استفاق سكان أحد الأحياء في مدينة روزندال الهولندية (جنوب) على منظر خروف ميت معلق، تتدلى جثته من سقف بناية قديمة من المقرر أن تصبح مسجدا للجالية الإسلامية في هذه المدينة، وعليه لافتة تقول: لا للمسجد. وفيما الأبحاث ما تزال جارية عمن يكون الجاني، أكد رئيس اللجنة المسيرة للمسجد أن الفعل عمل فردي، ودعا لمزيد من الحوار وتكثيف اللقاءات مع سكان الحي. حادث معزول استنكر سكان الحي العملية واعتبروها "بلا طعم" وخارجة عن أدب اللياقة والتعايش. وقال السيد أحمد أحلالوش، رئيس المؤسسة الإسلامية في روزندال إن هذا العمل لا يعدو كونه عملا فرديا يعبر عن "عقلية مريضة". وشدد على رغبة الجالية الإسلامية في مواصلة الحوار والتحاور مع كل ساكنة الحي تفاديا لكل سوء فهم، ولمواجهة الأفكار النمطية المسبقة. ليس هذا الحادث هو الأول من نوعه، ففي السابق أحرقت البناية وقيدت الدعوى ضد مجهول. إلا أنه "لأول مرة يقوم صاحب عقل مريض بتعليق جثة خروف على واجهة البناية". أما السيد عبد الكريم شوقي أحد أعضاء اللجنة المسيرة، فيرى أن المسلمين "لهم الحق في تشييد مكان خاص بهم لممارسة عباداتهم، كما لغيرهم من المواطنين الحق نفسه. نحن مسلمون ولكننا قبل كل شيء مواطنون هولنديون". الماضي أرحم تعليق الحيوانات أو رؤوسها على أسوار مساجد المسلمين أو تلطيخها بالدم، حوادث تتكرر بين فينة وأخرى في هولندا أو غيرها من البلدان الأوربية نتيجة، على ما يبدو، للأجواء المشحونة منذ الحادي عشر من سبتمبر ومقتل المخرج الهولندي تيو فان خوخ، والحرب الكلامية والفعلية بين تنظيم القاعدة و"أعدائها" حول العالم، وغيرها من القضايا الحساسة التي يتفاعل معها المسلم وغير المسلم. لكن الجيل الأول في هولندا ما زال يتذكر "المساعدات" التي كانت تأتيهم من المسيحيين. "حينما شرعنا في بناء مسجد روزندال، يقول أحد المواطنين، تلقينا دعما كبيرا من الكنيسة القريبة منا. تبرع راعي الكنيسة آنذاك بمبلغ وصل ثلاثين ألف خيلدر". تلك الأموال جمعتها الكنيسة من زوارها المسيحيين وتبرعت بها للمسلمين. ويؤكد مواطن آخر أن ذلك الأب ما يزال يزور المسجد عند كل مناسبة دينية، مثل عيد الفطر وعيد الأضحى. عسر الميلاد يقع مسجد روزندال الحالي في حي شعبي يسمى 'كالسدونك‘ أو حي فيليبس؛ وهو حي بني بعد الحرب العالمية الثانية على عجل لإيواء عمال معمل فيليبس المشهور. رحل العمال الآن بعدما شرعت فيليبس في نقل وحدات إنتاجية إلى بولونيا وغيرها من البلدان حيث اليد العاملة أرخص. إلا أن أسماء الشوارع بقيت كما كانت، تحمل أسماء ذات علاقة بعالم فيليبس: شارع التلفزيون، شارع الرادار، شارع التليكس، شارع التلفون، شارع أمبير، شارع واط ، إلى غير ذلك. تغيُّر "وظيفة" الحي دفعت البلدية إلى التفكير في إعادة تهيئته لوظيفة أخرى: حي سكني يضم فيلات وسكن شعبي (اقتصادي). وهذا ما حتم "ترحيل المسجد المغربي والمسجد التركي المتجاورين إلى مكان آخر. وبعد عملية بحث مضنية استقر رأي المغاربة وعينهم على بناية قديمة كانت تستخدمها شركة مشهورة للبناء. معارضة بعدما اقتنى مغاربة روزندال المكان الحالي لبناء مسجدهم الجديد، شرع سكان الحي في تنظيم الحملات ضد المشروع، متبعين في تحقيق ذلك شتى السبل، رسائل الاحتجاج للبلدية، وسائل الإعلام المحلية والإقليمية، دعاوى قضائية، وما إلى ذلك. ومن جانبهم أظهر المغاربة صبرا أيوبيا وتعاملوا مع الرافضين بفتح قنوات الاتصال معهم. كما أن قرارات المحكمة كانت دوما في صالح المشروع. ومؤخرا شرع في إزاحة الركام وتهيئة المكان للبدء في البناء الذي من المنتظر أن يكون مباشرة بعد رمضان المقبل. وكان من اللافت للنظر أن يبادر بعض الجيران إلى إمداد العاملين بكابلات الكهرباء، في بادرة فسرت على أنها إشارة قبول وترحيب. ومع أن الحادث الأخير هدف "تسميم" الأجواء مجددا، إلا أن إجماعا حصل داخل الجالية المسلمة في المدينة أنها تتغاضى عما جرى، لحرمان الجاني من "سلاح" المزايدات، وخاصة في هذا الوقت الذي يقبل فيه الهولنديون على الانتخابات العامة. لم يقدم مسؤولو المؤسسة الإسلامية في روزندال ببلاغ ضد الجاني، تاركين الشرطة تقوم بمهمتها. يقول عبد الكريم شوقي موجها كلامه لمن يقف خلف الحادث: "تعالوا نتحاور كي نشارك جميعا في بناء هذا المجتمع".