجم حرية التفكير مع استقامة الدين}،إن تناغم البعد العقلي مع البعد الوجداني مع البعد السلوكي الحركي دليل على تكامل الشخصية والصحة النفسية لدى الإنسان.وكلما كان هناك تصادم بين هذه المكونات الباطنية كثرت التناقضات التي تشكل قنبلة موقوتة لتشتيت وحدة الذات مما يعرضها لجنون حتمي. أما القولتان الأخيرتان اللتان أود أن أدلي بهما فهي صفعة رائعة لكل عشاق مفهوم العلمانية الذين يريدون فصل الدين عن كل مناحي الحياة و تقزيم أهمية دوره في توجيه البشر الضعفاء.الأولى قالها الكاتب الفرنسي أناطول فرانس :{لقد تفرد العلم الإسلامي أنه لم ينفصل عن الدين قط ،والواقع أن الدين كان حافزا له،وسنعجز عن فهم العلم الموروث عن المسلمين إذا لم تتم معرفة حقيقة دينهم .} ويقول رولان روم:{يتميز العلم الإسلامي فيما مضى بأنه شديد الإرتباط بالدين لأن الأخير كان في الواقع هو الملهم الحقيقي والقوة الدافعة الرئيسية .وما ظهور العلم في المنظور الإسلامي سوى لغرض إقامة الدليل على الألوهية.} لقد صدق الله سبحانه وتعالى حينما قال في كتابه الكريم:{إنما يخشى الله من عباده العلماء}إن خوف الله يكتسبه الإنسان من المطالعة والقراءة والبحث العلمي وليس من التبعية والتقليد واتباع الإشاعات المغرضة. أما الملحد الجاهل اللاديني المغرور بجهله فهو عدو لنفسه ولايري أنه عدو نفسه لأنه جاهل في الصميم ولايريد أن يقرأ مايكتب حول الإسلام.يقول المثل العامي عن مثل هؤلاء:لقد تبول الشيطان في حواسهم فهم صم بكم عمي وبالتالي أصبحوا كالبهائم غائبي العقول.لهذا السبب يريدون إقصاء الدين بكل غباء للأسف .ويجب أن لا ننسى أنه قد قامت حركة احتجاجية في إسبانيا ما بعد سقوط الأندلس وجلاء المسلمين عنها نحو شمال أفريقيا ،فووجهت بالقمع في زمن أصبحت فيه إسبانيا ملاذا للصوص والفوضى والأزبال بعدما كانت تعيش عصرا ذهبيا مع المسلمين.بحيث كانت إسبانيا تعج بالعلماء والنظام والنظافة.فكانت مطالب هؤلاء الإسبان الأصليين المسيحيين أنهم يريدون رجوع المسلمين من المغرب وشمال أفريقيا بصفة عامة بعدما طردوا منها شر طردة. لأنهم أناس في مستوى الإنسانية الناضجة بحيث أن بلادهم كانت في ظل التقدم بمعيتهم ،وهذا اعتراف بالجميل بأن المسلمين/الموريسكيين بحكم قربهم من القارة الأوروبية،كانوا أفضل أساتذة للعالم آنذاك في العلم والتدبير السياسي والتربية المجتمعية حتى و إن احتمال رجوعهم إلى الأندلس آنذاك من المستحيلات. بسبب النعرات العصبية المسيحية والجشع السياسي الأوروبي الذي كان لا يعتبر الإسلام كخصم سياسي فقط و إنما كخصم وجودي أنطولوجي وجب محوه إلى الأبد ،تماما مثل مايفعله بعض أبناء جلدتنا الذين تم غسل أدمغتهم فأصيبوا بمرض إسمه عقدة الدين أو الحقد الأعمى على الإسلام. لقد كان الإسلام في تلك اللحظة التاريخية بما تركه من بصمات تأثير إيجابي، مدرسة حياة ومشروع نظام متكامل في كل من السياسة والاقتصاد و الإجتماع والتربية،لهذا كان العالم في حاجة إلى هدى الإسلام وتعاليمه المضيئة في كل مكان وزمان ليشع بنور شمسه الساطعة، على حد قول المفكرين الإنجليزين{ طوماس كارلايل} و{برنارد شو}،ليضيء ظلام دروب العميان السادرين في غوايات الملكوت الشيطاني حيث المجد السياسي الزائف والنفاق الإجتماعي هما المسيطران على مجمل الوضع آنذاك. لقد نعى العالم الفرنسي المسلم{ روجي غارودي} انهزام المسلمين في معركة بواتييه جنوبفرنسا لأن أوروبا قد حرمت بتلك النكسة، فرصة تاريخية مهمة للتطهر من أدران تخلفها.لقد كان من الواجب حسب غارودي أن يصل ذلك الإرث الوجداني الديني الإسلامي إلى باقي أوروبا الشمالية ليبصمها ببصمة الغذاء الروحي المستدام المنتج لأهم رأسمال هو الرأسمال البشري الواعي والمتزن،ولهذا السبب نرى أن التقدم المادي لدول اسكاندينافيا لم يشفع لها أن تضمن السعادة الباطنية لمواطنيها.و لهذا السبب ارتفع معدل الإنتحار لديهم بحسب أرقام الإحصائيات المسجلة مؤخرا،لأنهم لم يتربوا تربية دينية روحية صحيحة تمنح لهم نفحة وجدانية تضفي معنى على غاية وجودهم بعد امتلاك شتى وسائل الراحة والإسترخاء المادي خاصة لدى المستغرقين في عالم الغنى الفاحش . وبعد سرد هذه المحطات المضيئة ،يمكننا القول أن الذي يريد إقصاء الدين بإشعاعه التنويري عن تدبير الشأن العام والخاص، إنما أصيب بخلل في حساباته الضيقة، كون قلبه قد تعامى فصار بالفعل أعمى أو بالأصح صار ميتا أصلا لأنه يرفض الإلتحاق بموكب القوى الحية.وللمفارقة العجيبة أن هؤلاء الفلول اللادينيون يعتبرون أنفسهم قوى المجتمع الحية.لايمكن للجاهل أن يكون عنصرا حيا لأنه ميت أصلا. أما المعذبون الحقيقيون في الارض ،فهم أولئك الذين يكتوون بنار الغيظ كلما ذكرت كلمة الدين وذيلت بأهميته في حياتنا.ألا إن هؤلاء هم مرضى القلوب لأنهم يجهلون ويتوهمون أنهم يملكون زمام العلم وهم مجرد متعالمين يدعون العلم وهو بعيد عنهم بعد النجوم.إنهم تعساء فعلا، لأنهم لا يعلمون سر حقدهم على نور الحق.اللهم إلا إذا كانوا ينتمون إلى سلالة الخفافيش ومصاصي الدماء الذين يخافون مواجهة النور الذي يحرق كل توقعاتهم، ويريدون من العالم إصابته بعدواهم حتى يصبح كل الناس على شاكلتهم السوداوية السلبية و بشكل عولمي استحواذي بغيض. وهؤلاء،بدون أن يعوا رداءة معدنهم، إنما يشكلون الطابور السري للموكب الإبليسي المتمثل في كل أشكال الحثالة البشرية التي لم تتلقى تربية صحيحة فسكنتها أشباح الإستحواذ الهمجي الغير مبرر على حقوق الضعفاء.ولهذا تراهم يعادون كل نور يفضح تجاعيد نياتهم السيئة في تجسيد مصالحهم الجشعة،وهم وحدهم من لهم مصلحة في إقصاء الدين الحقيقي لأنه يكشف عورتهم الملوثة و يساهم في تعليم الناس عدم الخنوع لهكذا إذلا ل ومهانة عبر إلهامهم بذلك الحس الثوري الذي لايعترف بإلاه غير الله وحده فلا معبود سواه.ويطيح بكل الأصنام الحداثية المصطنعة .إن مرضى القلوب الذين عقدتهم صراحة الدين يتوهمون أنهم مالكي العلم التليد و أنهم جاؤوا لإنقاذ البشرية من التفكير الخرافي. و أنهم على درب ترجمة قناعاتهم التي لا تخطئ والمستعدة للقيام بقفزة بهلوانية عجيبة في سبيل ضمان المصلحة العامة المزعومة. لكنها في العمق مجرد مصلحتهم الأنانية يرفعون بها عقيرة صراخهم فوق المنابر المكبرة لضجيج الصوت. تلبدت غيوم السماء العالمية بغيوم اللادينية بسبب تبخر التقيؤات السوفسطائية الملوثة.