قال إبراهيم أبراش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر-غزة، إن "الأيام والأشهر القريبة ستكون مصيرية في تحديد وجهة العالم ومستقبله، حيث أصبح أمام مفترق طرق بسبب كورونا الذي أوجد فرصة مفتوحة على أحد الاحتمالين؛ تصعيد وحرب عالمية مباشرة وشاملة أو محدودة عبر وكلاء لمن يريد الحرب والتصعيد". وأضاف أبراش، في مقال خصّ به هسبريس، أن "هناك عدة بؤر توتر عبر العالم قد تكون ساحة لهذه الحرب، أو فرصة لإعادة بناء النظام العالمي على أسس جديدة من التعاون والعدالة بعد استخلاص العبر من الخطر الذي سببه فيروس كورونا وتهديده لكل البشرية لمن هو حريص على السلم العالمي". وأوضح الأستاذ الجامعي أن "العالم كان محتقِناً والنظام العالمي كان على شفا هاوية، تسوده حالة من انعدام الثقة، ليس فقط بين واشنطنوالصينوروسيا الاتحادية، بل حتى داخل مكونات المعسكر الغربي؛ فقد أطلق وباء كورونا العنان لنظرية المؤامرة، لتصول في ساحة التنظير والبحث ولتطال حتى منظمة الصحة العالمية". وتابع المصدر عينه: "ما يساعد على ذلك عدم اليقين حتى الآن ما إن كان كورونا فيروسا طبيعيا، تطور طبيعيا عن فيروس سابق أم أنه نتاج مختبرات لإنتاج أسلحة بيولوجية وجرثومية، وهذا ما تعكسه الاتهامات المتبادلة بين بكينوواشنطن". ولفت الجامعي عينه إلى أنه "إن ثَبُت أن فيروس كورونا ذو نشأة طبيعية ولا دور لأية دولة في خلقه أو نشره أو التقصير في مواجهته، فهذا سيُعجِل في محاصرة الفيروس والحد من تداعياته، حيث ستتكاثف جهود كل الدول لمواجهة هذا الخطر الخارجي الذي يهدد البشرية وستصل الأمور إلى التعايش معه، ليصبح مثله مثل مرض الأنفلونزا أو السرطان أو الإيدز، وهذا بدوره سينزع فتيل أي حرب أو صراع دولي، وسيحاصر الدول الراغبة في توظيف كورونا للتصعيد وتصفية حسابات مع الخصوم". أما إن ثَبُت دور للصين كما تزعم واشنطن في تصنيعه أو نشره ففي هذه الحالة سنكون أمام نُذر حرب أو تصعيد قد يأخذ طابعاً عسكرياً، لا سيما أن النظام الدولي والعلاقات الاقتصادية والسياسية بين الدول العظمى، وخصوصا الأقطاب الأربع الصينوالولاياتالمتحدةوروسيا الاتحادية والاتحاد الأوروبي، وصلت قبل كورونا إلى مرحلة حافة الهاوية، وفق المقالة. وتابعت: "تخوفات حقيقية بأن يتم توظيف الوباء وتداعياته الاقتصادية، تحديدا لخوض حرب عالمية حتى وإن كانت محدودة للخروج من أزمات ومشاكل عميقة اقتصادية واجتماعية داخلية تعاني منها دول عظمى، وخصوصا الولاياتالمتحدةالأمريكية". وأوردت المقالة أن "الولاياتالمتحدة قد تلجأ في عهد ترامب إلى توظيف الاتهامات الموجهة إلى الصين بالمسؤولية عن نشر الوباء للدخول في حرب معها، وقد تتوسع الحرب لتنظم إلى الصين دول أخرى مثل روسيا الاتحادية وإيران، وفي المقابل قد تستقطب واشنطن دولاً أوروبية إلى جانبها". وأردف الجامعي الفلسطيني: "إن كنا نتمنى الخروج من كابوس كورونا في أقرب وقت، وهناك مؤشرات إيجابية في هذا الاتجاه؛ مثل قدرة الصين على محاصرته، إعلان ألمانيا أنها استطاعت السيطرة على الوباء، توجه عديد الدول نحو التخفيف من الإجراءات الوقائية المتخذة، كما أن كل دول العالم تقريبا لا تشاطر الرئيس ترامب في اتهامه للصين بالوقوف وراء تفشي الوباء، بالإضافة إلى أنه رغم التداعيات الكبيرة والخطيرة لكورونا فإنها حتى الآن دون مستوى الخسائر البشرية المترتبة عن الأنفلونزا والسرطان مثلا، إلا أن سيناريو أو تصور الحرب المقبلة يثير الرعب". وتستطرد الورقة: "ليس فقط لأن أطراف الحرب تملك ترسانات من أسلحة الدمار الشامل النووية والذرية والكيماوية والبيولوجية والإلكترونية التي تجعل من الاستحالة حسم الحرب لصالح طرف على حساب بقية الأطراف، بل أيضا لأن الترابط والتشابك والاعتمادية المتبادلة بين الدول ستجعل من الحرب كارثة اقتصادية ستضرب جميع الدول وستؤثر على الحضارة الإنسانية برمتها". لذلك، فإن التخوفات من الانزلاق نحو الحرب تبقى واردة ليس بسبب كثرة الضحايا، بل لأسباب اقتصادية، يخلص إلى ذلك الباحث، مردفا: "فبالنسبة للصين، وبالرغم من أن مبررات التصعيد والحرب ضعيفة عندها لأنها لم تبنِ اقتصادها كاقتصاد حرب وإن كانت دولة نووية وتملك جيشا قوياً، فإن الصين لا يمكنها أن تتراجع أو تتنازل عن توسعها الاقتصادي وسياسة إغراق الأسواق العالمية بالمنتجات والاستثمارات، وإلا لن تستطيع إطعام مليار ونصف المليار من البشر". وفي المقابل، فإن كان وعي أصحاب القرار في واشنطن بالمخاطر المترتبة عن حرب عالمية ترجح كبح جماع النزعة الحربية، حسب المقالة، إلا أن الولاياتالمتحدة لا يمكنها أن تتراجع أو تتنازل عن إمبرياليتها وليبراليتها المتوحشة، وإلا ستنهار داخلياً بسبب حرب أهلية بين خليط الأعراق والأجناس فيها الذين لا يجمعهم إلا الوضع الاقتصادي المتميز، حيث قوة الاقتصاد وحالة الرفاهية حلت محل الانتماء القومي في تماسك المجتمع والدولة، وبالتالي لن تسمح بأن يتراجع اقتصادها أو يفلت زمام قيادة العالم من يدها.