في إطار سلسلة الأنشطة التي دأبت جمعية الريف للتنمية المستدامة على تنظيمها، كان لساكنة طنجة وطلبتها والباحثين والمهتمين يوم 18/06/2011 موعد مع ندوة علمية تحت شعار "المسألة الجهوية بالمغرب: أية آفاق؟"، راعت في موضوع المسألة الجهوية، والذي يعتبر موضوع الساعة، ضرورة إثراء هذا اللقاء عبر استضافة شخصيات من مشارب فكرية وعلمية مختلفة للإحاطة بالمسألة الجهوية بالمغرب وآفاقها المستقبلية من جميع جوانبها عبر مقاربات متنوعة ومختلفة، يشكل التكامل الخيط الرابط بينها. في بداية أشغال الندوة العلمية تقدم الأستاذ عبد السلام بوعدي، رئيس جمعية الريف للتنمية المستدامة، بكلمة ترحيبية بالضيوف الأساتذة المؤطرين للندوة على تجشمهم تحمل وعثاء السفر والتنقل من أجل إنجاح هذا اللقاء، كما نوه بالمدعوين والحضور على تلبيتهم الدعوة لإثراء هذه الندوة العلمية من خلال أسئلتهم ومداخلاتهم، وأشار بعدها على كون أن الجمعية منذ ولادتها نهجت خطا استراتيجيا يروم أو ينطلق من تنمية الذات إلى التنمية المجالية، كما تقدم بعرض تصورهم داخل جمعية الريف للتنمية المستدامة نموذج التقسيم الجهوي الذي تتبناه الجمعية، وهو تقسيم يقسم المغرب إلى ستة جهات عوض تقسيم اللجنة الجهوية الموسعة لعزيمان الذي يحدد هذه الأخيرة في إثنا عشرة جهة. بعدها تناول الكلمة،الأستاذ عبد الوافي المسناوي،المنسق الوطني للجمعية، أكد من خلالها على أن الجهوية هي رهان ثقافي وتنمية إنسانية، بدونها يتعذر ولوج الحداثة، وهي ليست قضية تهم البلدان النامية فقط، بل هي تجربة عرفتها البلدان المتقدمة أيضا، حسب تعبيره. وفي أول محاضرة، تناول الكلمة الأستاذ الطاهر المريني، باحث في المسألة الجهوية، عرض من خلالها مجموعة من المفاهيم النظرية المؤطرة للجهوية الموسعة، كالجهة والجهوية والجهاتية باعتبارها ركيزة أساسية للفهم الصحيح لأي جهوية نريد، حسب تعبيره، وقد أكد على كون أن الجهوية خيار عصري لا محيد عنه، كما تناول مفهوم الدولة الأمة ذات المرجعية الليبرالية، إذ عدّها ترتكز على مفهوم التوحيد ولو اقتضى الأمر قصريا، حيث اعتبر أن شكل الدولة الإسبانية كان أقل حدة وقوة في مسألة المركزية الشديدة من فرنسا وهو ما أعطانا، حسب قوله، هذا الشكل الذي هو عليه النظام السياسي بالدولة المغربية، باعتباره وريثا لفرنسا، وأضاف إلى أنه لا يعتقد أن هناك حركات قوية من شأنها أن تفرض تصورها على المركز، وأن الإكراهات التي تأتي من المركز ستفشل أي جهوية، بسبب المركزية ووصايتها على الجهات، حسب تعبيره. أما الأستاذ أحمد السوداني، أستاذ بجامعة سلا، فقد استحضر التجربة التاريخية الإسبانية في مصارها الطويل والدموي (شهداء وضحايا تعد بالملايين) في تقعيد مفهوم الجهوية الموسعة، وقد اعتبر أن الأحزاب العائلية، كما أسماها، أدت إلى إضعاف الملك في إسبانيا، نتج عنه تحولا في النظام السياسي الإسباني، من ملكي إلى