مقدمة: تعدلعلاقات الدولية موضوع في غاية الأهمية، من حيث راهنيته وكذا ما يخلقه من دراسات تتعمق بنوع من التفصيل والتدقيق في طبيعة القرارات التي تتخذها الدول إزاء بعضها البعض أو إزاء الساحة الدولية برمتها. وهذه القرارات تجعلنا في كثير من الأحايين نفهم جيدا فهم وتصور صانع القرار وكذا العوامل والجهات الفاعلة في صناعته. وفي الوقت الذي أصبحت فيه كل الدول منغمسة في تدبير وإدارة الأزمة الوبائية التي يشهدها العالم (كورونا فيروس covid 19)، لابد لنا من التقاط بعض المواقف التي تعبر عنها الدول تجاه الساحة الدولية سواء بشكل رسمي ، أو بشكل غير رسمي في إطار سياسة الفعل وردة الفعل. إن مسألة متابعة الحصيلة اليومية لفيروس كورونا، وكذا إجمالي الحصيلة منذ دسمبر 2019 إلى حدود كتابة هذا المقال، يجعلنا نضع سيناريو مخيف على المستوى الاقتصادي، إذ أن هذه الكارثة العالمية ستكون لها تداعياتها على الاستقرار والاقتصاد العالمي الذي سيتحمل أعباء ثقيلة قد يحتاج إلى سنوات لتعويضها، وسيؤثر أيضًا على الاقتصادات التي ترتبط بشكل مباشر بالأسواق العالمية، وتعتمد في صادراتها أو الحصول على الاستثمارات على الأسواق العالمية، ناهيك عن الخسائر البشرية الكبيرة. وبالتالي الإشكالية الرئيسية التي نطرحها هي كالتالي: إلى أي حد يمكن لهذه الأزمة الوبائية أن تأثر في مسار العلاقات الدولية، وماهي تداعياتها على الاستقرار الاقتصادي العالمي.؟ وللإجابة على هذه الإشكالية الرئيسية سنحاول في هذا المقال الاعتماد على المنهج التحليلي، حتى يتسنى لنا تحليل مجموعة من المعطيات التي خلصت إليها بعض الدراسات، بالإضافة إلى المنهج الوصفي الذي يمكننا كذلك من وصف حالات الاقتصاد في بعض الدول والتغيير الذي شهدتها في ظل وباء كورونا. وسننطلق من صلب الفرضيات الآتية في إطار محاولتنا للإجابة على الإشكالية المطروحة: الفرضية الأولى: إذا ما استمرت الأزمة الوبائية، وفشلت كل الإجراءات والتدابير المتخذة من لدن الدول، فمصير العلاقات الدولية مجهول، ومسألة الاستقرار الاقتصادي يمكن استبعادها كلّيا، وقد تتشكل خارطة جديدة من التحالفات الدولية قد تؤثر بشكل كبير في بنية المجتمع الدولي، الأمر الذي قد ينتج عنه تغيير حتى على مستوى المؤسسات الدولية. الفرضية الثانية: إذا ما نجحت التدابير الوقائية وكذا الاجراءات الاحترازية التي وضعتها كل الدول في إطار إدارة الأزمة، وشهد العالم تراجع تدريجي على مستوى تسجيل الإصابات، فإن الأمر قد يؤثر على مسار العلاقات الدولية لكن بنسبة قليلة، قد يشمل فقط بعض الدول في إطار سياساتها الخارجية. الفرضية الثالثة: في حالة ما إذا نجحت بعض الدول في إطار تدابيرها الوقائية وفشلت دول أخرى، فإن الأمر هنا قد يحتاج إلى قرارات دولية قد تؤثر عن الساحة الدولية بشكل عام، وقد يتأثر منها الاستقرار الاقتصادي لبعض الدول. وللوصول إلى دحض الفرضيات أو تأييدها سنحاول في هذا المقال أن نتحدث عن صعود الاقتصاد الصيني في الساحة الدولية، ومحاولة خلقه لشبح يهدد الاقتصاد الأمريكي (المحور الأول)، لننتقل بعد ذلك للحديث عن تداعيات وباء كورونا على الاستقرار الاقتصادي (المحور الثاني). المحور الأول: الاقتصاد الصيني في مواجهة الاقتصاد الأمريكي ظهرت دراسات منذ بروز الفيروس في مدينة ووهان الصينية إلى حدود انتشاره في العالم قاطبة، منها ما تقر باصطناع الفيروس في مختبرات بيولوجية، ومنها ما تنفي مسألة اصطناعه. وبالإضافة الى هذين التقسيمين على مستوى الدراسات التي تطرقت للموضوع هناك تقسيمات أخرى واختلافات على مستوى التحليل، حيث نجد مثلا في حالة اصطناعه هناك مقالات تتهم الصين وأخرى تتهم الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأخرى تقر بتواطؤ الدول الرأسمالية بهدف تصفية الفئات الاجتماعية التي لم تعد قادرة على خدمة مصالح الرأسمالية إلى غير ذلك... لكن في مقالنا هذا ما يهمنا ليس هو مسألة الفيروس هل هو مصطنع أم غير مصطنع، بل ما نحاول الوصول إليه هو طبيعة العلاقات الدولية في إطار تفاعلها مع الأزمة الوبائية ومدى حجم تأثرها من هذه الأزمة، سواء سياسيا أو اقتصاديا أو ايديولوجيا. في الوقت الذي نما فيه الاقتصاد الصيني وصار يشكل تهديدا على الولاياتالمتحدةالأمريكية، كشف لنا (فيروس كورونا covid 19) أهمية الصين في المنظومة الدولية، وتأثر أسس النظام الدولي الراهن بما يحدث داخل تلك القوة الصاعدة، وأنه فرصة لبكين لإعادة البناء وتعزيز التماسك الداخلي؛ ومهما يبدو أن لإنتشار الفيروس تداعيات على استمرار الصعود الصيني، وعلى قدراتها لتطوير قدرتها العسكرية، والسعي لإعادة هيكلة النظام الدولي تدريجيًّا ليستوعب الصعود الصيني، فإن الأمر يغدو ليكون أكثر من ذلك، فربما كانت في المراحل الأولى من انتشار الفيروس قراءات تصب في مستوى أن الصين ستتلقى ضربة موجعة على مستوى الاقتصادي، لكن بعدما اكتسح الفيروس جل دول العالم، اتضح لنا جليا أن الصين بالرغم من الضربات التي تلقتها في المراحل الأولى إلا أنها أثبتت للعالم مدى قدراتها في مواجهة الوباء من خلال الاجراءات التي اتخذتها بدءً من بناء مستشفى في غضون أسبوع في مدينة ووهان لإحتواء المصابين، إلى حين فرض الحجر الصحي والقيام بحملات تعزز تنفيذ القرار على أتم وجه. من هنا تتضح لنا نية الصين في إخبار العالم برمته بأنها قادرة على قيادة العالم. وهكذا صار سيناريو فك الارتباط" بين أكبر الاقتصادين في العالم (الولاياتالمتحدة، والصين) يلوح في الأفق. وفي هذه الحالة، يتحدث الخبراء عن انقسام النظام العالمي إلى "مجالات نفوذ اقتصادي"، يهيمن على كل منها إحدى القوى الكبرى، وتتميز بكثافة العلاقات الاقتصادية والتجارية بداخلها، بينما تقل أو تنقطع الأواصر بين هذه "المجالات الحيوية"، حيث تسود بينها علاقات قائمة على عدم الثقة والتنافس، وهو ما يشكل نهاية المرحلة الحالية من العولمة. وفي هذا الشأن نجد أن الولاياتالمتحدةالأمريكية التي سجلت فيها أكبر نسبة من الإصابات والتي أصابها نوع من العجز أمام تدبير الأزمة، حيث أنها تعرف جيدا أن الصراع مبني على الاقتصاد، وانطلاقا من تقارير وأوراق توجيهية من مراكز الدراسات إلى صناع القرار السياسي الأمريكي، حيث رصدت فيها سيناريوهات أكثر مخيفة وما انهيار البيترول لخير دليل على ذلك. الأمر الذي دفع بترامب (رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية) بأن يتحدى فيروس كورونا لينقذ اقتصاد أمريكا. حيث دعى الرئيس ترامب بإعادة فتح الاقتصاد الأمريكي، وتقليل القيود التي فرضت بسبب انتشار كورونا وهذه المسألة أثارت الجدل في الولاياتالمتحدة. ويقول ترامب إن حالات الانتحار المتوقعة جراء الركود قد تتجاوز ضحايا كورونا. حيث يعتبر أن إغلاق المؤسسات التجارية لن يعني فقط وضع الولاياتالمتحدة في ركود أو كساد هائلين، بل حالات انتحار بالآلاف ممن سيخسرون وظائفهم نتيجة الأزمة المتوقعة. هنا يكون الحل هو العودة للعمل في أقرب فرصة من وجهة صانع القرار. وأما بالنسبة للصين فإنها كانت قد وضعت قدمها نحو رسم خارطة اقتصادية عالمية جديدة تربط فيها كل من القارة الافريقية والقارة الآسيوية والقارة الأوروبية تحت مشروع "مبادرة الحزام والطريق"، وذلك من أجل تسهيل مواصلاتها وربط نفوذها الاقتصادي بالبنية التحتية كما هو الشأن في إطار تواجدها في القارة السمراء. وهذه المبادرة التي تتجه فيها الصين تشكل حقبة جديدة من المنافسة العالمية بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوالصين. إذ سعت الصين دائما إلى تهدئة المخاوف بشأن مبادرتها متعهدة بإضفاء الاستدامة على هذا البرنامج وعدم تلويث البيئة واتباع المعايير الدولية خاصة ما يتعلق بالديون، في وقت تتهمها واشنطن بأن التمويلات الصينية قد تؤدي إلى ديون تعجز الدول عن خدمتها مقابل البحث عن نفوذ سياسي. هكذا فكرت الصين في خلق علاقات دبلوماسية من شأنها أن تضعف الوجود العسكري الأميركي في منطقة المحيط الهادي الهندي، ويمنحها أفضلية تنافسية على حساب الولاياتالمتحدة في سوق ناشئة مهمة. وبين تضارب المصالح بين كل من الصينوالولاياتالمتحدةالأمريكية، بدأت تطفو على السطح معالم الصراع، لأن الصين إذا ما نجحت في مشروعها سيتحتم على الولاياتالمتحدةالأمريكية الاعتراف بقدرات الصين واستعدادها التام لقيادة العالم، وهذا ما جعل أمريكا طبعا تعمل على إفشال المشروع الصيني عن طريق تلويحها بالمخاطر البيئية التي قد تنتج عن مشاريع الطاقة التي تمولها الصين في عدة دول. المحور الثاني: تداعيات الأزمة الوبائية على الاستقرار الاقتصادي مما لا شك فيه أن المسار الذي تسلكه كل الدول في إطار إدارة الأزمة من خلال اتخاذ تدابير وقائية وإجراءات احترازية تهدف بالأساس إلى محاصرة الوباء والتفكير في إنقاذ الاقتصاد في نفس الوقت، سيكون له نتائج سلبية على الاستراتيجية المعتمدة في إدارة الأزمة، نظرا لبنية الوضع الاجتماعي الذي خلقته كل الدول. فتوقعات وزارات الاقتصاد والمالية في كل الدول تصب في مستوى الدخول في مراحل الركود، وذلك من خلال تحقيق نمو سلبي بنسب مئوية تختلف من دولة لأخرى. ففي حالة ما إذا انخفضت نسبة الاصابات في الأيام القليلة المقبلة، ستبدأ بوادر الوصول إلى الحد الأدنى للسوق وبعد ذلك الحد الأدنى للنمو الاقتصادي الذي يوفر الأساس للتعافي المستدام وإن كان بعيداً عن التعافي الكامل. ففيروس كورونا أدى إلى صدمات عكسية كبيرة في العرض والطلب مما قد تؤدي إلى تعطيل كل من قطاعي الصناعة والخدمات أمام مفاقمة الخوف من سيناريوهات المستقبل. وقد يتولد عنها سلسلة من حالات التوقف الاقتصادي المفاجئ والتي تؤدي إلى شلل الأنشطة المتأثرة. وأما في حالة ما إذا ارتفعت نسبة الإصابات وعجزت كل التدابير والاجراءات التي من المحتمل أن تكون طويلة الآجل والتي يمكن أن تحتوي على عناصر لتقليص العولمة، وفي حالة أن التنظيم والإشراف المالي تركز بدرجة أكبر على مخاطر السيولة بين الجهات غير المصرفية، قد تقوم المزيد من الشركات بتقييم مخاطر تعطل سلاسل التوريد العالمية وليس فقط الفوائد المترتبة على خفض التكاليف وإدارة المخزون في الوقت المناسب وزيادة الكفاءة. وربما تقوم