هذه بعض الظواهر السلبية المنتشرة والتي تضايقنا في حياتنا اليومية نسردها عبر حلقات إن شاء الله. عرفت مجتمعاتنا العربية عامة، والمجتمع المغربي خاصة، تحولات اجتماعية خطيرة في بعض قيمها ومسلكياتها، وصلت درجة تنذر بأفدح العواقب ، وأقبح الأخطار، حيث طغت الكثير من التصرفات السيئة على الأصول القيمية وتحكمت فيها، حتى باتت الأصول هوامش ومنسيات تراثية وفقدت أصالتها وبريقها الذي كثيرا ما افتخرنا به على العالمين مند غابر الأزمان. والخطير في ذلك، هو أن عقلاء الأمة لاذوا بالصمت حيال هذه التحولات، ولم يحركوا ساكنا لصدها أو إيقافها، وهم ربما معذورون في ذلك لسببين اثنين، الأول: أن وقوف أي كان في وجه الخطأ والفساد يجر عداء كل الجهات الفاسدة والداعمة له، والسابحة في فلكه، وهم كثر. والسبب الثاني: لأن أكثرية الناس لا ينتصرون للحق والمواقف الصحيحة وإن كان فيها مصلحتهم، مطبقين المثل المغربي الدارج: "بعد من البلى لا يبليك" والذي يطابق ما عند إخواننا في المشرق "ابعد عن الشر وغني لو". ما مكن هذه السلوكات المستفزة من تصرفات العباد، وقد اخترت بعضها لكثرة ذيوعها، وعظيم استفزازه لمشاعرنا. المشهد الأول.الجزء 1 الاستهانة بقدسية المساجد وروحانية صلاة الجمعة. من الملاحظ كثيرا في جوامعنا، أنه لا يكاد إمام أي مسجد أن ينهي تحية صلاة الجمعة ويسلم، حتى تندفع الأجساد باتجاه منافذ المسجد وبواباته، وتتزاحم الأبدان، وتختلط الأجسام، متسابقة متناطحة، وكأن ذبابة "طيكوك" لدغتها، كما تفعل بالبقر في بعض فصول السنة.. مشهد فوضوي مستفز لا مبرر له، ولا داعي لحدوثه، خاصة في بيوت الله، لما يثيره من تقزز واشمئزاز في نفوس المصلين المحتسبين.. حركات "سيركية" أصبحت المساجد مسرحا لها، وكأن المصلين في حلبة مصارعة "المشاوشة" التاريخية، حيث تتطاير فيها العمائم والقلنسوات، وتتلاطم الأحذية المرفوعة فوق الرؤوس.. سلوك يتكرر مع كل صلاة جمعة، وفي جل المساجد، ولا ينم إلا على أننا لا نملك القدرة على ضبط النفوس، وكبح جماحها الأمارة بالسوء، ونعجز عن ضبط وتنظيم أنفسنا حتى مع الأعداد القليلة من الناس، ولا نحترم كبار السن منا والطاعنين والعاجزين والمقعدين من المصلين ومن هم في حال من المرض لا تساعدهم قواهم على مسايرة الأقوياء في هذا الصراع اللاآدمي الذي يلوث اللحظات الروحانية، ويجلب لنا الملاحظة والانتقاد، وربما السخرية والاستهزاء.. المشهد الثاني الجزء 1 الازدحام والتدافع في المكاتب والمؤسسات العمومية والخاصة. الصف أو الطابور، وأصل كلمة طابور تركي وليس بعربي، وهو وقوف مجموعة من الأشخاص في صف منظم لقضاء مصلحة معينة دون تدافع أو اقتحام أو اختراق. تعرفه جل البلدان المتقدمة كوسيلة تنظيمية لاتقاء الفوضى والازدحام، في الأسواق التجارية والبنوك والمطارات وفي محطات الحافلات والقطارات، أو للدخول والخروج من وإلى الأماكن التي يؤمها أعداد غفيرة من الناس. فعندما يكون هناك أكثر من شخص يريدون التعامل مع نفس الشباك أو نفس الموظف أو قضاء نفس المصلحة في نفس الحين، فإن الطابور يكون هو الحل الأمثل حتى يحصل كل شخص على ما يريد بترتيب. وليس الوقوف في الطابور عيبا ، لكن العيب والمستفز هو حرص أكثريتنا على خرق النظام المتمثل في الطوابير باستخدام القوة البدنية وفتل العضلات، أو بالتزاحم والتدافع، أو بالوساطة والمحسوبية، لتجاوز الغير، وسلبه حقه في الأسبقية، والحصول على الخدمة قبله، والعيب الكبير هو خداع الناس لتدخل في الطابور من منتصفه. والعيب كل العيب هو في البحث عن الوساطات والعلاقات للتلاعب عليه للمصلحة الشخصية دون مراعاة لمشاعر الآخرين وما يمكن أن يحدث من خلل، ويعظم العيب والاستفزاز عندما يعتبر المقدم على ذلك الفعل، بأنه شجاعة ومفخرة وشطارة. فالتشبع بثقافة الصف واحترامه والأخذ بروحه، يجعل الفرد أكثر ترتيبا وتنظيما وإنجازا لأعماله اليومية بيسر وسهولة، وتقديراً للآخرين، ودليلا