جمهوري، قبل أن يجمع المفكرين الإسبان على كون أن تربة إسبانيا لا تصلح للنظام الجمهوري (في 11 شهرا عرفت إسبانيا أربعة رؤساء في النظام الجمهوري). وفي معرض حديثه عن الجهوية في المغرب، فقد عدّها خيارا فاشلا، مرده إلى أنه ليس هناك تغييرا في الدستور المعروض للإستفتاء في مسألة الجهوية، ليخلص في الأخير إلى أن الملكية الديمقراطية هي الملكية البرلمانية، كما أشار إلى أن الملكية في إسبانيا نوقشت سنة 1908 تحت تأثير الخارج (الثورة الفرنسية)، واليوم نناقش الملكية بالمغرب تحت تأثير الخارج أيضا (الثورة التونسية والمصرية والليبية...)، مع إثارته للخصائص المشتركة بين المغرب وإسباني: الملكية، القومية، الدين. في حين أكد الأستاذ الصحفي، عبد الهادي مزراري، في محاضرته، على أن رؤساء الجهات والمقاطعات يشتغلون في إطار قانون فوضوي، مرده إلى أزمة سلوك بشري، بسبب التداخل الكبير والحاصل على مستوى الإختصاصات بين المركز والجهات من جهة، ومن جهة ثانية التقاسم العشوائي للسلطة بين المركز والجهات،حسب قوله، وقد اعتبر أن نجاح أو فشل أية تجربة رهين بمؤسسة المحاسبة والعقاب... أما الأستاذ محمد بودرا، رئيس جهة الحسيمةتازة تاونات، فقد اعتبر في محاضرته بأن الجهة المتوسطية أصبحت ضعيفة بسبب سياسات المركز الموروثة عن الدولة الفرنسية اليعقوبية، مبررا ذلك بكون أنه ليس هناك ثقافة جهوية، مما أفسح المجال أمام سيادة العقلية المركزية المسيطرة، وهذا ما سيفقد الناس الثقة في الجهة بسبب نقص الشرعية لأن الإختصاصات ما زالت في يد المركز، وأنه ليس من السهل تقاسم السلطات بين المركز والجهات، حسب تعبيره، وأضاف بأن معركة الغد هي معركة داخل قبة البرلمان، محورها القوانين التنظيمية (التشريع)، كما شدد على أن المستقبل للأحزاب السياسية، إذ دعا إلى ضرورة الإنخراط فيها بكثافة وإصلاحها، إن كانت فاسدة، أو إنشاء أحزاب غيرها تدافع عن قضايانا الحقيقية في الحكومة والبرلمان، على حد قوله. وقد تميزت الندوة بمساهمة بعض الأجانب الأوربيين في تأطيرها، حيث استعرض الأستاذ تشارلز وايت، المفوضية الأوربية، المديرية العامة للسياسة الجهوية، في محاضرته، باستحضار التجربة القطرية الأوربية في السياسة الجهوية من خلال عرضه لمعطيات دقيقة في هذا المجال. إلى جانب الأستاذ نيكولاس بيرين، ممثل جهة بروفانس- ألب كوت دازور، مجال اختصاصه، التعاون الأوربي المغربي جهة طنجة-تطوان، حيث قام باستحضار تجربة المساعدة التي يتم تقديمها لجهة نواكشوط الموريطانية في هذا المجال. أدار فقرات الندوة الأستاذ جمال بن بوعزة، التنسيقية الأوربية للجمعية، الذي عمل على تلخيص ما تضمنته محاضرات الأساتذة المؤطرين وترجمته من وإلى العربية. كما عرف أيضا هذا اللقاء مداخلات وازنة من طرف الحضور، إذ عمقت وأغنت النقاش في جو خيّم عليه إحساس بالمسؤولية والجدية في المسألة الجهوية في المغرب وآفاقها المستقبلية.