أما في مدينة مصاصي الدماء، فلايزال الحضر ساري المفعول على نور الشمس الساطع كي لا تسلط الضوء على فقرة كاملة من المغالطات تغطي بسربا ل ظلالها الملوث جملة الحقيقة. أما في مدينة الخنازير المشؤومة ،فيبدو أن سيناريوهات الجمالية محرمة تحريما مطلقا.بحيث يتم استبدال مناظر الطبيعة الفطرية بمناظر المزابل المستحدثة.كما أن جبل الجليد المشرئب بعنق صفائه الناصع والمجسد للنقاء الفطري،قد تم اختزاله في كل ماهو ترابي بفضل تقنيات المراوغة الذئبية الرقمية .كما تم طي حجمه الهائل في أحد أفرانهم المهترئة ليتم تذويبه مع عناصر التلوث ،ليخرج الجليد النقي في نهاية المطاف مجرد مياه بواليع نتنة في قارورات حداثية آخر موديل قابلة للبيع وجاهزة للتصدير، وفق مخطط التربص بصحة الإنسان و الإطاحة بحضارته المحترمة المنبنية على قيم الأخلاق النبيلة والفضيلة النقية.إن الكائنات الملوثة بنجاسة نواياها الخبيثة مسبقا والتي تبلورت في سلوكات مشبوهة حبلى بشتى أشكال الإنتهازية و الميكيافيلية الثعلبية، هي فقط من تجعل، من التحرك الواقعي البريء للفرد في درب الشأن العام والخاص كي يحرث إيجابا في حقل السياسة، تحركا مدنسا وجريمة لاتمت بصلة إلى الطابع المقدس الطاهر للسلوك الديني.فتأملوا معي هذه المفارقة العجيبة التي تصبو إلى إخفاء الحقيقة.بحيث نرى أن هذا المدنس قلبا وقالبا،لايرى غضاضة في الإستهزاء بالمتدينين الأطهار عبر نصحهم لله في سبيل الله،بعدم تحمل أثقال المسؤولية التي لا يستطيع حملها حسب زعمه سوى الحمير .خاصة و أن ولوج التدين ميدان السياسة سيلوثه ويصيب توازنه الداخلي بعدم التوازن وضياع التقوى وذوبان الصلة الروحية التي تربطهم بالله وبالتالي سيحرم نفسه من الحصول على السعادة الأخروية.إن الكائن الملوث قلبا وقالبا يمرر خطابه المسموم هذا والذي ينجح في تمريره إلى المؤمنين السذج فقط، فتتسنى له فرصة القيادة.يقود من خلالها قطيعا من السواد الأعظم المحسوبين في انتمائهم على الدين للاسف.وحاشا للمسلم المؤمن أن يكون غبيا إلى هذه الدرجة. وهو من المفترض أن يكون أستاذا للعالم في التوجيه الشريف والتصرف بذكاء مع مثل هذه المواقف. لايمكن للمسلم الحقيقي القوي والذكي أن تنطلي عليه الخدعة،فينساق مع مثل هكذا نصائح علماوية لادينية مغرضة كي يمتنع عن التصويت مثلا على من هو أفضل للقيادة. لايمكن أن يتم صناعة مستقبل حقيقي دونما التصرف بواقعية والتخطيط له بإحكام، بعيدا عن الطوباوية والخيالية والإنتظارية العقيمة,و إلا فإن المؤمن بذلك يزيد من تدعيم عملية إنجاح الخطة الإبليسية للكائنات الملوثة قلبا وقالبا والمنبطحة لخطط الإمبريالية المتوحشة. وبالتالي الإبقاء على طابع الدنس يلف بغيوم كوابيسه كل الهالة النورانية لشمس حقيقة الإسلام الساطعة،يريدون أن يطفئوا نور الله بأ فواههم كي لايتسلل دفئه فيذيب عناصر الماكياج المزيف التي وضعوها على وجوههم المتوحشة.هكذا يتم تعتيم الشاشة المفعمة بعناصر التلقائية. وعلى وزن القولة المذكورة آنفا:ماذاخسر العالم بانحطاط المسلمين؟أقول: أن الإنسان سيخسر كل شيء إذا هو تخلص من بلسم الخلاص وفضل التوغل في متاهة الطلسم الظلامي ليتورط في مرحلة الحرج المرضي.