تعتبر جرائم المخدرات من أخطر الظواهر الإجرامية في العصر الحديث نظرا لمرونتها الكبيرة و تطورها المستمر و اتسامها بطابع التكيف مع الاوضاع و المتغيرات بسرعة كبيرة مما يجعلها من خلال تمظهراتها من بين اخطر الجرائم التي تهدد استقرار المجتمعات و بنياتها المشكلة . ترجع علاقة الانسان بالمخدرات الى أزمنة غابرة فقد عرفت البشرية موادا مختلفة تؤثر في العقل و الحدس و الادراك و استخدمت هذه المواد غالبا في التخفيف عن الألام و الأوجاع و علاج بعض الأمراض و كذا تم استعمالها في بعض الاحتفالات و الطقوس الدينية لما تثيره في الأنفس من لذة سريعة و انشراح متدفق لحظي يشعر صاحبه بنوع من النشوة الكاذبة . تجارة المخدرات كأرقام للمعاملات: تذكر تقارير المنظمة الدولية للادمان ان تجارة المخدرات عبر العالم تتساوى أو تتفوق في بعض الأحيان على نظيرتها تجارة الأسلحة و تقدر كميات المخدرات التي تنتقل بين القارات الخمس سنويا الى ما يفوق ضعف واردات الدول الفقيرة من القمح هذا الأمر يجعل ازدياد الطلب العالمي على المخدرات رقما صعبا في الاقتصاد الدولي حيث تقدر بعض تقارير معاهد الرصد الدولية لتحركات تجارة المخدرات الكتلة النقدية الناجمة عن تجارة المخدرات عالميا الى ما يفوق 50 بليون دولار تنتقل سنويا عبر القارات الخمس مشكلة " بورصة مالية" تؤثر في عالم التجارة الدولية و الاقتصاد العالمي .صدر سنة 2018 تقرير عن المنظمة الدولية للجمارك اعتبر فيه أن تجارة المخدرات قد تتفوق مستقبلا على كثير من الصناعات الثقيلة و ان كيميات المضبوطات سنويا عبر ارجاء العالم لا تتجاوز10./. بسبب التحديث المستمر لأساليب التهريب و التنقل خصوصا في البلدان التي تعرف هشاشة أمنية أو ضعف في تدريب الكوادر و الأطر المناط بها حماية الحدود من هذه التجارة الدولية التي تعتبر تحديا أمنيا عالميا . المخدرات في التشريع و القانون : حاول المشرع المغربي محاصرة الاتجار في المخدرات عبر سن مجموعة من القوانين و الاجراءات التي حاولت سد الثغرات القانونية المتعلقة بموضوع الاتجار في المخدرات منها الظهير الشريف 22 دجنبر 1922 و الذي اعتبر المخدرات موادا سامة و ظهير 24 ابريل 1954 الذي يحدد نبتة الكيف وتحديد مشروعية زراعته و ظهير 21 ماي 1971 الذي يتعلق بالمخدرات و المواد الصلبة و كذا ظهير 22 يناي2002 المتعلق بالمصادقة على اتفاقية فيينا و القاضية بتجريم الاتجار في المخدرات هذه النصوص مجتمعة و غيرها سمحت للقانون المغربي تطويق هذه الجريمة الى اقصى الحدود و تسهيل متابعة تحركاتها المتقلبة و ضمان عدم افلاتها من العدالة مع رعاية سلامة الاجراءات المسطرية و التكييفات القانونية و الاجتهاد الدائر في الفقه القانوني حول اشكالية المخدرات و توضيح اوضاعها و تعاريفها و حالات الطعن في انواعها و اوصافها الى ما هنالك من سيرورة دراستها و تبيين علاقاتها الطبية و المخبرية و اسقاطاتها المسطرية و القانونية . تجارة المخدرات من خلال المنظور الطبي: عرفت المخدرات طريقها الى الاستعمال الطبي منذ زمن بعيد و قد اثبتت بعض الابحاث الاركيولوجية ان