إن الفن هو مرآة المجتمع. فأنت إذا أردت أن تعرف طبيعة مجتمع ما ورقي مستواه عليك أن تنظر إلى الفن الراقي والمحترم الذي يبدعه. أما الذين ما زالوا يمارسون فقها بدويا عبر تحريم الموسيقى والتصوير مثلا لأجل إبعاد المسلمين عن دورهم العالمي في إغناء الحضارة الإنسانية والمساهمة فيها بامتياز فلا محل لهم من الإعراب في هذا الوجود. وقد يكونوا مجرد ظلال تكتفي بموقف التقليد والصمت المنافق بالتالي تبقى أشباحا بلا هوية ولا موقف في الحياة ولا انتماء حضاري وبالتالي ستصبح هذه الظلال بدورها عالة على المجتمع لأنها لا تجتهد وتبدع وشخصيتها ضعيفة أو لأنها لا تستطيع قول الحق عبر إبداء راءيها الصريح في النقاش الحضاري حول أهمية الفن في تغذية الروح وتربيتها. وتقليم أظافر الهمجية. بل ربما أن من يحاول الدهاب في هدا الاتجاه يبقى مجرد عاشقا للرهبانية النصرانية في القرون الوسطى والتي كانت تنظر الى الحياة الدنيا بتوجس وحيطة بسبب تضخم خوفهم المرضي من العداب الأخروي .فكما أن هده الرهبانية كانت تعتبر النظافة وزرا و عصيانا و التقرب الى الله يستوجب ترك الجسد مليئا بالنجاسة .كدلك كانوا يضعون القرآن الكريم في قفص الاتهام كونه ليس كتابا مقدسا يحتوي كلاما الاهيا.والسبب في زعم هؤلاء الرهبان أنه يحتوي على اعجاز صوتي يتجلى في الانسجام الساحر بين آياته.والتناغم العجيب بين مفرداته ومعانيه.الى الحد الدي شبهوه بالغناء حينما يقوم أحد القراء بتجويد القرآن وترتيله.والنقطة التي أفاضت الكأس هؤ الحديث النبؤي الشريف القائل=ليس منا من لم يتغن بالقرآن...و هؤلاء الرهبان يعتقدون خطأ و ضلالا أن النظافة عصيان والقرأن بسبب جمالية بنيته الصوتية كتاب دنيوي يخاطب الحواس و ليس كتابا ربانيا يخاطب الروح و الوجدان. و هدا الأمر يشبه تماما مثلما يعتقده بعض اخواننا من بني جلدتنا أن حلاوة الصوت الموسيقي معصية.وحب الجمال معصية.و تربية الدوق السليم علي الغناء الهادف معصية أيضا.والميل نحو هدا الفهم اللامنطقي أشبه بالفهم المتقمص للتخليل الخرافي الصادر عن دهنية تحريمية مبالغ فيها.ومثل هدا الشرح يكاد يكون سطحيا و عبثيا. وهده الرؤية اللامعقولة للأمور هو الدي دفع عقلاء النصارى من الانسحاب من تحت بساط الدين والتوجه مباشرة نحو الالحاد بالله.... إن الموسيقى والأغنية الهادفة تجنب الإنسان التورط في عشق صوت الحمير عوض صوت العصافير. وتحول دون الإعجاب بمنظر الأزبال عوض منظر الورود. انها تلغي دلك الجانب الحماري الدي يكرس غباءا في فهم الأمور. إنها تلغي ذلك المزاج الوحشي الذي يعشق جريان الدماء عوض جريان الماء والحليب. إن الذي يحب سماع الضجيج واللامعنى ويفرح عند مشاهدة الفوضى ومناظر الكآبة قلبه مريض. معقد نفسيا. ومختل ذهثيا. يعاني من انهيار عصبي وشيك وهو لا يدري.