مع اعتقال قادة الاحتجاجات في الحسيمة وتصاعد حدة الحراك وظهور إرهاصات وبوادر لتوسعه جغرافياً تبرز عدة أسئلة: ما هي الأسباب العميقة لما يحدث؟ وما هو المدى الذي يمكن أن تصله الأمور؟ وهل سيلقى الزفزافي ورفاقه محاكمة عادلة؟ دخلت حركة الاحتجاج في مدينة الحسيمة في منطقة الريف المغربي (شمال شرق) شهرها الثامن. وأخذت الأمور منحاً تصاعدياً في الأيام الأخيرة؛ فقد حدثت صدامات عنيفة في الحسيمة وبلدات أخرى من الإقليم بين المتظاهرين وقوات الأمن. وقامت الشرطة باعتقال 22 شخصاً يشكلون نواة "الحراك"، حسب أرقام رسمية. لكن أحد المحامين تحدث عن اعتقال سبعين شخصاً. وأضاف الوكيل االعام لملك المغرب في الحسيمة (النائب العام) في بيان أن الموقوفين يخضعون للتحقيق بتهمة ارتكاب "جنايات وجنح تمس بالسلامة الداخلية للدولة وأفعال أخرى تشكل جرائم بمقتضى القانون". كما يواجهون تهم إهانة موظفين حكوميين" وب"العدائية ضد الرموز". بين "السلمية" و"التخوف من الاستغلال الخارجي" يرى د. محمد الغالي، أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري في جامعة القاضي عياض-مراكش، أن "أي دينامية اجتماعية تحمل معها مخاطر. وتزايدت المخاطر في الآونة الأخيرة مع عدم رفع العلم المغربي ورفع شعارات باللغة الأمازيغية". ويبدي الغالي، في حديث معDW عربية، تخوفه من "مخاطر استغلال أطراف إقليمية ودولية لهذا الاحتجاجات وتأجيجها". في 11 نيسان/أبريل قام وزير الداخلية الجديد، عبد الوافي لفتيت، بأول زيارة رسمية إلى الحسيمة. وقد أكد أن منطقة شمال المغرب "أولوية إستراتيجية" للدولة ودعا إلى "إرساء ثقافة الحوار". وانتقد الذين "يعملون على استغلال الحركات الاحتجاجية". غير أن الصحفي المغربي علي أنوزلا ينفي ذلك تماماً. ويعتبر أن "هذا حجة السلطة وهي مردودة عليها؛ لم تستطع الدولة تقديم أي دليل على وجود تدخل أجنبي". وفي حديث حصري مع DWعربية يجزم أنوزلا "وبدون تردد أن هذا الحراك لا يهدد استقرار المغرب". ويستشهد ب"سلمية الاحتجاجات". دعم حكومي للريف..و"لكن"! شهدت منطقة الريف المغربي عدة حركات احتجاجية في الماضي ضد النظام الملكي، قابلتها الدولة بالقمع. وفي خطاب تلفزيوني شهير للملك السابق، الحسن الثاني، عام 1984 وصف سكان المنطقة بأنهم "أوباش". كما تعرضت المنطقة للإهمال من قبل الدولة فيما يتعلق بمشاريع التنمية. يقر الدكتور الغالي بذلك ولكنه يعقب: "منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش حظي الريف باستثمارات مهمة وحتى بامتيازات لم تحظ بها أقاليم أخرى". ويقول الصحفي علي أنوزلا أن مجموع استثمارات الدولة في المنطقة خلال عشر سنوات بلغت "أكثر من ربع مليار" يورو ولكن "ثمار هذا الاستثمار لم تصل للفقراء". ويمضي قائلاً: "المطالب اجتماعية- اقتصادية: كشف الحقيقة بما يخص مقتل بائع السمك والشغل والتوزيع العادل للثروات ومحاسبة المفسدين والحكم الرشيد". ومن المعلوم أن الحركة انطلقت بعد مقتل بائع السمك، محسن فكري، في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2016 سحقاً داخل شاحنة نفايات أثناء احتجاجه على مصادرة السلطات لكمية من سمك السيف وإتلافها من قبل مسؤولي المدينة، بسبب اصطيادها في غير موسمها. لا يبخس الدكتور الغالي مطالب المحتجين ويرى أن جزءاً كبيراً منها منطقي ومعقول، غير أنه يعود ويثير نقطة أن "انتظارات السكان كبيرة بسبب أن الكثير من سكان الريف يعيش في أوروبا أو لهم أقارب في أوروبا وبالتالي