على سعة الأفق وبعد النظر. المشد الثالث الجزء 1 ظاهرة البصق في الشارع. في الوقت الذي يشن فيه المغرب حملة لترسيخ ثقافة بيئية، ويسن ميثاقا وطنيا بدعم من الإرادة الملكية السامية، لبعث وعي بيئي جماعي يكرس حق المواطن في وسط طبيعي سليم متوازن من خلال المحافظة وتنمية التراث الطبيعي والثقافي الذي يعد ملكا مشتركا للوطن، وإرثا متداولا عبر الأجيال، في هذا الوقت بالذات تصدمنا مسلكيات مستهجنة وغير صحية، تمس البيئة وتلوثها، وهي "البصق في الشارع العام" المستفز للمشاعر، والمؤذي للذوق، والذي سبق للإسلام أن نبه إلى قبحه وخطورته قبل ألف وأربعمائة عام، بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "البصق على الأرض خطيئة، كفارتها ردمها". فما أقبح منظر رجل يسير في الشارع وهو ينفث بصاقه يمنة ويسرة، مستخفا بكل من حوله من المارة. وأقبح به من منظر شخص بربطة عنق فاخرة "سينيي" وبذلة آخر صيحة "ماركة مسجلة" مكوية بعناية، شخص من أولئك الذين قال فيهم الله تعالى:" إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم، وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة" وهو يبصق من نافذة سيارته الفارهة، في الشارع المزدحم بالناس. ظاهرة عامة مشينة، تجذرت في عقول تمت برمجتها على احتقار الغير والاستخفاف بالنظافة والأخلاق والذوق، فلا يمكنها أن تبدع أو تفكر خارج تلك البرمجة بعد أن تحولت عندها لثقافة وشعور اجتماعي عام، ومرجعية لا محيد عنها، رغم خطورة ما تلحقه بالمنظومة السلوكية الاجتماعية والثقافية من ترييف مادي ومعنوي يصعب مواجهته باللين والمهادنة، لذا وجب أن تتضافر جهود المجتمع المدني والمخزن لمحاربته والضرب بيد من حديد على كل من يعبث بالتمدن والتحضر الذي وصلت إليه بلادنا بفضل جهود محبيها. وقد سبق لبعض الدول أن فرضت عقوبات على البصق في الشارع، وكان السبق في ذلك لسنغافورة التي سنت قبل ثلاثين سنة غرامة عقابية على هذا الفعل ألاأخلاقي والمنافي للذوق. كما فعلت حكومة نيودلهي في الهند، نفس الشيء، حين فرضت غرامة فورية بقيمة 200 روبية على من يضبط وهو يبصق أو يتبول أو يلقي القاذورات أو يغسل الأواني في الشارع العام. أما الصين فقد وصلت فيه العقوبة إلى حد الطرد من السكن، حيث يقوم النظام الجديد باحتساب النقاط، فإحداث الضوضاء، ولعب القمار، وإلقاء القمامة في الشارع، تحتسب خمسة نقاط، والبصق وإلقاء الأشياء من الأدوار العليا ثلاث نقاط، وعندما يحصل الشخص على 20 نقطة يتم طرده فورا من المنزل الذي هو في الأصل ملك للحكومة. إنها صور حياتية من صنع أيدينا.. وهي نتاج ثقافة مجتمعية سيطرت عليها العادات والتقاليد والأعراف التي- مع السف- تتمسح جلها بالإسلام وتدّعي زوراً انتسابها إليه، وانتماءها لأحكامه وتعاليمه. صور من ألبوم حياتنا يحوي مئات الآلاف من الصور التي نصنعها بأيدينا وننحتها بأدواتنا ونتمسك بها حد العبادة، ما يعطي الفرصة للآخرين لتوظيفها في مهاجمة إسلامنا والطعن فيه وإرهاب المُتعاطفين معه للابتعاد عنه والتخلي عن دعمه أو حتى الدفاع عن حقوقه. ولا أدري متى سنستفيق من سباتنا ونراقب تصرفاتنا، ونرجع جميعاً لديننا الحق ونقتدي بسيد الخلق نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام قدوتنا في هديه وسلوكاته وتعاملاته وفي أخلاقه.. ولن يتأتى ذلك إلا بالتوعية الفاعلة والحقيقية، التي تخلق في المجتمع روح المسؤولية، لمواجهة كل الإعوجاجات السلوكية التي تخطف منه الفرحة والعذوبة، وتطارد من حوله الجمال والحق والبهجة وتغتال الحب، لذلك أرجو من كل القراء الكرام أن يخبرونا بالظواهر السلبيه التي يلاحظوها منتشره وتضايقهم فعليا. وسوف نختار بإذن الله أكثرها خطورة ...وسنتناولها بالبحث سويا كمجتمع واعي . وبعد أن نصل إلى مقترحات لحل هذه الظاهرة نتوالى في معالجة باقي الظواهر إن شاء الله ودمتم في حفظ الله من كل المنغصات. [email protected]