يحتاج الى معالجة بدواء الانسجام وحلاوة الصوت والكلمات الشعرية الجميلة المحترمة لأن الله جميل يحب الجمال. طيب لا يحب إلا طيبا. وغير راض على الإنسان الهمجي غير مؤدب والذي تجرد من إنسانيته وروحانيته عبر رفضه للجمال بكل أصنافه والموسقى جمال سماعي. إن الذي يرفض الموسيقى ويحرمها على الناس لمجرد أنه يكرهها فقط أو يعجز على ممارستها مخلوق زائغ ضل طريق الحق والحكمة. و سيصير مع مرور الزمن مثل ذلك الثعلب الذي يشتم العنب ويتهمه بالحموضية لمجرد أنه عاجز عن الحصول عليه و تذوقه. وهذا الثعلب يبقى مجرد حيوان بليد عاجز سطحي التفكير يبحث عن التبريرات الواهية ليتخلص من مسؤولية المشاركة في اضافة رصيد تنميقي الي البنك السمعي لاسعاد الناس والمساهمة في اغناء الحضارة الانسانية. ولم لا اعتباره شريرا ما دام أن الخير هو من عائلة الجماليات أيضا. والحقيقة الجمالية لا يمكن المساومة عليها والتعامل معها بانتقائية. وأن تجزيء الحقيقة بالوقاحة الانتقاءية والجحود الرمزي قصد التأكيد على طابو مزعوم ورهبانية مطلقة لا معنى له أبدا في المنطق الذي يدعو له الإسلام وليس من الحكمة حسب ما تربينا عليه من قيم إسلامية نبيلة أن تقول أن الموسقى قبيحة لأنها شيطانية. لأن نية الفساد والإفساد كامنة في عمق إرادة الإنسان وليس في الأغنية الهادفة الجادة التي تحمل مضمونا أخلاقيا تربويا .و ان الموسيقى أكاد أجزم أنها فطرية فينا.و الاسلام دين فطرة.فهل بامكاننا رفض فطرتنا و قمعها.. المهم ... أن المجتهد المصرح برأيي لا غموض فيه مأجور سواء أخطاء أم أصاب. وسبحان الله لاحظت أن قليلي الثقافة والعلم فقط هم الذين يحرمون الموسيقى فيكتفون بمعارضة الأغلبية ليحتكروا الجنة لأنفسهم فقط. وأنا في هذا الصدد. أنصحهم بالقراءة والمطالعة الجادة والمزيد من التثقيف الذاتي كي يفهموا المقاصد العميقة للشريعة الإسلامية. ويعلموا أن كل الشباب قد انخرطوا في مسلسل الموسيقى حد العشق. وواجب الفنانين الواعين هو توجيه هذا الشباب وتوعيته. إن الشعر نفسه يمتلك قدرة سحرية خارقة أكثر من النثر الكلام العادي في التأثير على الناس لأن الايقاع الموزون والانسجام الموسيقي هو الذي يستحوذ على كل أجزائه. المهم أنه يتوجب علينا كما قال عمر بن الخطاب ...رضي الله عنه... أن نخاطب الشباب لزمانهم انطلاقا من فقه الواقع. أو كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: أنتم أدرى بأمور دنياكم. فلا يعقل أبدا أن ننتظر من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلمنا كيف نصلح سيارتنا نغرس أشجارنا ونلعب كرة القدم ونعزف آلاتنا ونؤلف شعرنا ونتجول في الطبيعة... الخ... المهم في كل هذا أن هناك الكثير من القواعد الذهبية التي يجب اتباعها مثل... لا إفراط ولا تفريط... لا ضرر ولا ضرار... إن الله لا يمل حتى تملوا... نستريح ساعة فساعة... من شذ شذ في النار...الترفيه والتفكه كالملح في الطعام... التيسير في الدين هو الأصل والمرونة هي الفطرة التي فطرنا الله عليها لا تبديل لخلق الله... وإذا عاملنا الناس بفظاظة التحريم المزعوم والتخويف والتعسير لهربوا منا... و حيثما تكمن المصلحة العامة للمجتمع فهناك حتما سيحضر شرع الله. وأننا يجب كمسلمين أن نكون أساتذة العالم حتى في الغناء والموسيقى رغم كونها تجسد مظهرا من مظاهر الدنيا... لكن مع ذلك يجب أن لا ننسى أن الدنيا هي مزرعة للآخرة ... ومن اتبع الحق والحكمة حتما سيفهم القرءان والسنة. من الصعب بمكان تصنيف أولئك الذين يجعلون الناس يكرهون دين الله في خانة المؤمنين الحقيقيين لأنهم يشوهون سمعة دينهم السمح المرن والفسيح الأبعاد. فيضيقون على عباد الله. وذلك عبر تحريم زينة الجمال السمعي الذي لم يحرمه الله. الموسيقى قبل أن تكون هواية وفن فهو علم قائم بذاته. حاليا يدرسه التلاميذ بالإعدادية مثلا .