الجهات التنظيمية المالية بشكل أكثر جدية بتقييم مدى خطورة انتقال مخاطر السيولة من البنوك إلى الجهات غير المصرفية. وهذا طبعا هو السيناريو الأكثر تخوفا، الذي دفع بصناع القرار في كل دولة إلى التفكير والتمعن أكثر في كيفية الخروج من هذه الأزمة الوبائية بأقل الخسائر الاقتصادية وليس بأقل الخسائر البشرية. إذ أن التدبير الذي اتجهت فيه معظم الدول التي فرضت إجراءات احترازية على غرار الدول التي نهجت سياسة مناعة القطيع إلى غير ذلك ، يقتضي في حد ذاته عدم المغامرة اقتصاديا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الخسائر البشرية. فحتى لو بدا لنا من الوهلة الأولى أن الدول تسعى جاهدة في خطواتها إلى محاصرة الوباء إلا أنه لا ينبغي أن يخفى عنا مدى عزيمتها وإصرارها تجاه اقتصادها. وهذا ما سيتضح جليا في الأيام القليلة المقبلة، بحيث أنه ستنهج جل الدول العودة إلى الحياة الطبيعية بشكل تدريجي مع توصيات صارمة حتى يتسنى لها إنقاذ اقتصادها والتفكير في طريقة تنسجم والشروط الدولية في كيفية البحث عن شركاء أجانب جدد أو توطيد علاقات قديمة وذلك حسب المصالح التي سترسمها بنية العلاقات الدولية. وهذه الإنعاكسات التي يشهدها المستوى الاقتصادي من انكماش حاد لاقتصادات الدول الكبرى بسبب توقف الأنشطة الاقتصادية جراء أزمة كورونا، قد يتولد عنها تغيير في مستوى بنيات المؤسسات الدولية، حيث دعا قادة مجموعة الدول السبع(الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان)، إلى إصلاح منظمة الصحة العالمية وإجراء مراجعة شاملة لمنظومتها. وبالتالي ما على صناع القرار إلا العمل على تطوير مقاربات لمعالجة هذه الأزمات في ظل درجات عالية من عدم اليقين. ففي الأزمة المالية العالمية لعام 2008، لم تكن هناك معلومات وافية عن حجم الديون الرديئة التي مثّلت شرارة اندلاع الأزمة، ولا عن مدى انكشاف البنوك لها، ولا عن تداعيات عجز الوفاء بها على النظام المصرفي ككل. فقد كان هناك غياب للشفافية في تعاملات الجهاز المصرفي ذاته، فضلًا عن تشابك غير مسبوق بين مختلف "وحدات" هذا النظام، من بنوك وشركات مالية.. إلخ، من خلال الشبكة الإلكترونية. وهو الأمر الذي خلق مناخًا كان من المتوقّع فيه أن يكون لانهيار أحد البنوك تأثير مباشر وسريع، لكنه لا يتيح في الوقت ذاته التنبؤ بشكل أو شدة هذا التأثير. إن سرعة تأثر الاقتصاد قد أصبح من سمات أزمات عصر العولمة، حيث كان لكل من أزمتي 2008 و2020 تأثير سلبي على معدلات النمو. فبينما أدت أزمة 2008 إلى تباطؤ النمو في اقتصادات أوروبا والولاياتالمتحدة بشكل خاص، فقد لعبت الاقتصادات الصاعدة -مثل الصين والهند- دور "قاطرة النمو"، وساهمت في احتواء تداعيات هذا التباطؤ. لكن ماذا عن أزمة 2020.؟ فلنأخذ على سبيل المثال "قطاع الطيران" هذا القطاع الذي تأثر بشكل كبير، وعلى حسب امتداد مدة الأزمة، قد تلجأ الشركات إلى تسريح العمالة، أو إلى إلغاء ما طلبته من طائرات جديدة. وتلك التي تعاني أصلًا من وضع غير مستقر قد تلجأ لإعلان إفلاسها، وهو ما حدث بالفعل لشركة بريطانية صغيرة نسبيًّا تعمل على خطوط جوية بين المملكة المتحدة وأوروبا. ويقدر الخبراء أن الخسائر التي قد تلحق بهذا القطاع وحده جراء هذه الأزمة يمكن أن تصل إلى أكثر من 100 بليون دولار. ولقد حظرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أن فيروس كورونا يعرض الاقتصاد العالمي للخطر، ومن هذا المنطلق وضعت سيناروهين محتملين رئيسين: الأول هو في حالة احتواء الفيروس نسبيا في دول العالم سيكون النمو الإجمالي محدودا بنسبة 0.5% ثم سيصل إلى 2.4% بدلا من 2.9% المتوخاة سابقا. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تنخفض التجارة العالمية بنسبة 1.4% في النصف الأول و 0.9%على أساس سنوي. أما السيناريو الثاني وهو عدم القدرة على السيطرة من طرف الدول لاحتواء عدوى الانتشار، في هذه الحالة يمكن أن يرتفع التأثير على الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 1.5%، وإذا تحملت الصين معظم التباطؤ أولا، فسيتم الشعور به في آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية. خاتمة: إذن انطلاقا من المراحل التي قطعتها الأزمة الوبائية منذ بدايتها إلى حدود أواخر شهر أبريل يمكن ملاحظة أرقام تترجم حجم الخسائر التي لحقت بمجموعة من القطاعات الحيوية التي كانت تشهد في عصر ما قبل كورونا صعودا على مستوى البورصة العالمية، هذا بالإضافة إلى تسجيل أنواع مختلفة من السلوك الخارجي لبعض الدول منها ما هو مرتبط بالمساعدات الطبية ومنها ما هو مرتبط بالاتهامات وخاصة (الصين) ومطالبة بعض الدول بالتعويض. إذن من هذا المنطلق سنخلص أولا إلى كون أن الفرضية التي انطلقنا منها في هذا البحث والتي تقر محاصرة الوباء والعودة إلى الحياة الطبيعية هي فرضية مستبعدة، وبالتالي السيناريو الذي ستشهده الساحة الدولية هو علاقات مبنية على مصالح وتبادلات اقتصادية، لكن في ظل ضمان الأمن الصحي وشروط السلامة. وقد يترتب على ذلك تحالفات جديدة، لأن السيناريو المستقبلي الذي ستشهده العلاقات الدولية انطلاقا من أن الأمن الصحي أصبح يشكل متغيرًا أساسيًا في جدول أعمال السياسة الدولية، هو استكشاف المحددات الأساسية للتفاعل بين الصحة العالمية والهجرة. بالإضافة إلى مجموعة من الموضوعات ذات الأهمية في العلاقة بين الصحة والهجرة، مثل: السياحة الصحية، وتحركات الفئات الضعيفة صحيًا نتيجة للنزاعات، والأزمات الإنسانية، وحقوق الإنسان، والربط بين التنمية الصحية والهجرة، والرعاية الصحية للمهاجرين، والتعليم والتدريب الصحي، إلى غير ذلك ... أما بالنسبة لمدى حجم تأثير الأزمة الوبائية على الاستقرار الاقتصادي، فلا يمكن إنكار هذا التأثير الذي سيعود بنتائج سلبية على العود الاقتصادي، لكن السيناريو المتوقع في إطار تدبير الأزمة يصب في مستوى العودة إلى الحياة الاقتصادية ولو في ظل عدم محاصرة الوباء، ابتداء من أواسط شهر ماي. وهذا ما سيتجه فيه الغرب قاطبة، لأن أمريكا والدول الأوروبية مبنية على قطاع الصناعة والخدمات بدرجة كبيرة سوف لن تسمح لصناع القرار التضحية بالاقتصاد من أجل إنقاذ البشرية، وهذا ما يتماشى مع طبيعة هذه الأنظمة. أما فيما يتعلق بالدول الإفريقية فإنها هي الأخرى ستحاول التأقلم مع الأزمة الوبائية والعودة تدريجيا للحياة الطبيعية مع فرض بعض الإجراءات، لكن طبيعة تركيبتها الاجتماعية سيبعثر لها كل الأوراق، لتصبح هذه الدول أمام مصير مجهول نوعا ما في ظل استمرار الدول الغربية في فرض استعمارها لنهب خيرات القارة السمراء، وأمام تمرد بعض الفئات الاجتماعية من أجل التخلص من قيود صناديق الإمبريالية. إعداد: عبد العزيز العيوطي طالب باحث بسلك الماستر (استراتيجية صنع القرار)