كما أنني أود قول:ماذا سنخسر لو أننا أدمجنا منظومة الطهر النقي للتوجهات الإسلامية السمحة داخل النسق السياسي المدنس ليتلون حقلها النجس القاتم بأزهى الألوان الروحانية انسجاما مع عجلة الإصلاحات القائمة ،فيستقيم أمر الدنس بعد ذلك ليتطهر من قذاراته المادية المعطوبة والمعنوية المعاقة.تماما مثل تلقيح الرضيع بفيروس محدد لتحريك آليات الدفاع والهجوم.ومثل إدماج المضادات الحيوية في بؤرة الفساد الجراثيمي لتطهير الجسد من عدواها بعد عمليات كر وفر باطني ،ولولا هذا التدافع الإيجابي لبسط السرطان نفوذه بشكل معضل جدا يصعب معه الشفاء.يبدو أن العلماوية الدنيوية في ظل الحراك المنبثق عن الربيع الدموقراطي قد استنفذت ذخيرة آخر بطارياتها في حقل التجريب المسؤولياتي ففشلت فشلا ذريعا.ومازال البعض يمني نفسه بالأوهام فيحاول أن يخفي الشمس بالغربال المثقوب.ومازال البعض مصرا على تطبيق ما تبقى فيها من شظايا انكسارات في زمن طلعت فيه شمس الحقيقة ساطعة قوية بنور الحق تذيب المستحضرات الكيميائية المزيفة على الوجوه والقلوب ,ولم يعد المكان يسع سوى لمنظومة قيمية عادلة تساهم في تكريس المعقول. وخلاصة القول نقول إن التفكير السليم كلام حركي صامت بينما الكلام الحكيم فهو تفكير سليم بصوت عال.وعلى الرغم من محاولة البعض تخدير الفطرة السليمة لخداع الشمس و إطفائها كي ينام الوعي عند غفلة أصحابه،فإن يقظة النجوم الصاعدة سيشكل مفاجأة صادمة للواهمين بضرورة إقصاء الدين عن السياسة كونه أكبر خطأ تاريخي يمارس على دين يتمتع بالمصداقية . إن الصبيان والمراهقين السطحيين هم فقط من لايحملون المعنى داخل فقرة الحقيقة محمل الجد.أما من شمر تفكيره عن سواعد السلامة والتجريد الإيجابي ، فإن أقدامه ستتخلص من قيود الجذور المصطنعة التي تجعلهم يخلدون إلى الجانب الترابي للأرض فيتقاعسون عن مضاهاة الأجنحة المحلقة في فضاء العلا لي .لن تكون أكثر حداثة وتطورا في تفكيرك إذا كنت تعاني من عقدة الدين وترضى باستهلاك نماذج حضارية تملى عليك من الغرب. وستكتفي بتقمص دور الببغاء المقلد الذي يتمتع باللاوجود لأنه لم يفرض خياره الشخصي القابل للتصدير.إن سخرية الحكماء اللاذعة من هكذا مفارقات يسقط فيها اللادينيون، تزرع خوف الله في القلوب لأن مصير الغد المرتقب هو بداية النهاية، في الوقت الذي تندلع فيه الشرارة الشيطانية من فوهات الغباء المحتفلة بحفلات التفاهة حيث يقهقه الحمقى المنخرطون في طقوس عبادة الجسد/الشيطان .وكونهم يشعرون حسب اعترافاتهم أنهم واقفون فوق قمة الصواب المطلق. لايسع لنا القول سوى أن حلوقهم هي التي تقرقر بنشوة الغرور المتعجرف وتتبخر أدمغتهم ببخار الغباء النادر.لهذا فإن مذاق الوليمة لايعدو كونه مذاقا مصطنعا مزيفا لأنه بكل بساطة نكهة فرعية مستوردة ليس إلا.وتبقى العودة إلى الأصل فضيلة.أما أشباه المثقفين فإنهم مازالوا يتملون طلعة وجههم في المرآة ليقيسوا بذلك قدرتهم على استقطاب الأضواء فوق خشبة المسرحية المزيفة. وينتظرون من الجمهور الساذج أن يصفق على حماقاتهم البلهاء. يقول ماركس:ياعمال العالم إتحدوا.ونقول نحن:ياعلمانيي العالم .لقد انكشف الغطاء وسطعت شمس الحقيقة.آن الأوان كي تنهضوا من سباتكم لتنفضوا عنكم سبات الخدعة التي انطلت عليكم في إقصاء الدور الديني في إنعاش حركية التدبير السياسي. [email protected]