أمالهم وآلامهم معلقة في أوروبا وتوقعاتهم كبيرة أيضاً. من هنا تحضر دائماً المقارنة بين مستوى الحياة في المغرب ونظيره في أوروبا". ومدينة الحسيمة هي العاصمة الإدارية لإقليم الحسيمة ويبلغ عدد سكان المدينة 60 ألف نسمة وتطل على البحر الأبيض المتوسط. ومن جانبه لا يرى الصحفي أنوزلا أن ظروف باقي المناطق المغربية "أفضل" من مثيلتها في الريف المغربي. الجغرافيا والسياسة والزمن لم تقتصر تلك الاحتجاجات على الحسيمة؛ إذ خرجت أمس الأحد تظاهرات في عدد من المدن خصوصا تلك المجاورة لمدينة الحسيمة مثل إمزورن والناظور والعروي والدريوش، كما حاول نشطاء تنظيم مسيرة في العاصمة الرباط، إلا أن قوات الأمن اعترضتها واكتفى المحتجون بوقفة أمام مقر البرلمان. وبدأت بوادر انتشارها في مناطق أخرى خارج الريف المغربي. يعتقد الصحفي أنوزلا أن "تلك المناطق الجديدة تخرج لرفع الحيف والتهميش والمظالم عنها. وكما أن تخصيص 65 مليون دولار أضافي للتنمية في الريف عامل دافع لخروج باقي المناطق". ولا يخف أستاذ علم السياسة والقانون الدولي، محمد الغالي، من تخوفه من تصاعد الأمور ورفع سقف المطالب: "الزمن حتى الآن في صالح الدولة والحكومة، ولكن كلما طالت الاحتجاجات سيكون لها تداعيات أكبر سلبية ربما يصعب التحكم بمخرجاتها". أما أنوزلا فلا يكف عن التأكيد على الطابع "المطلبي، الاجتماعي –الاقتصادي"، للاحتجاج وعدم رفع أي مطالب سياسية. وكان زعيم الحركة الاحتجاجية، ناصر الزفزافي، قد صرح أن "مطالبنا اقتصادية واجتماعية ولم نطرح يوماً إقامة دولة مستقلة". وقال "منذ ستة أشهر مطالبنا واضحة وشرعية في إطار القانون: بناء مستشفيات وجامعات وبنى تحتية، مكافحة لوبيات العقارات ومحاربة اللوبيات الذين يسرقون الثروة السمكية". وأضاف "نحن أبناء البسطاء الفقراء نقول لا للظلم لا للفساد. لا نطلب شيئا استثنائياً بل مجرد إعادة تأهيل لمنطقتنا المنكوبة بالكامل اليوم". محاكمة ناشطي الحراك - نزيهة أم صورية؟ لكن الشرطة المغربية أوقفت صباح الاثنين (29 أيار/مايو 2017) زعيم الحراك ناصر زفزافي (39 عاماً). يواجه الزفزافي، العاطل عن العمل، تهمة "اهانة خطيب" مسجد محمد الخامس و"إلقاء خطاب استفزازي" و"زرع البلبلة". ويمكن أن يحكم عليه بالسجن لمدة تتراوح بين ستة أشهر وثلاث سنوات. ويعتقد أستاذ القانون الدستوري، محمد الغالي، أن الزفزافي "سيخضع لمحاكمة عادلة بمقتضى الدستور. ومثل هذا النوع من المحاكمات سيكون لها مراقبة دولية. مما يضمن نزاهتها". ويشار إلى أن زفزافي لم يكف في رسائله على موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي، عن مهاجمة "المخزن"، أي السلطة، مديناً "الديكتاتورية" و"الفساد" و"القمع" و"الدولة الأمنية". وعلى النقيض من الدكتور محمد الغالي، يعتقد الصحفي علي أنوزلا أن الأمور لا تبشر بالخير. ويضيف في حديثه مع DW عربية: "عوّدتنا السلطات المغربية في مثل هذه الحالات على أن لا يحترم انتقامها حتى قوانينها". ويعلق بأن "ما نشاهده هو محاولة انتقام من قادة الحراك. نرى ذلك من طريقة مداهمة البيوت والاعتقالات وعدم معرفة الأسر والمحامين أين يوجد المعتقلين". وفي تطور جديد، نقلت وكالة الأنباء الألمانية اليوم عن أن "حزب العدالة والتنمية" ،الذي يقود الحكومة و"حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" المشارك فيها و"حزب الاستقلال" المعارض، يعملون على بلورة مبادرة لحث الدولة على عدم تجاوز القانون في تعاطيها مع حراك الريف.