أليست هذه الثلة من الجماعة المجتمعية أم أنها تعيش خارج إطار التاريخ الإنساني... إن أجناس العالم الواعين المثقفين يستثمرون التفاهات واللعب لأجل تربية شعوبهم وتهذيبها. تماما مثل إعادة تصنيع النفايات وصياغتها من جديد لتصير بعد ذلك منتوجات صالحة للاستهلاك فتنفع الناس. وفي هذا الصدد يقول أبو الدرداء رضي الله عنه إني لأستجم و أمتع نفسي بالباطل لتكون لي عونا على فعل الحق وقوله... إذن فالاستمتاع بالهوايات البريئة والمباحة يشد من أزر روح الجد والمسؤولية. وفي القرآن يمدح الله الصوت الجميل بطريقة غير مباشرة حينما قال: "إن أنكر الأصوات لصوت الحمير..." والموسيقى كعلم تهتم بدراسة الأصوات وهو شبيه بالرياضيات كما قال العلامة ابن رشد. أما العلماء المسلمون الآخرون كالفارابي وابن سينا وغيرهم فقد درسوا و كتبوا عن الموسيقى بحيث أن كل واحد منهم اخترع آلة موسيقية تفرد بها. أما حجة الإسلام أبو حامد الغزالي فقد قال في حق الهمجيين المعقدين... من لم يعجبه منظر الورود و من لم تطربه أوتار العود فهو معقد فاسد المزاج وجب تربيته وإصلاحه وتقويمه... حتى لا يصير كالوحش في الغابة. السؤال المطروح... هل هؤلاء الذين يعاندون لإنطاق ما سكت الله عنه من طابوهات وهمية وتحريم مزعوم هم أكثر إيمانا وفهما للدين من هؤلاء العلماء..؟ هناك حديث معروف يحرم المعازف. لكن حسب رأي بعض العلماء ضعيف وإلا فإن البندير أو الدف أيضا سيصبحان محرمان أيضا لأنهما من عائلة المعازف وما هو متعارف و مجمع عليه أنهما ليسا محرمين أعود بالله من قولة أنا...فأنا مثلا... لقد كنت في ما مضى مثلهم . أحرم الموسيقى والله لم يحرمها في القرآن وأدخل وأخرج الناس من جهنم لكن بما أن الله لا يعذر أحدا بجهله. ولقد سيطر علي هذا الهاجس إلى الحد الذي شمرت فيه عن ساعد الاجتهاد ونقد الذات. فراجعت نفسي عن طريق المطالعة والتثقيف الذاتي و لم أجد فرقا بين معنى الإنشاد والغناء. ووجدت أن الموسيقى وسيلة تربوية فعالة لإصلاح المجتمع وتوعية الناس للالتزام بمواقف الحق... وفعلا انخرطت في ميدان الموسيقى والتلحين.. كما أن أصل الموسيقى في ظهورها التاريخي تم في المعابد الدينية لأنها أصلا تخاطب الروح والوجدان وهي مجرد وعاء وقالب فارغ ينتظر العبقري الصالح الذي يملؤه بالشعر الجميل الطيب والهادف. تخيل معي أن ماهر زين و سامي يوسف ويوسف إسلام يقومون بواجب الدعوة إلى الله والحق أفضل بكثير خصوصا وأنهم يغنون بالإنجليزية كلغة عالمية. اذهبوا و تفقدوا موقع يوتوب واقرؤوا المعاني المكتوبة بالإنجليزية في قالب موسيقي رائع ولحن جميل يخاطب الوجدان والعقل معا. إن الفنانين الملتزمين بقضية توعية الشعب وتربيته، أغنيتهم كشجرة طيبة بثمارها الناضجة تمد المجتمع بالزاد التربوي الذي لا ينتهي. أما الأغنية الشعبية الساقطة التي تخاطب الغرائز الحيوانية بكلامها الخبيث فهي كالدفلى شجرة مرة خبيثة سهلة الاجتثاث الاستئصال لأنها معدومة الجدور وعمرها لا يتجاوز شهرا بحاله... والسلام على من اتبع الحق والحكمة. * أستاذ للغة الإنجليزية من امزورن وعضو في مجموعة إمطاون للأغاني الهادفة