حضارات قديمة استعانت بانواع معينة من النباتات و الاعشاب في تسكين مواضع الالم لدى المرضى و هكذا فقد عرف المصريون القدامى الاستعمالات الطبية لنبتة " الزرن" المخدرة و التي تنمو على صفاف نهر النيل و كذلك استعمل البابليون مسحوق" الكردن" في الجراحة بسبب اثاره التسكينية الكبيرة و هكذا تطورت الاستعمالات الطبية للمخدرات حتى اضحت بروتوكولا علاجيا في بعض التخصصات الطبية اليوم و قيدت الأنظمة الطبية استعمالاته باجراءات قانونية حمائية مخافة استغلال الجانب الطبي لها في اعمال اجرامية. تجمع الأبحاث الطبية على أضرار المخدرات و اثارها المدمرة على الصحة خصوصا الجهاز العصبي المركزي حيث يؤدي الادمان على المخدرات الى تدمير النواقل العصبية في الدماغ و تخفيض هرمون السيروتونين و الدوبامين و النور ادرينالين التي تصبح اخطر في حالات الاستعداد الوراثي للمرض حيث انه بامكان المخدرات ان تؤدي الى الاصابة بالجنون و ظهور أمراض مستعصية مثل الفصام و الهذيان و الهستيريا و كلها امراض تدمر الانسان و النسيج الاجتماعي برمته و تسهم في تكوين جيل من الشباب المبنج و الفاقد للارادة و المسلوب ذهنيا و عاطفيا .تقدر الاحصائيات تكلفة علاج الادمان على المخدرات عبر العالم الى اكثر من 20 مليار دولار سنويا و هو ما يزي العبء على الأنظمة المالية للدول في الوقت الذي كان من الممكن استثمارها في عائدات تحقق نمو المجتمع و سعادة افراده . التنمية و تجارة المخدرات : تلعب المخدرات دورا كبيرا في حركية الاقتصاد العالمي و ذلك بسبب كمية العائدات المالية الكبيرة و التي يتم تبييضها على شكل عقارات و مشاريع كبيرة يتم دمجها في المنظومة الاقتصادية بمرونة كبيرة و تحقق عوائد تنموية و اقتصادية سريعة الا ان الاستقراء للقواعد الاقتصادية و مدى سلامة هذا التدفق العشوائي من المال الى الدورة الاقتصادية يجعل علم الاقتصاد متخوفا من اقحام العائدات السريعة للمخدرات في الاقتصاد المحلي للدول على اعتبار طبيعة هذا المال الذي لا يعرف تطوره الطبيعي في ظل دورة المال العادية و احترام مراحل نموه و خو ما يهدد تماسك الدول الاقتصادي و ينذر بخرابها . الريف و المخدرات : لم يعرف الريف في تاريخه عملية الاتجار في المخدرات و لا يمكن اعتبارها سمة للمنطقة تاريخية في المنطقة حيث ظل الريفيون مزالون لاعمال الفلاحة التقليدية و يعتاشون عليها و هذا ما أكدته العديد من الكتابات الاستشراقية التي حلت بالمنطقة و كتبت عنه فلم تشر الى اي اشارة تلمح الى هذا النوع من الاتجار أو التفكير فيه بالرغم من استعمال الكيف كنبتة تزخر بها المنطقة في بعض اجزائها من طرف بعض الريفيين كمزاج شخصي لا اقل و ات اكثر . ان الاتجار في المخدرات تهديد للأمن القومي للشعوب و الدول حيث يعطل طاقات الانسان و ينذر بتكوين جيل من الضباع لا افق له غير ما تقدمه سحائب دخان " المخدرات " او " جوان" .و كذا ينذر بخراب المجتمع بخراب نواته الذي هو الانسان و توابعه من العمران لذلك وجب محاربته و تبخيسه حتى القضاء عليه و تفعيل مراقبة القانون لكل تمظهراته. جمال الدين اجليان .