ما نلاحظه اليوم هو أن تداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد ليست بالاعتيادية؛ فالدول الكبرى بنفسها تجد صعوبة في التعاطي ومواجهة هذه التداعيات وتحديد الحلول المؤقتة إلى حين أن تتضح الأمور لوباء يحمل أسرارا متعددة. العالم لم يسبق له أن واجه أزمة من هذا القبيل تتميز بضربها لبديهيات النظريات الاقتصادية المتعارف عليها، المتمثلة في الإنتاج المستمر والتبادل الحر. إلى حدود اليوم، لا نعرف موقعنا من هذه الأزمة؛ هل نحن في بدايتها أم في وسطها أو في النهاية؟ كما أن الحلول التي يمكن تقديمها لا يمكن أن تكون إلا على المدى القصير جداً، ولا بد أن نعلم أن كلفة الحلول مرتبطة بمدى احترام المواطن للحجر الصحي وكل التحذيرات المرتبطة به. فكلفة تدخلات الدولة يمكنها أن ترتفع بشكل كبير جدا في حالة عدم احترام مختلف التوجيهات التي يفرضها الوضع، والمواطن يجب أن يعرف أنه هو من سيتحمل الكلفة النهائية، والدولة عليها أن تعرف أن أمن الوطن والاستقرار من مسؤوليتها من خلال القرارات التي تتخذها لوحدها. التعاطي مع الأزمة لا بد أن يبقى جد مرن وبشكل شبه يومي، وعلى أقصى تقدير أسبوعي، وأن يتم بشكل دوري تقييم الوضع وصياغة الحلول الذكية التي تتماشى مع المعطيات الجديدة، هذا يعني أنه لا يحب الدخول في حلول جذرية اليوم لأنها ستكون جد مكلفة ويمكن أن تؤدي إلى انهيارات لاقتصاديات بعض الدول، يمكن التمييز هنا بين خمس مجموعات من الدول وقدرتها على مواجهة تداعيات أزمة فيروس كورونا. الدول ذات العملات الرائدة عالميا لها قدرة على تحمل الصدمة، لكن خلال مدى لا يتعدى ستة إلى تسعة أشهر؛ فالولايات المتحدةالأمريكية التي تتوفر على أقوى عملة في العالم مدعومة باقتصاد قوي تعرف اليوم ارتباكاً كبيراً في التعاطي مع تداعيات هذه الأزمة. فرغم أن هذا البلد لن يجد صعوبة في تمويل كل الحلول التي ترمي للحد من الآثار السلبية على الاقتصاد، إلا أن هذه القدرة تبقى محدودة في الزمن ومرتبطة باستمرار ثقة المتعاملين المحليين والدوليين في هذا الاقتصاد وفي عملته، فنظامه البنكي سيستمر في تمويل الحلول التي تطرحها الدولة شريطة أن لا تقع انهيارات كبيرة على مستوى المقاولات الكبرى الداعمة للاقتصاد وخلق الثروة. الشيء نفسه بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي الذي يتوفر إلى حدود اليوم على عملة رائدة مدعومة باقتصاد قوي، وهي العملة التي يمكنه الاعتماد عليها لمدة محددة لضخ الملايير من اليورو لإنقاذ اقتصاد أعضائه، ونجد الأمر نفسه في كل من اليابان وكندا وانجلترا وكوريا الجنوبية. أما المجموعة الثانية، فتضم الدول التي تتوفر على مدخرات كبيرة من العملات الرائدة، والتي باستطاعتها تدبير الأوضاع بشكل عقلاني في حدود ما تتوفر عليه من هذه المدخرات والمدة التي سيخرج منها العالم من هذه الأزمة. بالنسبة لباقي الدول، الأمر ليس بالسهل وأمامها عدد من الحلول؛ فتدبير المدخرات القليلة من العملة الصعبة أمر أساسي بالحد من النفقات الخارجية، أي الاستيرادات غير الضرورية، ثم اللجوء إلى الاقتراض أو الحد من النفقات الداخلية، وأفكار أخرى يتم الترويج لها هنا وهناك لا بد لها من أن تدرس جيدا قبل تنفيذها. أما مجموعة الدول الفقيرة فستجد نفسها أمام المساعدات الدولية مباشرة لكي تستمر أو يمكن أن تسقط في رقعة فقدان السيادة بكل أشكالها. فإلى حدود اليوم، لا نعرف في أي مستوى توجد هذه الأزمة: هل نحن في البداية أو الوسط أو في المراحل الأخيرة من عمرها؟ الجواب ليس سهلاً؛ رغم أن وتيرة الانتشار في تراجع فلا أحد له القدرة على الجواب. الصين رغم أنها تعطي الانطباع بأنها خرجت من الأزمة، إلا أن هذا الأمر يبقى صحيحا نسبياً، لأن جزءا هاماً من المصانع مازال متوقفاً إما بسبب الحجر الجزئي أو بسبب فقدان الطلبيات العالمية؛ فهذا البلد يعتمد نموه في جزء كبير منه على الطلب الخارجي، أي أنه ما دامت باقي دول العالم في أزمة، فلا يمكن للاقتصاد الصيني أن يتحرك، بل يمكن أن ينهار في أي وقت إذا استمرت هذه الأزمة عكس ما يعتقد البعض. فيروس كورونا خلق وضعاً جديداً في العالم يحتاج إلى اجتهاد كبير على مستويين؛ المستوى الأول مرتبط بالتدبير الآني للأزمة، المستوى الثاني مرتبط باحتمال التعاطي مع الأزمة على الميدان، المستوى الثالث مرتبط بالتحضير لما بعد الأزمة. *أستاذ بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي